خطان متوازيان حادّان ، يحيطان برقبة المواطن لذبحه ، من صنع دولة (إن صحّت تسميتها دولة) ، لا يوجد لها مثيلٌ في التاريخ ، الأول جريمة رفع سعر صرف الدولار والإصرار عليه رغم إرتفاع سعر برميل النفط إلى أكثر من ثلاثة أضعاف ، ورغم صيحات إستغاثة الفقراء ، الثاني هو الإصرار على الإستمرار بالإقتراض من شايلوك العصر الخالي من الرحمة والإنسانية ، ذلك هو صندوق النقد الدولي ، وذلك لإبقائنا تحت رحمة شروطه المجحفة ، يشم المواطن من خلال هاتان الكارثتان ، على تصرفات رعناء لإرضاء هذا اللوبي المالي العالمي المشبوه ، من هنا نفهم ضياع السيادة الوطنية ، لا السيادة التي يتباكى عليها المشبوهون في العملية السياسية قولا بلا فعل .
لم تكتفِ الدولة بتلك السياط التي تجلد المواطن يوميا ، بل تفتفت ذهنيتها الإجرامية عن عدة وسائل لرسوم وجبايات لا ترحم ، إنظر إلى الغرامات المرورية الباهضة التي لا تتناسب مع دخل المواطن ، وكأن العراقي يعيش في بحبوحة الشخص الإماراتي ! ، وأجور جباية الكهرباء (الطايح حظها) والغنية عن التعريف ، والماء غير الصالح للشرب (إن وَجِد) ، لاحظ جبايات الضريبة وأساليبها المتخلفة ، وعراقيل تشابه الأسماء والمساومات الظالمة مع الموظفين ، وهذا ينطبق على كل مرافق الدولة التي صارت أقذر من المرافق الصحّية ! ، إنظر إلى الإبتزاز في السيطرات ولعنة تشابه الأسماء التي لا يمكن محوها حتى من قبل رئيس الوزراء ! ، ونفس الشيء ينطبق على أسعار الوقود السيء للغاية خصوصا ونحن دولة نفطية ، لكنها ألغت كل أشكال الدعم ، رجال أمن متورطون بالإغتيالات وتجارة المخدرات ، أسوأ خدمة (إنترنيت) وأغلاها في العالم ، فالخدمة الدولية ذات 20 دولار ، أسرع من نظيرتها في العراق بثلاثين مرة ! ، عدا إنقطاعات تصل إلى 30 مرة في اليوم ! ، وأسوأ وأغلى أجور تعبئة بطاقات الهاتف المحمول ، والمضحك المبكي أن سعر البطاقة مدون عليها 5000 دينار لكن سعرها 6500 دينار ! ، وما زلنا محرومون من الحدود الدنيا من الأمن والخدمات ، والبطاقات التموينية في طريقها للإنقراض ولا تفيد إلا في تمشية المعاملات ، وكل هذا الخراب ، والذباب الحكومي يطنطن على وتر (الخدمة الإلزامية) !.
أحزاب وتيارات وتحالفات كلها في منتهى النفاق والكذب والتخلّف والنهب ، تجدهم بمنتهى التوافق كالسمن على العسل والإبتسامات لا تفارق وجوههم ، وهو نفسه كان بالأمس يرمي جليسه الآخر بالخيانة والتبعية والسرقة وتسهيل دخول (داعش) ، وكل إتهام يستحق صاحبه الحكم بالإعدام عدة مرات ! ، إنتهازيون متلونون مستعدون للتحالف مع (إبليس) وهم من الإسلامويين (!!) ، فقط للحصول على أكبر عدد من كراسي المراحيض التي تصب في نفس البالوعة ! ، أحزاب بلا أيديولوجيات ولا أدبيات ، اللهم إلا الإخلاص للعوائل لا للبلد ، أو مَن يعيّرنا دوما من أنهم حماة الأعراض أو مِن أصحاب الخطوط الحُمر !، وهنالك التافهون ممن يمتلك أموالا فلكية سرقها من (صولات) سابقة ، ليشتري ما يشتهي من المناصب أيا كان وحسب الدفع ! .
طبقة سياسية لا يهمها إلا (البزنس) والصفقات ، وليذهب البلد وفقراؤه إلى الجحيم ، دمّروا الصناعة فزدادت جيوش البطالة ، أهملوا الزراعة وأحرقوا المحاصيل لتبقى أبواب الإستيراد مفتوحة على مصاريعها ، وحلّ الجفاف وسوء المناخ على أرض السواد ، إستولوا على البساتين وأحرقوا الأشجار حتى صارت بغداد غير صالحة للعيش لبناء المولات ومراكز التسوّق الفارهة ، إغتصبوا عقارات الدولة لتكون مراكزا لحياكة المؤامرات ، والتي منها خرجت طبخة التغيير بعد السيد عادل عبد المهدي بسبب ضغط ثورة تشرين الباسلة ، ذلك الأمل الذي لم يختر شخوص هذا التغيير ولاموعد ما يسمى “الإنتخابات” ، ثم يأتي من يقول أن التغيير الذي حصل هو من نتائج ثورة تشرين ! ، وهو ليس تغييرا في كل المعايير ، حسنا ، ربما أسميه تغييرا ، لكن نحو الأسوأ ! .
للأسف الشديد الكثير من القنوات أخذت على عاتقها نشر دعايات إنتخابية تافهة تستخف بعقولنا وتهين ذكائنا وتصيبنا بالغثيان ، وتصريحات مريضة من قبل المرشحين ، وأناشيد وأشعار وقول وقصائد من قبيل (تمشي على الرؤوس) ، أإلى هذه الدرجة بلغ رخص رؤوسنا عندكم ؟! ، لو كنت في موقع الإفتاء ، لأفتيت بحُرمة الإشتراك في المهزلة القادمة التي يسمونها “إنتخابات” .