بعد ترقب وانتظار عقد في التاسع عشر من الشهر الجاري (المؤتمر الوطني للسلم الاجتماعي) وقد اطلقت فيه مبادرة السلم الاجتماعي التي تحتوي خمسة عشر بنداً، وميثاق الشرف الذي يحتوي أحد عشر بنداً، وجميع هذه البنود تدور حول العنف والتهجير الطائفي واعادة التوازن والمصالحة واطلاق عملية التنمية…الخ
ولابد لنا من تسليط الضوء على مجريات هذا المؤتمر:
1- إن المواطن يتساءل اذا كنتم ايها القادة تتحدثون عن المصالحة وتوسيع اطار المشاركة فما هي الاضافة النوعية التي اضفتموها في اجتماعاتكم المتكررة؟
ان الذي حصل هو ان اطرافاً مهمة من اركان العملية السياسية لم تحضر اجتماعكم ومنها التيار الصدري والقائمة العراقية وجبهة الحوار، كما ان بعض القوى التي حضرت لم تُمثل بثقلها القيادي!
2- على الرغم من عقد الاجتماع الذي هلل له الانصار والمحللون “الجدد” فان بعض الحاضرين من اقطاب العملية السياسية عبروا عن شكوكهم بالقرارات حيث لم يتم الالتزام بالاتفاقات السابقة وقد عبّر عن ذلك عبر وسائل الاعلام رئيس مجلس النواب الحالي وهو احد اعمدة العملية السياسية القائمة، ونحن نتساءل هل التزمتم جميعاً باتفاقاتكم السابقة؟ وهل التزمتم بالدستور الذي هو اسمى من مواثيقكم؟ وهل احترمتم القوانين والعدالة التي اكدت عليها الشرائع السماوية والوضعية؟
3- ان جوهر ما طرح في الاجتماع من قضايا ومهام هي مطروحة منذ عقد ونيف من الزمن ومن لم يتمكن من معالجة المشكلات المطروحة منذ حوالي أحد عشر عاماً هل يستطيع الان حلّها؟
لقد ادخلت العملية السياسية البلاد بمشكلات يصعب حلّها من خلال من لهم مصلحة في المحاصصة والطائفية السياسية، فقد استفحل التهجير الطائفي في البلاد لدرجة ان الوقف السني اقدم على غلق الجوامع في المناطق الجنوبية، وكذلك لم تحل مشكلة المناطق المختلطة (سنة وشيعة) في بغداد وبعض المحافظات الاخرى التي يجري فيها القتل على الهوية، مما جعل نائب الممثل الخاص للامم المتحدة يشير اليها في كلمته التي القاها بمؤتمر ( ميثاق الشرف)!
اما الامن المفقود منذ سنوات طويلة والفشل الذريع في معالجة اسبابه فهو يتسبب يومياً بازهاق ارواح العشرات، بل احياناً المئات من العراقيين الابرياء، مما دفع اعداداً كبيرة من العراقيين للهجرة الى بلدان اللجوء مرة جديدة، كما ان اعداداً اخرى اخذت تفتش عن بلدان تجنبهم الموت وتكاليف المعيشة المرتفعة كجورجيا على سبيل المثال التي هاجرت اليها اعداد كبيرة من العراقيين للعيش بها .
اما بشأن الفساد المالي والاداري فيلخصه رئيس هيئة النزاهة السابق بالقول “ اننا لم نعد نفرق بين السياسي والمقاول” !
وبصدد التنمية التي اشارت اليها وثائق الاجتماع فيجيب عليها اعلان وزارة التخطيط القاضي بفشل خطة التنمية للاعوام 2010 – 2014 ووضع خطة بديلة عنها للاعوام 2013 -2017 وعزز اعتراف وزارة التخطيط بفشل الخطة اعلان مدير البرنامج الانمائي التابع للامم المتحدة في العراق . ومن يعلم اذا ما كان مآل الخطة الجديدة الفشل كسابقتها لان المعطيات السابقة لم تتغير !
وفي ما يتعلق بقطاع الخدمات وتخلفه فهو احد الهموم الرئيسية للمواطنين فابناء البلاد يفتقدون الكهرباء في هذا الصيف القائض لدرجة أن كبار المسؤولين اصبحوا يتحدثون بانهم لا يثقون بوعود المسؤولين عن قطاع الكهرباء. واما مياه الشرب والصرف الصحي والسكن والعمل فحدث ولا حرج !
وبشأن مستقبل البلاد الاقتصادي فلا جديد ملفت فالبلاد تعتمد موازناتها بحوالي 93% على النفط وهذا يعني انها تعتمد على مصدر واحد هو النفط وبسبب هذه الطبيعة الريعية فأن الناس يعتمدون على الوظيفة الحكومية وعلى الهبات من اصحاب السلطة والذين يستتبعونهم سياسياً.
اما الفقراء وجيش العاطلين عن العمل فنصيبهم الوعود واستحضار ما قاله الجواهري شاعر العرب الاكبر:
نامي على زبد الوعود يداف في عسل الكلام
وفي المحصلة فأن الدولة العراقية اصبحت في ظل هذا النهج والعملية السياسية المشوهة دولة فاشلة تعاني صراعات شبه دائمة بين القوى المسيطرة على السلطة .
كما بدأت تتصاعد دعوات الاقاليم والفدراليات على اسس طائفية واقتران المصالح المحلية لاصحاب هذه الدعوات بدعم خارجي وهذا سيؤدي في النهاية الى تفكيك البلاد ، فالدولة لم تنتصر والارهاب لم ينهزم وتفاقمت المشاكل وزاد الشقاق وتصاعدت الاحتجاجات والتظاهرات.
لقد اثبتت السنوات المنصرمة أن لا سبيل للحفاظ على وحدة البلاد وتقدمها دون وجود قيادة قادرة على ادارة الخلاف بروح بعيدة عن التسلط والاستئثار والتعالي واحترام وجهات النظر الأخرى ومن ثم التخلي عن نظام المحاصصة البغيض تمهيداً لبناء دولة مدنية ديمقراطية تتحقق في ظلها العدالة والمساواة والمشاركة الواسعة والتداول السلمي للسلطة.
اما الاصرار على الخطأ واقصاء الآخر فسيجعل اليأس يدب في نفوس ابناء شعبنا ولسان حالهم يردد اغنيتهم الشهيرة ( ما أرجَ بالصفصاف يطلع ثمر بيه).
الامين العام للحركة الاشتراكية العربية