23 ديسمبر، 2024 9:58 ص

دولة الميليشيات أم ماذا؟!

دولة الميليشيات أم ماذا؟!

منذ الاحتلال الامريکي للعراق ودخوله عهد مايسمى ب”العراق الجديد”، فإن الذي يلفت النظر کثيرا وصار سمة لهذا العهد هو النفوذ الاستثنائي الذي يزداد ترسخا للنظام الايراني في العراق والذي لم يترك مجالا أو معترکا إلا وبسط ظلاله السوداء الکئيبة عليها، والذي يجب ملاحظته وأخذه بنظر الاعتبار والاهمية إن قوة هذا النفوذ والتمادي في ترسيخه يعتمد على عاملين رئيسيين: الاول الاحزاب والشخصيات الشيعية التي کانت متواجدة في إيران ودخلت العراق بعد الغزو الامريکي للعراق وهذه الاحزاب والشخصيات قد تم”تدجينها”جميعا وهي تتصرف طبقا للأدوار الموکولة إليها من النظام الايراني(ومن ضمنها دور المعارض للنظام الايراني نفسه!!)، والثاني؛ الميليشيات التي قام النظام الايراني بتأسيسها سواءا في إيران”کميليشيا بدر”، أو في العراق کميليشيا عصائب الحق وکتائب حزب الله والخراساني وغيرها.
الشخصيات والاحزاب الشيعية الدائرة في فلك النظام الايراني يتحدد دورها في التأثير النظري لخدمة المشروع الايراني في العراق، أما الميليشيات فإن دورها يأتي للتأثير العملي ولاسيما عندما يفشل التأثير النظري في تحقيق أهدافه وغاياته، وعلى مر الاعوام الماضية ولاسيما خلال فترة سئ الصيت والذکر الفاشل نوري المالکي والفترات التي تلتها، فإن هذا الدور قد فرض نفسه بقوة على المشهد العراقي، حيث القيام بنشاطات خارج إطار القانون والدستور العراقي نفسه خصوصا من حيث إقتحام السجون عمليات إختطاف السجناء وغيرهم وتصفيتهم أو عمليات التصفيات والاغتيالات والمشارکة في أعمال ونشاطات تصب في صالح النظام الايراني وتخالف وتعارض الانظمة والقوانين الدولية المعمول بها والمتعارف عليها کمهاجمة المعارضين الايرانيين من سکان أشرف أيام کانوا في العراق وإرتکاب مجازر دموية بحقهم وتهديد دول ونشاطات إرهابية أخرى مختلفة تهدف کلها لخدمة المشروع الايراني في العراق وترسيخ نفوذه أکثر في هذا البلد المبتلي بشر هذا النظام.
بهذا السياق، وفي معرض ماأسلفنا ذکره، فقد حاول النظام الايراني وعن طريق الاحزاب والشخصيات التابعة له إخراج القوات الاجنبية عموما والامريکية خصوصا من العراق حتى يفرغ له الجو کما جرى في العام 2011 بعد إنسحاب القوات الامريکية من العراق وماجرى من مآسي ومصائب وفظائع على يد النظام الايراني ورموزه في العراق وبشکل خاص الميليشيات التابعة له، ولم تفلح کل تلك المحاولات، وبسبب من الظروف والاوضاع الدولية التي کانت سائدة خلال الفترات الاخيرة والرفض الدولي المتزايد لدور ونشاطات الميليشيات هذه فإنها کانت تعلم بأن أي تحرك لها بإتجاه الضغط لإخراج القوات الامريکية والاجنبية بصورة مباشرة وصريحة سينعکس سلبا على النظام الايراني، فقد إمتنعت هذه الميليشيات وبناءا على أوامر من طهران من القيام بأي نشاط بهذا الصدد ولکن وقبل مقتل الارهابي قاسم سليماني، فقد بدأت التحرشات الميليشياوية وبناءا على أوامر وتوجيهات من طهران بالقواعد والقوات الامريکية ووصلت الى حد إقتحام السفارة، ولما جاء الرد الامريکي الذي أذهل النظام وأصابه بصدمة فريدة من نوعها حينما تمت عملية إغتيال قاسم سليماني، فإن الصورة والاوضاع طرأ عليها ثمة تغيير، وهو الامر الذي يريد النظام الايراني إستغلاله وتوظيفه لصالح مشروعه في العراق، وليس من قبيل الصدفة أن يقول القيادي الميليشياوي “أبو علي العسكري” في تغريدة على تويتر وذلك قبيل جلسة متوقعة الأحد للبرلمان العراقي من أجل مناقشة مصير وجود القوات الأميركية في البلاد: “سلامنا للسيد الحلبوسي، غدا وبعده عيوننا تراقب بدقة ما ستؤول إليه قراراتكم بخصوص وجود القوات الأميركية”، بل وإنه ذهب أبعد من ذلك عندما أشار وبکل وضوح إن البرلمان العراقي خاضع لتجسس ومراقبة هذه الميليشيات عندما أردف الموما إليه قائلا: “نتابع اتصالاتكم الفيديوية مع سفارة الشر (في إشارة إلى السفارة الأميركية) قبل يوم الصولة”، کم إن ميليشيا کتائب حزب الله وبنفس السياق إعتبرت بأن بيان جلسة البرلمان يوم الاحد ستفصل بين “الوطني والخائن”، مؤكدة أنها ستمنع من يصوت على بقاء تلك القوات من دخول بغداد معتبرة أن “استهداف المقاتلين المدافعين عن حدود العراق جريمة كافية لوحدها لتبني الحكومة والبرلمان موقفا صارما من تواجد القوات الأميركية في العراق، والمطالبة بإخراجها”، وهذا مايدل على إن النظام الايراني وعن طريق هذه الميليشەات المٶتمرة بأمره يريد إستغلال الظروف والاوضاع الجديدة والسعي لفرض قرار إخراج القوات الامريکية من العراق عنوة لکي يضمن جعل العراق ساعة تابعة له لکي يقوم بتصفية حساباته من خلالها وتحقيق غاياته وأهدافه التي عجز عن تحقيقها لحد الان.