24 ديسمبر، 2024 2:04 ص

دولة المتدينين أم الملحدين أفضل ؟

دولة المتدينين أم الملحدين أفضل ؟

حبنا لشيء يجعلنا نحكم بالمسميات فقط لذلك الشيء ، وتقديسنا له يلغي كل تفكير أو تمحيص فيه ، فالمقدسات علاج نفسي و ملجأ عاطفي يحتاجه الإنسان قبل ان يعرف الدين فهو ان لم يكن من الرب لجاء من الإنسان بصنعه ، وقناعة الأفراد لا تسمح للعقل بالشك أو الخروج على خرافاته أو تحجره وتخلفه التي تمثل الدين المقدس .
الدين حاجة نفسية ضرورية لا يهم صحة المعتقد بقدر قوة الإيمان بالمعتقد ، فكل الأديان صحيحة بحكم معتنقيها ، والدليل على ذلك اختلاف الأديان السماوية وغير السماوية ، مع اختلاف قناعة كل متدين بان المقابل على خطا وهو وحده على حق ،  فمع دينه النور وباقي الأديان باطلة كل البطلان كما إنها واضحة السوء والخراب ، وهذه النظرة لا تختلف عن نظرة الأديان الأخرى لغيرها من الأديان المغايرة .
المجتمع الإنساني المنضوي تحت ما يسمى بدولة معينة  ، لا يحتاج إلى دين صحيح بقدر حاجته إلى تطبيق سليم لقانون إنساني  لا قانون الهي يفرضه الإنسان ، فالمجتمع يختلف في آلهته ولكل فئة دين و آله ، حتى الدين الواحد يتفرق إلى طوائف ولكل طائفة دين قائم بذاته ، حتى بات الأمر يوحي بان لكل طائفة رب يشرع بخلاف الطوائف الأخرى .
حاجة المجتمع إلى التعايش حاجة ضرورية لا تنسجم هذه الضرورة مع حكم الدين الذي يلغي المخالفين و يسعى للحكم والسيطرة وفرض ما يعتقد به بالقوة ، على اعتبار الأمر بالمعروف والنهي على المنكر من أساسيات الدين أو من أوامر المحافظة على الدين ، والقائمين على هذا التطبيق يحكمون بالتقليد و إغلاق كل جديد أو كل فكر،  فلا فكر بعد الشريعة الدينية ولا علم ولا إبداع بعدها ، فكل ذلك باطل يجب القضاء عليه .. اما الشريعة المقدسة فهي ليست واحدة فهي مع كل طائفة على شكل وحكم مختلف ، فما بالك بالأديان المغايرة .
ومن هذا الاختلاف الطبيعي وقناعة المتمسكين والفرحين بما لديهم ، تنشأ الصراعات وتباح الحريات والكرامات والدماء أيضا على أساس إحقاق الحق وفرض المعتقد ، لكي يحكم ويقمع المعارضين و المخالفين بكل الوسائل .
الحق الآن لا يعلم مع من هو،  فكل خراب وفساد بداعي الحق كما يدعي القائمين على إدامة الصراعات الدينية  التي أصبحت تمزق المجتمع الإنساني ، الذين لا هم لهم سوى السيطرة على حساب دماء البشرية .
الأفراد بحاجة ماسة لقانون و أنظمة مدنية بعيداً عن معتقد الحاكم وتوجهاته الدينية ، وخير الحكومات أخيرها نتائج ، بغض النظر عن صلاح وفساد الحكام العقائدي أو الديني ، لا يهم معتقد الحاكم مادام الحكم يضمن كرامة وحرية الفرد ، و بئس القيادات الدينية التي تلغي حريات ومعتقدات الشعوب وتبيح الكرامات والحقوق وتمزق الإنسان فكرياً و واقعياً ، فهي قائمة على إلغاء الآخر وفرض المعتقد الخاص أو قمع المخالفين .
 فكان من الأفضل ان يكون الحكم يدار بيد من يظهر بأنه  لا دين له في حكمه ، فألاهم النتائج التي تسمح لكل دين وعقيدة بممارسة ما يعتقد به بكل حرية دون المساس بحقوق وحريات الآخرين أو المخالفين ، فالعبرة بحياة المجتمع التي تضمن حرية وكرامة الإنسان بوصفه هذا لا بتصنيفه إلى فئات ومجاميع ودرجات عنصرية ودينية .