22 ديسمبر، 2024 9:00 ص

دولة غير جادة في بناء البلد ، تدهور البيئة والمناخ مثالا

دولة غير جادة في بناء البلد ، تدهور البيئة والمناخ مثالا

يوم بعد يوم ، تثبت الدولة العراقية (إن صح تعبير دولة) لأنها بلا معايير الدول ، والطبقة السياسية ، أنها لم تأتِ لبناء البلد وتطويره وبناءه ، رغم توفّر كل مقومات البناء ، بل بدلا من ذلك ، فتحت دكاكينها مشرعة على بيع وشراء كل شيء ، فهنالد دكاكين التعليم الأهلي والجامعات الغير رصينة ، تلك التي فتحت أبواب تزوير الشهادات على مصاريعها ، هنالك دكاكين المناصب ، ولا يهم أن يكون ذو المنصب من الإختصاصيين ، بل لمن يدفع أكثر وإن كان متخلّفا ، إستغلت كل شاردة وواردة لتجويع المواطن وعصره ، البلد بأجمعه أصبح مجرد مزادا لتجارة الضمائر وقوت الناس ، وأمنهم وخدماتهم ، رفعت قيمة الدولار بدون داعٍ واضحٍ ، لا تتوقف عن الإستدانة من صندوق النقد الدولي لإبقاء تسلطه وتدخله في كل الأمور التي تسبب الوجع واليأس للمواطن ، جميع الدول النفطية تعيش عصرها الذهبي لأن قيمة البرميل تجاوز 80 دولار ! ، إلا نحن ، فقد أحالوا هذه النعمة الوحيدة في البلد إلى نقمة يكفر بها المواطن ويلعنها !.

لقد تسلطت علينا طبقة نهمة لا تعرف الشبع ، ومئات الأحزاب التي لا تمتلك فكرة أو هدف ، مجرد عصابات ، تسمي نفسها أحزابا ، تحتاج إلى تمويل بأرقام فلكية ، كخط رجعة ليعيش أفرادها معيشة الأغنياء بأرصدة خيالية لغاية أحفاد أحفادهم ، فهم يعرفون أنهم مكروهين من شعبهم ، ولا بد أن يأتي يوم سيركل الشعب مؤخراتهم .

أبواق المنظمات البيئية الرسمية وغير رسمية ، أكدت أن بغداد لم تعد صالحة للعيش بسبب إرتفاع التلوث في أجوائها والتصحّر وإرتفاع الحرارة بشكل قياسي بحيث صارت الأشد عالميا وبلا فخر !، بسبب تجريف آلاف الدونمات من المساحات الخضراء والبساتين وهي بمثابة رئة تنقي الأجواء وتلطفها ، وإستغلالها لبناء المولات والأسواق الفارهة وتحويل بعضها إلى مناطق للسكن .

في الماضي ، كانت قيادة السيارة ممتعة على الخط السريع الذي يصل بغداد الجديدة- الدورة ، كانت الأنسام من بساتين الدورة أشبه ما يكون بهواء المكيفات حتى في شهر آب ، لكن تلك الأنسام تحولت بعد مذبحة النخيل في تلك المنطقة ، إلى هبات وكأنها تنبعث من الأفران ! ، بل كأنها مسّ سقر ! .

وبسبب إنعدام خدمات الإسكان حاله حال أي مرفق يخطر على بال ، ووصول المواطن إلى الفقر المدقع ، إستغل الكثيرون ما تبقى من حدائق المنازل لبناء الدور الصغيرة التي تقع خارج معايير أمانة بغداد ، هكذا فقدت بغداد إبتسامتها وتحولت إلى قبر كبير يحيط به الغبار ، وتكتنفه الروائح الكريهة والأزبال بسبب عدم إعتماد المعايير العالمية في الطمر الصحي ، وإهمال الجهات ذات العلاقة لشوارعها ، والماء لا يصل لإرتفاع شبر واحد عن الأرض ، وتفشي العشوائيات وتراكم أسلاك المولدات الأهلية حتى خنقتنا ! .

الجميع يعلم ، أن الإهتمام بالمساحات الخضراء وتوسيعها ، هو الحل الوحيد لتلطيف الأجواء وإغناؤها بالاوكسجين ، لكن أليس في السلطة ، بما فيها من صحة وبيئة ، وصناعة وزراعة وعلوم وتكنولوجيا وري ، أليس فيها رجل رشيد ، يعلم أن المشكلة الوحيدة هو نبذ الكسل وتوفير المياه ؟ ، أليس بإمكان هذه الجهات ، أن تتوقف ولو مؤقتا عن السرقات والإنجازات الوهمية ، لتتصرف حسب واجبها ولو لمرة واحدة لمعالجة هذا التدهور ؟ ، ألا يعلمون أن توفير المياه ليس بمشكلة مستحيلة على الإطلاق بعد توفّر التكنولوجيا الرخيصة الخاصة بسحب المياه الجوفية ، وبدون تمديدات الطاقة ؟ .

منذ عقد من الزمن ، قمت بإنشاء محطة للطاقة الشمسية في بقعة ما من صحراء النجف الأشرف ، وهي محطة دعائية لصالح الشركة التي كنت أعمل بها ، وهي محطة لا تحتاج إلى مشغّل لأنها أوتوماتيكية بالكامل ، وكل الذي كنا نخشاه ، هو تعرّضها للسرقة !، فتفاجئنا في اليوم التالي ، وقد غمرت عدة دونمات عطشى بالماء ، عمق البئر الذي حفرناه لا يتجاوز 30 متر ، وحولها المئات من الماشية تشرب منها ، ورعاة هذه الماشية يدعون الله لنا بالخير ! ، وحقيقة لا أعلم مصير هذا المنجز بعد هذه السنوات ، سعر هذه المحطة (آنذاك) لم يتجاوز 3000 دولار بضمنها الأعمال المدنية ، إنها تنمية للثروة الحيوانية والبيئية ، وبالتأكيد فإن سعر هذه المحطة الآن أرخص ، المحطة لا تحتاج لبطاريات غالية الثمن ، لأن طاقتها تستمد من الخلايا الشمسية مباشرة .

أقول ، متى تصحى الأنفس وتعود لصوابها ، وتضع المال لإنشاء هذه المحطات في مكانه الحقيقي ، لا أن يدخل الجيوب ؟! ، والإختصاصيون يعلمون نوع الأشجار التي تتحمل العطش والحر ، وستكون بحاجة للري مرة واحدة في الأسبوع ، ونحن بحاجة إلى عشرات السنين لتعود أجواء البلد إلى سابق عهدها ،إن عادت !.