10 أبريل، 2024 4:51 ص
Search
Close this search box.

دولة المافيات…عراق ما بعد 2003

Facebook
Twitter
LinkedIn

لم تعهد الدول العربية (وكذلك دول المنطقة) بعد الاستقلال الوطني اواسط القرن الماضي تقريبا ,تجربة بناء الدولة ومؤسساتها بعد انهيارها الكامل, فقد كان المستعمر اكثر رحمة من الفوضى المحلية(عدا فلسطين وتلك قضية خاصة), فالثقافة والحضارة اختلفت وتغيرت كثيرا بمرور الزمن,

اصبح التفاوت والبون شاسعا على جانبي ضفتي المتوسط الابيض,الامر ليس مثاليا لكن على اقل التقديرات ترك الاستعمار الاجنبي مؤسسات ودوائر وحكومات وكليات عسكرية واجهزة امنية وجامعات ومدارس ومراكز اعلامية وادبية وثقافية(الخ.) عاملة بعد رحيله,

عكس تركة الامبراطورية العثمانية المتخلفة الثقيلة جدا(التي قيل ان الانكليز عجزوا عن اصلاح مخلفاتهم الحكومية والادارية فتركوها كما هي).

كانت الانقلابات العسكرية هي السبيل الوحيد للتغير السياسي والانقاذ الوطني من الفوضى السياسية,حتى مجيء العهد الامبراطوري الامريكي الجديد,فكان وبالا وكارثة على الكون كله,لعلها تبريرات شيطانية لنتائج ناجحة من وجهة نظرهم” كما يقولون الفوضى الخلاقة او صدام الحضارات او الحرب الاستباقية والوقائية (الخ.),

فقد اعتبرت اي الامريكان ان النموذج الطالباني الافغاني اكثر النماذج الامبريالية نجاحا من كل تجاربها الامبريالية العديدة في العالم(لاسيما في امريكا اللاتينية),الجهاد الوهابي المقدس!

لهذا اسقطت نظام صدام وفتحت جميع ابواب جهنم بوجه العراقيين,

حديثي التجربة بالنظام الديمقراطي الرأسمالي,من اجل الشروع ببناء السور الحديدي الذي يطوق قدرات وتحركات القوتين العظمتين الخطرتين على مصالحها كما تدعي(روسيا والصين),اي مشروع الشرق الاوسط الجديد,

فوقعت الضمائر البائسة في شباك بريمر, مهندس نظام المحاصصة السياسية الاثنية,فحصدت الاصابع البنفسجية التي انتخبت اصحابه(اصحاب بريمر)اكثر من دورة الحنظل, بل الموت والفقر والفساد ونقص الخدمات وداعش.

ينقل احد الاشخاص حدثا قصيرا لكنه مهما وفيه جملة من الحقائق,بأن رجلا من اهل القانون والقضاء حصل على لقاء مع قائدة القوات الايطالية التي كانت مرابطة في جنوب العراق,

فقال لها شاكيا الانفلات الامني بعد سقوط نظام البعث”من ان الجرائم انتشرت بكثرة في مدينته,جرائم السرقة ,والخطف ,والقتل والابتزاز, الخ.”,فردت القائدة مبتسمة” قائلة هذا الامر بسيط,يمكن معالجته بالتدريج ,عندما يعود الشرطة وبقية افراد الاجهزة الامنية الى دوائرهم ومراكزهم,

الامرالذي يجب ان تقلقوا منه المافيات,سوف تتكون في هذه الفوضى مافيات سياسية ومالية ومخابراتية يصعب السيطرة عليها تماما,هذا الذي يجب ان تخافوه!

لقد حصل ماتوقعته مواطنة ايطالية اشتهر بلدها بأنه صانع المافيات العالمية,تلك التي تغير عملها الدموي البشع(الابتزاز والاغتيال) ,منتقلا الى القرن الجديد ,الى طاولة مستديرة تجتمع عليها عصابات العالم ليقرروا مسار التجارة والاقتصاد العالمي,

لقد سقط الجميع في مصيدة المافيات العراقية والعربية(مهربي نفط,تجار عملة,عمليات غسيل اموال,مهربي اسلحة,سماسرة العقود والصفقات الحكومية,سماسرة التوظيف الحكومي,تجار بيع الجنود والشيعة لداعش,شركات مقاولات فاسدة,الخ.),هؤلاء لايمكنهم العمل في اي دولة في العالم خارج اطار الحماية السياسية والقانونية السوداء,لانهم بدونها سيفقدون ديمومة عملهم وزيادة ثرواتهم,

تماما كما كان يحصل في بلاد الشام سوريا,كانت منطقة السيدة زينب ضمن التصنيف العقاري ارض زراعية,في غضون خمس سنوات اصبحت مدينة عامرة بالعمارات السكنية, السبب ان بلدية المنطقة متفقة مع المسؤولين على دفع الرشوة,

فحصة تشييد البيت او الشقة يتم بدفع مبلغ ثلاثة الاف دولار تقريبا او اكثر(علما ان الدولار يساوي خمسين ليرة سورية),اما قصة شرطة المرور هناك فتشبه حوادث الرشوة التي حصلت في العراق في فترة الحصار الاقتصادي

(مناظر ومشاهد ومواقف مضحكة لكنها محزنة في نفس الوقت,يضع شرطي المرور دراجته في الفرع حتى لايراه الناس,فيطلب من المخالف سائق السيارة ان يلحقه حتى يحررله مخالفة فيدفع له الرشوة,او يأخذ موظف الكمارك حصته من البضائع ثم يترك البائع وشأنه).

