الأحزاب بمختلف أنواعها وفي كل تصنيفاتها هي صناعة بشرية في فكرها ومبادئها وعقيدتها، وبشرٌ هم من يطبق برامجها المختلفة المنطلقة من تلك المبادئ والفكر والعقيدة.
وعادة ما تستحضر هذه البديهيات عندما يطلع على العالم مَن يخرج عن حالته البشرية ويصير ملكاً من الملائكة ويوجه السهام والاتهامات والتنكيل إلى حزب وضعي أسسه بشر ويقوده بشر ويتعامل مع بشر.
ومع هذا الاستحضار يقفز إلى طرف اللسان تساؤل بسيط مباشر هو :
هل أن منتقدي الأحزاب المختلفة قادرون على تأسيس أحزاب ملائكية لا تخطئ في عملها وفي تعاملها، ولا تطال قياداتها حالات فشل أو عثرات أو إخفاقات؟
المؤكد الذي يمكننا الإطلاق فيه دون وجل ولا تردد هو استحالة وجود حزب ملائكة، غير أن وجود أحزاب ذات برامج وأهداف شريرة خائنة عميلة مجرمة هو أمر وارد ومجرب، والعراقيون يعيشون براهينه على أرض وطنهم منذ سنة ٢٠٠٣ م بعد الغزو وبعد تحويل العراق إلى ساحة للإرهاب والفساد والإجرام والخيانة والعمالة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإننا نجد موضوعياً أن حزباً عميلاً كحزب الدعوة مثلاً، أو حزب عائلة آل الحكيم أو حزب الجلبي ( الذي يبدو أنه قد مات مع موت صاحبه ) أو حزب علاوي الذي سيموت هو الآخر فور موت صاحبه وغيرها، يتحدث قادتها وأعضاؤها بكل وقاحة وانعدام حياء عن كونهم أحزاب ملائكة، ويكيلون التهم لتسقيط أحزاب أخرى، بل ويذهبون أبعد من هذا حيث يشكلون مليشيات وفرق موت لقتل مواطنين لا يتفقون مع برامجهم الخيانية، أو لأنهم ينتمون إلى أحزاب أخرى.
هذا التشابك غير الحميد مرده وفق تقديراتنا إلى :
أولاً : إن من يبحثون عن الملائكية في الأحزاب، وبعضهم أعضاء في هذه الأحزاب، هم أصحاب أغراض ومصالح شخصية، وهم قبل غيرهم يعرفون أن ما يوجهونه من نقد وتخطيئ واتهامات سيوجه مثله وربما أكثر لأحزاب قد يطلقونها هم، بمعنى أنهم يعرفون يقيناً بعدم امكانية وجود حزب ملائكي.
ثانياً : إن الباحثين عن المثالية هم عادة بعيدون عن الساحة التي يشتغل عليها الحزب، وهم عادة لا يصدقون مع أنفسهم في تقييم واقع الحزب قبل وبعد اهتزاز قناعاتهم، أو بعد أن يقرروا الخروج على مبادئ وعقيدة الحزب الذي ينتقدونه.
وبوسعنا أن نضرب مئات الأمثلة على أعضاء في أحزاب كانوا يكيلون لها المديح ويقدسون مسيرتها الإجمالية ويتفاخرون بولائهم لقيادتها ثم ما لبثوا أن انقلبوا على أعقابهم.
ثالثاً : إن البيئة التي يحصل عليها أو في إطارها هكذا تشابكات غير حميدة وهكذا تناقضات صارخة ممجوجة هي بيئة غير متجانسة تعج بالتناقضات، ويتباعد وصف وتقييم أفرادها الفكري والثقافي ودرجات وعي أبنائها.
البيئة التي تعاني من التناقضات لا يمكن لها أن تقترب في وجهات نظرها ولا تتجانس في توجهاتها، وبيئة العراق واحدة من هذه البيئات التي تحكمها عوامل جهل وتخلف وفقر وطائفية وعرقية وعشائرية وأنانيات ومصالح متعارضة.
