18 ديسمبر، 2024 11:39 م

دولة الملوك المنسية

دولة الملوك المنسية

الانقطاع يولد النسيان ، التوقف يفضي الى الركود، وعدم التواصل يسقم الأفكار وتندثر الحياة …
وتغدو الأشياء مجرد صور وأشكال هلامية تتأرجح في الذاكرة التي تتلاشى مع الأيام والسنون لتصبح ضمن خزين الماضي .
والثابت ان ما حدث من وقائع وأعمال وإبداع وفكر جسد مرحلة أو زمن معين يشير الى من قدم للإنسانية في تلك الحقبة هو آيات لرقي ونهوض ذلك الإنسان ونتاج أفكاره التي نمت مع تلك البيئة وما يكتنفها من طقوس / عادات / بناء / فنون / آداب ومختلف ضروب العلم التي تشير الى مستوى ذلك الإنسان واحتضان الملوك للطاقات الإبداعية التي جسدت الانجازات وما وصلت اليه تلك الحضارات والدويلات التي نشأت على هذه الأرض الزاخرة بالعطاء والنماء وتطلعت نحو صناعة إنسان ومجتمع منظم وفق قوانين وضعية تسعى الى تحقيق العدالة والمساواة وتنظيم الحياة واستغلال العقل والدين وبما يتناغم مع الصراع الطبيعي الذي يعيشه الإنسان مع عواطفه وغيبياته لأنه مستفز ابداً من جانب الطبيعة وماتفرزها ومستفز ايضاً من ذاته القلقة وما تواجهها من إشكالات غير منظورة وهواجس تقض النفوس والعقول المتطلعة الى غدٍ لا يشابه سابقه .
ذلكم البناء وتلك الآثار والشواخص التي نفخر بها أمام ذاتنا والآخرين وربما يذكرها الآخرون واستفادوا منها أكثر مما يجب ان يدرسها الباحث وينهل منها المفكر الساكن بجوارها وراح يلهث وينقب ويتناول الأفكار الأخرى البعيدة والتي نهلت في البدء من ينبوع حضارتنا وما قدمته للبشرية من كنوز فنية وأدبية وعلمية ، تؤكد على عظمة ذلك الإنسان والنموذج الباذخ لها ملحمة كلكامش التي استفادت منها الحضارة اليونانية في كتابة ملاحمها الأسطورية فقد كانت سلالة الوركاء الأولى ( التي خلد التاريخ مآثر عدد من ملوكها امثال : انميركار ، لوكال بندا كلكامش / بطل أوديسة العراق القديم وأشهر ملوك الوركاء ، أميرة المدن السومرية التي قبلت ترابها المقدس شفتا الفرات ، وداعبت ثوبها الأخضر أنامل الربيع ، فأضطجعت على بساط الخصب ، مخضبة بحناء الغرين بعدما أسكرتها رائحة الحقول ،لتغفو في “كلتها ” المنسوخة من ضوء الشمس ، حالمة بفارسها الهابط من رحم الآلهة ، يسرج طائر الفجر الأبلق ويردفها خلفه طائراً الى صوامع الآلهة التي لايدركها البصر ولا تطأها أقدام العالم السفلي ) .
فهي دويلة المعابد والملوك والملاحم التي لم تزل تخبئ ما لم يكشف عنه من إبداع فكري وإنساني مازال يشبه ذهبها المخبوء تحت التراب يحتضن هياكل رجالها العظام وما صاغته عقولهم وأناملهم منذ كتابة الحرف الأول على ألواح الطين .
غير إن الإنسان الحالي هجرها ، لم يتواصل مع ذهب الأفكار والفلسفات المحفورة على صفحات التاريخ العميق .. وذلك الإنتاج الذي لا يفقهه سوى الباحثون والمنقبون الذي يأتون برغبتهم الذاتية ومعرفتهم بقيمة الكنوز المطمورة بين الجدران المبنية من الطين والآجر واللبن ،لم تقدم لهم أية أسباب للمساعدة وقبلها وما زالت تلك الكنوز والآثار تصارع الريح والمطر والعبث والتخريب لتظل الفجوة السحيقة قائمة ماثلة لايمكن إزاحتها لان تفكير الإنسان الحالي لا يسعى الى الاستفادة من ذلك الإرث بسبب من إن الفكر والمشتغلين عليه يدورون في حلقات لايقربها سواهم .