المجتمعات العربية وغيرها من شعوب دول العالم الثالث لم تتمرن او تستوعب او تتشبع بالتجارب القانونية والتنظيمية والسياسية الحرة,كانت المخالفات والتجاوزات والوساطات اعمالا موروثة من العهد العثماني المظلم,واستمرت بيئاتها الحاضنة متفاعلة بقوة مع الانظمة الشمولية الاستبدادية القبلية النزعة والثقافة والتوجه,

بل استحسنتها الاحزاب والكتل السياسية التي حكمت العراق بعد 2003,فحولت وظائف الشعب اغلبها تقريبا الى افواج والوية من الحمايات الشخصية المهرولة دوما خلف سيدها,وبدأت بتوزيع الوظائف السيادية وحتى العادية بشكل كيفي وفقا لدرجة القرابة والتبعية للمسؤول, في دولة الوزير لكل الوزارات!

حتى حصلت الكارثة واحتل داعش عدة محافظات مهمة قريبة من العاصمة بغداد,فحطت حمامات المنطقة الخضراء عند عتبة باب السيد السيستاني حفظه الله,فأعطاهم المفتاح الثاني للنجاة من الاستقالة والابعاد او الهرب “فتوى الجهاد الكفائي”,فالمفتاح الاول كان درجة الصعود نحو الفساد الاكبر,

عندما تدخل السيد في بداية الامر داعيا الى كتابة الدستور واجراء الانتخابات البرلمانية,بغية التعجيل بطرد الاستعمار الاجنبي من بلادنا,

لكن شتان بين الثقافة الشيعية الايرانية(التي اصبحت اقوى قوة اقليمية في المنطقة),وبين شيعة العراق وقادتهم واحزابهم السياسية,

الذين من المفترض انهم المعارضة الاسلامية الشيعية الذائبة في الثورة الاسلامية الايرانية, والمتشبعة بفكر قادتها!

فشل العراقيين في ادارة انفسهم امر طبيعي,فهذا المجتمع لم يمر بفترة هدوء امني او عسكري,

انقلابات وحروب وكوارث اقتصادية واجتماعية وتربوية,

فقد عاد الى قرويته من بعد جهود مضنية قدمها الرعيل الثقافي الاول منذ العهد الملكي,

عاد لقبليته وبداوته وعاداته وتقاليده العشائرية الموروثة,

صار الشعر والادب والفن والثقافة عموما ثقافة عشائرية مغلقة “الكل يرقص ويردح على وقع الاهزوجة”,

غابت المدن واندمجت مع القرى والارياف قبل ان تعبد الطرق ,وتمد شبكات الصرف الصحي ,وتحول المدارس الطينية الى مدارس عصرية نموذجية,تراجع شامل لكل المجالات

,وزيادة مفرطة عند البعض في حدة التطرف العقائدي السني والشيعي,

الاول ارهابي تكفيري داعشي,

والثاني سلبي انهزامي طقوسي حد الانحراف,

لكن الفرق الاول لايصلحه الا الرصاص, والاخر يحتاج الى حملة ومشروع اصلاحي عقائدي واجتماعي وسياسي متكامل.

الحل :كيف يتم القضاء على تلك المافيات السياسية,برأي المتواضع الهدم من القواعد كما يفعل الله سبحانه وتعالى عندما تستنفذ كل الطرق والسبل الكفيلة بهداية الناس,

هكذا حالات لاينفع معها الا التجربة العسكرية المصرية(وهذا الامر يتم بالاتفاق بين الجيش والحشد الشعبي والمرجعية الدينية وروسيا وايران وامريكا),

او العلاج البطيء بالكي,

نبدأ من وجهة نظري بحملة الاصلاح مرحلة تلوا الاخرى,

حل البرلمان ومجالس المحافظات وتحديد موعد اجراء انتخابات مبكرة بعد اجراء بعض التعديلات على الدستور العراقي واضافة مواد اخرى له,

غير تلك الخطوات سيبقى الفساد قائدا لسفينة الوطن الراسية في المستنقعات النفطية……….(ملاحظة نحن على يقين ان كل مواطن عراقي لديه قصة موثقة عن الفساد المالي والاداري في العراق, قد لايملكون مقومات وادوات المواجهة بعد,لكنهم حتما لن يسكتوا للابد)

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب