19 ديسمبر، 2024 1:05 ص

دولة المواطنة أم دولة الخلافة

دولة المواطنة أم دولة الخلافة

أصبحت جهود الدول البعيدة عن شظايا الربيع العربي منصبة في احتواء أثار تلك التغييرات الهائلة,بعد أن قلبت عربات وحناجر الفقراء العرب طاولة الرهانات التقليدية الجاثمة على قلوب الجميع,
فراحت دول الضد القومي تبحث عن أزمات جديدة تشغل بها الشارع العربي المحلي والخارجي,فهي لا ترى بعينين,وإنما تكيل بمكيالين , بل بواحدة والأخرى غضت الطرف عن أحداث البحرين وآلة القمع الحكومية العلنية (وقد أدانتها اللجنة الدولية لتقصي الحقائق مؤخرا).
الاتجاه والمنحى الذي اتخذته دول الخليج في تحالفها الغير معلن مع ورثة الإمبراطورية العثمانية, بغية الحد من التدخلات الإيرانية في المنطقة
(وتقطيع أوصال الهلال الشيعي مع العراق وسوريا ولبنان),
التي باتت مؤثرة باحتوائها المشهد العراقي العام,
(والتي تحاول إن تصدر إليه ثقافات إيرانية طائفية عبر تذويب الشارع الشيعي في عدة اطروحات مؤد لجة ولاية الفقيه-تضخيم الاستعداد لقرب خروج صاحب الزمان ع وخداع الشارع بتهيئته وتعبئته المستمر لهذا الحدث مع إن المسلمين جميعا يقرون بخروج غائب آل محمد ص-احتواء جماعات ومليشيات شيعية كمشروع جاهز أشبه بمشروع حزب الله اللبناني-احتواء التحالف الكردستاني-ودعم بعض الجماعات المسلحة,الخ.)
إضافة إلى التجربة العثمانية الحديثة التي أصبحت مصدر الهام الشارع الإسلامي الحركي في الدول العربية(انظر مقالنا السابق المنشور عبر صحيفة المثقف وكتابات- حزبنا حزب العدالة والتنمية والازدهار الديمقراطي),
حتى صارت التسميات الجديدة للحركات الإسلامية العربية شبيهة بالحزب الاوردغاني(والعدالة والتنمية),وكأن أحلام الأمة العربية-الإسلامية عائدة تحت عربات الترك-خليجية,وهذا الذي تشرحه المؤتمرات والدعوات والجولات المكوكية لأقطاب المعارضة السورية والعراقية(السنية) المهرولة إلى أنقرة لبحث تلك العودة الميمونة!
الملفت للنظر دخول العامل الدولي-الأمريكي على مسرح الإحداث ,وإعلانه بعدم معارضة وصول تلك الحركات الإسلامية المعتدلة إلى السلطة, كبديل ديمقراطي مقبول في حظيرة المجتمع الدولي الحديث,
ولكن يبقى التساؤل هل هناك نيات مبيتة لتحطيم روح وإرادة الشباب العربي, الطامح لرؤية بصيص أمل في طريق خلاصه من الأنظمة الاستبدادية المتعفنة(والتي فاحت رائحة عفونة الأنظمة الملكية أيضا –وقد خرجت توا المملكة المغربية من هذا النفق بإصلاحاتها التي سمحت بانتخابات نزيهة حملت إلى الحكومة حزب العدالة والتنمية),
بمشروع مضاد تروج له الحركات السلفية الذائبة في هوى الفكر الوهابي,لتقف بالضد من دول الممانعة المدعومة من طهران,
وهذه الصورة القاتمة بدت جلية في تصرفات هذه الدول في محاصرة وإركاع النظام السوري(الذي يمتلك عيوب التركة الشمولية لنظام الحزب الواحد),الذي تأخر هذا الأخير عن عجلة الإصلاح الجوهري الشامل المطلوب والمقنع للشارع السوري الملتهب.
كأن الإجماع العرب الخجول الغائب عن مقاطعة إسرائيل اقتصاديا ودبلوماسيا ,يستفيق فجأة ويعلوا صوته ليتفق ضد أشقاءه الآخرين(ضد ذاته المهزومة بالإرث الثقيل),تماما كما حصل في عام 1990-2003 في العراق,
وهذا ما يراد له أن يحصل في سوريا ولبنان ثم العودة إلى العراق, لإفشال تجربته الديمقراطية الوليدة عبر مخاض صعب وتجارب مريرة, وبعد أن تجاوزت كتله الفاعلة على الأرض نسبيا الخلافات والتجاذبات والاصطفافات الداخلية والخارجية,
(مع إنها أي تجربة الإسلاميين في حكم العراق – أعطت لهم وللإدارة الأمريكية إن عصر التكنولوجيا صار أكثر إغراءا للحركات الإسلامية وقياداتها ,وبات لون البذخ والتمتع الشخصي أهم من الأخلاقيات والأهداف الإسلامية لهؤلاء الطيعين…. وهكذا بالنسبة للآخرين أصبحت دول الخليج خير مكان لإقامة بعض قيادات الحركات الإسلامية العربية) .
لقد كان دوما المد القومي العربي الذي بحثته وروجت له اغلب رجالاته السياسية والفكرية المنظرة لمشروع وحدة الأمة العربية
(منذ نهايات القرن التاسع عشر مرورا بالثورة العربية الأولى وهم في الغالب اما من الطائفة السنية أو المسيحية-الشريف حسين بن علي- قسطنطين زريق-ساطع الحصري-عبد الرحمن الكواكبي-الشهيد عبد الغني العريسي-زكي الارسوزي- شكيب ارسلان-محمد عزة دروزة-جمال عبد الناصر-ملك فيصل الأول-الشعراء العرب,الخ.),
يواجه ردا عنيفا من قبل دول الخليج العربي
(الذي ابتعدت عنه بمشروع خاص أسمته دول مجلس التعاون الخليجي, وهي تعرف تأثير عائدات النفط على بقية الدول-ثم تظهر فجأة أفكارا بضم دولا أخرى كالأردن والمغرب),
فهي ترى في خطورة طرحه التيار القومي لمسألة الكفاح المسلح(المقاومة)ومقاطعة ومحاصرة إسرائيل ,خطرا يهدد عروشها(خوفا من الحليف الأمريكي)واستقرار مملكاتها وإماراتها,ولهذا فهي تقاوم بشتى الوسائل والإمكانات أية رية,
أو ملامح احتجاجات أو مطالب جماهيرية بتوفير مساحة واسعة للحريات السياسية والشخصية ,وإعطاء دورا حقيقيا للمرأة في مجتمعاتهم.
(وقد مارست عمليات قتل وتعذيب واعتقال بحق بعض المتظاهرين في البحرين والسعودية وعمان وحتى الإمارات التي أصدرت محاكمها قرارات مجحفة بحق بعض الأفراد السائرين في فلك التغيير العربي ).
الفهم والإدراك والاستيعاب الخاطئ لكلا الفريقين(التيار القومي والإسلامي)هو الذي ساعد على بروز تيار يساري فوضوي(الشيوعية),على الرغم من الشكوك المثارة من قبل التيارات الإسلامية السطحية الفهم تجاه بعض الأسماء المروجة والداعية بإقامة بوحدة الأمة العربية,
لأنها لم تفهم المعنى الضمني الخاص بترسيخ بناء دولة المواطنة الحاضنة لجميع القوميات والطوائف والأعراق,مما حدا بها اليوم أن تدعي نفس هذه القوى الإسلامية بضرورة التداول والمشاركة السلمية مع الآخرين في إدارة الدولة,وبأنها مؤمنة بالمبادئ الديمقراطية-العلمانية الغربية,ولهذا بقي رجال التغيير والثورة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ذائبون في روح الأمة والحضارة الفارسية ,
حتى في تعاملهم مع أبناء المذهب الواحد من الأعراق الأخرى(الشيعة العرب),القومية العربية لا تخرج عن الإسلام, بل هي إطار رسمي لإعادة اللحمة الطبيعية لجسد الأمة العربية,على إنها يجب إن تنطلق من روح العصر,بعيدا عن صورة الأنظمة الشمولية المستبدة,ومع الربيع العربي الديمقراطي الصحيح.
بين دولة المواطنة التي يطمح إليها أبناء الأمة العربية(في مصر-تونس-اليمن والمغرب وسوريا والبحرين وبقية الدول العربية),
والأفكار المتجددة لبناء امة مستقلة ,تندمج فيها المصالح المشتركة والمتكاملة ,عبر الرضوخ لضرورة التحديث السياسي الداخلي للمؤسسات والمنظومات الحاكمة,وتنفيذ الإصلاحات السياسية الديمقراطية,التي تكفل للجميع دون تمييز حرية العيش الكريم,وتوفير الفرص والحقوق المتساوية للجميع في التعليم والوظيفة وممارسة الطقوس والشعائر والعبادات المقدسة والعمل السياسي والحزبي أو الحركي,وضمان حرية التعبير والفكر والمعتقد ,والتنقل والعمل الحر بين الدول العربية,لإنقاذ دولها من أخطار القوى الإقليمية المتنافسة عليها(إيران وتركيا),
لكي تسير بوتيرة تشبه مسيرة التجربة الألمانية(1806-1990م) الموحدة لدويلاتها المتعددة(والاندماج الغربي في الاتحاد الأوربي),وبين دولة الخلافة المروج لها عبر دعم الجماعات الإسلامية السلفية المرتمية في أحضان الإرادة التركية-الخليجية,كرد فعل غير طبيعي على التهديدات والتدخلات الإيرانية في المنطقة!
هل نحن بحاجة فعلا لتدمير النظام السوري ,وإنهاء المقاومة اللبنانية ,وتغيير الخارطة السياسية في العراق,أم نحتاج إلى عقلانية العمل الوحدوي المتبادل,وإتباع النهج والتطبيق المنقذ لامتنا البائسة؟ .