23 ديسمبر، 2024 7:03 ص

أتذكر جيدا _حينما كنت في أيام الدراسة العليا _ يوما كنا نستمع فيه الى ملاحظات لجنة مناقشة رسالة ماجستير لأحد زملائنا وفي اللجنة الدكتور سعيد عدنان وهو استاذ الفكر والأدب وعالم رفيع المقام فنظر الى الطالب وقال له : هذه رسالة ملهوجة..والملوهج من لهْوَجَ يلهوج ، لَهْوجةً ، فهو مُلَهْوِج ، والمفعول مُلَهْوَج ولَهْوَجَ الشيءَ : لم يُحْكِمْهُ ولم يُبْرِمْه ولَهْوَجَ الطَّعامَ : لم يُنْضِجْه ولهوج عملَه : أهمله ، وفعله على عجل وبلا إحكام ، ولم يتقنه ولم يحكمه..وفي 2004 كنت رئيس تحرير إحدى الصحف اليومية المعروفة وكان لزاما علينا أن أطلع وفريق العمل على أغلب القرارات الحكومية ومؤسسات الدولة المختلفة لنشرها وتحليلها ونقدها وكنت وأنا أطالع هذه القرارات أعجب لمن قررها وأوجب تنفيذها وفيها من الخلل والخطل وسوء التقدير والتوقيت الكثير الكثير فتنكفئ هذه القرارات على ذاتها وتصبح حبرا على ورق أو تعاد إلى مربعها الأول أو تبقى مجرد حجر عثرة أو إضافة مقيتة أو ثغرة جديدة للفساد ..من أهم صفات الدولة بعد 2003 أنها ملهوجة وطبخاتها السياسية وقراراتها الحكومية ونصف دستورها وقوانينها تتسم بهذه الصفة فلم يستطع قادة الدولة الحديثة وعددهم في أكثر الأحوال لايتجاوز ال20 من أن يصنعوا مطبخا سياسيا يتم فيه إنضاج الطبخات على نار هادئة وبما يتلاءم وأذواق أغلبية المواطنين.. وكانت جل طبخاتهم إن لم يكن كلها كالرغيف الذي لم يختمر تعرض الى نار قوية فاحترق نصفه ونصفه الآخر عجين ..ولم يستطع هؤلاء أيضا أن يطوروا أنفسهم أو أن يحسنوا اختيار الفريق أو البدلاء بل انسحبت كل لهوجتهم السياسية الى الحكومة ومؤسسات الدولة كلها فأضحى كل شيء يخرجونه للناس ملهوجا..وما حدث في آخر رزية ( رزية الخميس ) دليل مضاف الى مئات الأدلة إن لم نقل الآلاف من هذه الطريقة في بناء دولة العراق الحديثة اذ كيف يستطيع أن يقدم رئيس وزراء كابينته الوزارية الجديدة بلا أي تحضير وإعداد وتنسيق .. وكيف يقدم القادة على توقيع وثيقة إصلاحية حسب زعمهم ولم يهيئوا الواقع الذي يقبلها ويتفاعل معها ايجابيا وهم قادة القوم ..إن مايحدث منذ شهرين ونيف لهو نتيجة حتمية لكل هذه السنوات المتخمة بالأموال والوعود والتضحيات ولكنها سنوات عجاف من حيث الانجاز والتطور والترقي..وكل مانراه اليوم من فوضى وصراعات ونزوات وتمسك بالسلطة انما هو لطبخ الإصلاح بطريقة ملهوجة..بيد أن الأمل منعقد في أن يتبلر من هذه الوقائع واقع انفراجي يؤمن بأن بناء الدولة لايتم عبر الأشخاص فقط وإنما عبر الخطط والبرامج المدروسة والعملية والتي لها هدف واحد وهو تهيئة العيش الرغيد والكريم لمواطنيها وبغير ذلك فلا عاصم لنا من الانهيار ..