وعلى هذا فإننا لا نستغرب أبداً أن يجتث ويحضر حزب خدم العراق والعراقيين خدمات جليلة وعظيمة لا حد ولا حصر لها كحزب البعث العربي الاشتراكي وتعدم قيادته ويطارد أعضاؤه بالموت وقطع لقمة العيش وتخوينهم وهم من بين أشرف خلق الله وأنقاهم وأكثرهم وعياً.
ونحن حين نصف البعث بهذه الأوصاف فنحن لا ندعي بملائكيته بل نقر أنه بيئة العراق، ونفذ إليه مَن لا يؤمن به ومَن لم يتخلص من ذاته الأمارة بالسوء، بل إن أحكامنا تنطلق بعلمية منطقية نسبية وبالاستناد إلى معطيات ما أنتجته أحزاب ما بعد غزو العراق واحتلاله وتدميره، ولا نستغرب أن يكون مَن تسلط على رقاب العراقيين من أحزاب بعد الغزو هي أحزاب إيرانية وأخرى تأسست بتمويل خليجي أو تركي، على سبيل المثال لا الحصر أي أنها أحزاب تفتقر للوطنية وبث قادتها وكوادرها عناصر الفناء في العراق.
الشيطان يدخل إلى الإنسان من ثلاث أبواب لا رابع لهم هم نقاط ضعف الإنسان أي إنسان، المعرفة المال والجنس، ونحن لو نظرنا في الشارع وما يحدث ويدور فيه من مناقشات واتفاقيات وسرقات وسخافات وشتائم من كل شكل ولون سوف نكتشف أن الشيطان قريب منا بدرجة تدعو للدهشة . وهذا الشيطان هو شيطان المعرفة. فبطل المسرحية باع روحه مقابل العلم والمعرفة التي منحها إياه “مفستوفليس” وقد حدث هذا بعد أن وقعا عقدا بينهما بذلك؟!
وكان (غوته” قد استلهم واقعة وقعت في بداية القرن السادس عشر حيث كان يوجد دكتور اسمه “فاوست” وكان ماهرا فى السحر والكهانة وذاع انه باع روحه للشيطان فى مقابل المعرفة.. ثم اختفى فى ظروف غامضة. أن الشيطان يدخل إلى الإنسان من ثلاث أبواب لا رابع لهم هم نقطة ضعف الإنسان أي إنسان، المعرفة – المال – الجنس، ونحن لو نظرنا في الشارع وما يحدث ويدور فيه من مناقشات واتفاقيات وسرقات وسخافات وشتائم من كل شكل ولون فهذا سوف يوضح لنا أن الشيطان موجود في الشارع وليس في الأماكن الخربة فقط بل هو ليس بعيداً لأنه قريباً منا بدرجة تدعو للدهشة حيث أننا نفعل الشيء ونقيضه نذهب إلى المسجد ندعوا ونستغفر ونطلب من الله الهداية والرحمة والعفو وما أن نخرج الى الشارع حتى نعيد التعامل من جديد مع شيطان المال وشيطان الشهرة وشيطان الرغبة وشيطان التفوق وشيطان المزاج وشيطان السلطة وعندما يلام أحد من هؤلاء الذين يتعاملون مع الشيطان فيقول الحكمة الخالدة “الشيطان شاطر” مع أن العكس هو الصحيح حيث يمكن لاي كان هزيمة الشيطان إن أراد بطريقة سهلة ومعروفة للجميع وهى الاستقامة. فالذي يحدث الآن أعظم بكثير مما فعله كفار قريش بل أن كفار قريش بجوارهم أقل قسوة وأكثر فهماً لما يحدث. رغم أن الكل يتكلم باسم الدين مدافعاً عن أفعاله وأهوائه التي سوف توصله إلى ما يريد شيطان الدول العربية. والآن لمن سوف نقيم تماثيل للسادة الذين يحاولون تخريب وإشعال البلد من أجل إرضاء شيطانهم الذي يحركهم ويدفعهم لكي يفككوا البلد لحسن البنا صناعة المخابرات الغربية لسيد قطب صاحب الشخصية النرجسية والذي بسببها باع كل شي من اجل أن يرضيها ويريها ما دامت قد حرمت في ان تأخذ أي شي من كعكه ثورة يوليو وهو الذي دافع عنها بكل ما أوتي من قوة على أمل ان يتولى وزارة، لكن تذهب الوزارة الى زميل جمال عبد الناصر في ثورة 1935 المنسية الشيخ احمد حسن الباقوري، وهو ما لا يمكن السكوت عليه فأنقلب على كل شي، ثورة ووطن بناسه بدينه بكل شي، ينتقم منهم جميعا واضعا طريقة الانتقام في برنامج يحمل اسم “معالم في الطريق”. .
المالكي لم يكتف بما فعله في السنوات الثماني السود من تاريخ العراق، وها هو يريد تكرار المأساة.
الماكي جعل العراق حديقة خلفية لإيران تتصرف بها كما تشاء
إن أقوى الأسباب التي تجعل المواطن العراقي غير الملوث بجرثومة العمى الطائفي الثأري المتخلف يكره الوجود الإيراني في العراق ويتمنى زواله هو أن الدولة الإيرانية، من أعلى ما فيها من القيادات والمؤسسات الدينية والدنيوية، لا تسمح للشعب العراقي بأن يضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتمنع العدالة العراقية من معاقبة القاتل والمزور والمختلس، خصوصا إذا كان واحدا من أعضاء الشلة الذين شاءت دولة الولي الفقيه أن تفرضهم قادة وأصحاب ميليشيات ورؤساء وزارات ووزراء وقادة جيوش.
ويكفي أن نتأمل ظاهرة واحدة تلخص كوارث العراق المزمنة منذ عام 2006، وهي ظاهرة نوري المالكي، وحده، وننسى الظواهر الشاذة الأخرى التي لا يقبل النظام الإيراني نفسُه بوجودها في دولته، بكل تأكيد.
وإحساس الشعب العراقي بعمق الخلل الذي وصلت إليه الدولة العراقية، وبحجم الظلم والفساد والخراب واليأس والخوف من المستقبل، ليس لأن هذا المخلوق المسمى نوري المالكي الذي يحتل شاشات التلفزيون والصحف والمواقع كل يوم وكل ساعة، باعتباره أحد أعمدة الحكمة السبعة في العراق الإيراني مكشرٌ دائما، وغاضبٌ دائما، ومختصمٌ دائما، ومستهين دائما بالجميع، ومتطوع دائما بتوزيع تهم الخيانة والإرهاب والبعثية والصدّامية على خصومه الكثيرين. بل هناك أسباب عامة عديدة تمس الوطن وحاضره المعمَّد بالدم والدموع، ومستقبله المحفوف بالمخاطر.
وحين ندخل إلى صلب الواقع الغلط الذي يمثله هذا المخلوق الغلط سنحكم عليه بسرعة، منذ البداية، ودون مراجعة، بالمروق والضلال والتخلف وعدم الأمانة وعدم الإيمان بالوطن وبحاضره ومصيره. فمن أقواله ندينه.
فقد نشرت صحيفة الغارديان في الرابع عشر من ديسمبر 2011 ردَّه، في مؤتمر صحافي، على صحافي أجنبي طلب منه أن يصف نفسه، فقال “أنا شيعي أولا وعراقي ثانيا”. وهو بهذا يؤسس لفلسفة مدمرة في الحكم تقوم على أساس أن الوطن في خدمة المذهب.
وهذا ما يجعل الأموال التي يتهمه الشعب العراقي باختلاسها أو بتبديدها أو بإخفائها أموالا حلالا وفق عقيدته التي تجعل من أولى واجباته المقدسة أن يضع أموال الدولة العراقية، بكل مؤسساتها وثرواتها وقدراتها العسكرية والأمنية والاقتصادية في خدمة المقاتلين في سبيل المذهب، أينما كانوا دون تقصير، مهما قيل عنه وما سيقال.
ودون شك، لقد تمكن المالكي من أن يصبح قائد الدولة العميقة التي تمسك بمقاليد الأمور. وبلسانه قال، مخاطبا كبار أعضاء حزب الدعوة في اجتماع مغلق، “لقد بقي ’الدعاة‘ يتحملون العبء الأكبر في إدارة الدولة، وخاصة خلال فترة وجودهم في موقع رئاسة الحكومة والقيادة العامة للقوات المسلحة منذ عام 2005. وحتى بعد خروج الحزب من رئاسة الحكومة ظل الدعاة كلٌ في موقعه، يمارسون واجبهم الإسلامي الوطني سواء في الجانب التنفيذي والخدمي والتشريعي والرقابي، وهو واجب لا ينفك عن وظيفة الداعية الأساسية”.
ومن أجل فرض عقيدته المذهبية على طوائف الشعب العراقي وقومياته المتعددة، فقد عمد، منذ أن تسلم رئاسة الوزارة بقرار السفير الأميركي زلماي خليل زاد، وموافقة إيرانية في 2006 إلى تأجيج الأحقاد الطائفية، مُقسِّما الشعب العراقي إلى جيشين، جيش يزيد وجيش الحسين. وبموجب هذه النظرية دشن أول أيام عهده باعتقال المئات من شباب طائفة يعتبرها عدوة لطائفته، ومازالوا مغيبين إلى اليوم.
وفي أغسطس 2009 ضربت أطراف العاصمة في يوم واحد سبع سيارات مفخخة راح ضحيتها 95 من المواطنين الأبرياء. ويومها اتهم نظام بشار الأسد بتدبيرها، وطلب من مجلس الأمن الدولي التحقيق فيها. ولكنه في 2011 ظهر على التلفزيون وقال “لن أسمح بسقوط نظام بشار الأسد، وإذا رأيت أنه موشك على السقوط فسوف آخذ الجيش العراقي وأذهب للقتال معه”.
وبالفعل، لقد بادر بإرسال الآلاف من المقاتلين للقتال مع جيش النظام السوري بحجة حماية العتبات المقدسة.
وعلى صعيد عبثه بالأموال، وفي أجواء الإفلاس النسبي الذي أوصل إليه حال الخزينة العراقية الذي لن تتعافى منه في المدى المنظور، فقد قدرت مصادر مالية عراقية وعربية ودولية موارد العراق، في دورتي رئاسة المالكي، من عام 2006 وحتى 2018، بأكثر من 750 مليار دولار لا يعرف أحد أين أنفقت وكيف.
وكان الناطق الرسمي لهيئة النزاهة عادل نوري قد أبلغ البرلمان العراقي عام 2016 عن اختفاء مبلغ نصف تريليون دولار من الخزينة العراقية خلال حكم المالكي.
حتى أن رفيقه في الحزب الذي تولى الرئاسة بعده، حيدر العبادي، شكا من خواء خزينة الدولة، قائلا “إن القائد الضرورة لم يترك لي في الخزينة سوى خمسة مليارات دولار فقط”.
ولعل أكبر الأضرار التي ألحقها بالدولة العراقية أنه جعلها حديقة خلفية لإيران تتصرف بها كما تشاء، فتنشئ الميليشيات، وتسلح العصابات، وتعيّن الرؤساء والوزراء والسفراء وقادة الأمن والجيش، وتدير شؤونها الاقتصادية وتقرر علاقاتها العربية والدولية، وتعمق العداوات بين مكونات الشعب العراقي، خدمة لأهدافها التوسعية.
ولا ينسى العراقيون أن حكومة المالكي، باعتراف وزير العدل، تغاضت عن تهريب 500 من عُتاة قادة القاعدة وداعش من سجن أبي غريب، ولم تطاردهم لحين عبورهم إلى سوريا.
واستمرارا في نهجه المستهين بالدولة وقوانينها وقراراتها، فإن المالكي لم يحترم مدونة “السلوك الانتخابي” التي وقع عليها رئيس الجمهورية وقادة الأحزاب والقوى السياسية لمنع استخدام المال السياسي، فقد واصل زياراته الميدانية ولقاءاته برؤساء العشائر والتجمعات المهنية والمذهبية، وقام بتوزيع الهدايا المالية والمسدسات، علنا وعلى شاشات التلفزيون، ولا أحد اشتكى ولا أحد اعترض.
إنه يحلم بفوز ائتلافه وائتلدولة شيصبان وكأنهم ملائكةدولة شيصبان وكأنهم ملائكةافات رفاقه في البيت الشيعي بأغلبية مقاعد البرلمان القادم ليعود رئيسا للوزراء، ليعود تاريخ السنوات الثماني السود، مرة أخرى، وليعود الاقتتال والاختلاس وخراب البيوت.