23 ديسمبر، 2024 1:06 ص

دولة اللاقانون

دولة اللاقانون

تنص المادة 194 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لعام 1969 على ( يعاقب بالاعدام كل من نظم أو ترأس أو تولى قيادة ما في عصابة مسلحة هاجمت فريقا من السكان …………. أما من أنضم اليها دون أن يشترك في تأليفها أو يتولى فيها قيادة ما فيعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت) كما تنص المادة 195 من ذات القانون على (يعاقب بالسجن المؤبد من أستهدف اثارة حرب أهلية أو أقتتال طائفي وذلك بتسليح المواطنين أو بحملهم على التسلح بعضهم ضد البعض الأخر أو بالحث على الأقتتال،وتكون العقوبة الاعدام اذا تحقق ما أستهدفه الجاني) و تنص المادة 202 من القانون أعلاه على (يعاقب بالسجن مدة لاتزيد على عشر سنين أو الحبس كل من أهان بأحدى طرق العلانية الأمة العربية أو الشعب العراقي أو فئة من سكان العراق أو العلم الوطني أو شعار الدولة )

ربما لايعلم الكثير من العراقيين بوجود هذه النصوص القانونية التي تجرم وتعاقب تكوين الميليشيات والتعدي على المواطنين والتسبب بأندلاع القتال الطائفي واحياء النعرات العرقية والطائفية وهي نصوص نافذة منذ العام 1969 ولغاية يومنا هذا،ولكن قراءتها للوهلة الأولى تكشف لنا بعد المسافة بين نصوص القانون العراقي وتطبيقه على أرض الواقع حاليا حيث غدا العراق مرتعا لمختلف الفصائل والجماعات والميليشيات الطائفية المسلحة التي عاثت في الأرض فسادا وبالعباد قتلا دونما حساب أو عقاب وهو مايبين بأن الخلل في العراق لم يكن يوما قانونيا انما سياسيا بأمتياز فقد تصدت المنظومة القانونية العراقية بحزم لكل من تسول له نفسه العبث بالأمن القومي واثارة الفتن الطائفية والحروب الأهلية والأعتداء على المواطنين والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة في الوقت الذي أهملت فيه السلطة السياسية بعد الاحتلال تطبيق هذه النصوص وتم الأستغناء عنها وأستبدالها بقانون مكافحة الارهاب لأغراض سياسية وطائفية بحتة .

لقد كانت الخطيئة الكبرى التي أرتكبتها قوات الغزو الأمريكي هي اسقاطها لمؤسسة الدولة العراقية ونسف الأرث الوطني العراقي من أساسه بحجة اسقاط النظام السابق، وهو خطأ لايمكن أعتباره عفويا أو غير مقصود بأي حال من الأحوال ، فأنهيار مؤسسة الدولة وغياب سلطة القانون يعد باعثا حقيقيا للخوف لدى مختلف فئات المجتمع وهو مايتسبب بعودة أفراده الى مرجعياتهم التقليدية ماقبل ظهور الدولة طلبا للحماية سواء كانت مرجعيات دينية أو مذهبية أو مناطقية أو عشائرية خصوصا بعد فقدانهم الثقة بمرجعية الدولة وهو مايترتب عليه تدريجيا تشكيل جماعات قد تلجأ لكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة في سبيل الدفاع عن الوجود وحفظ المصالح الفئوية في ظل تفتت الهوية الوطنية وغياب الوعي القانوني وتراجع دور المجتمع المدني فتكون الحصيلة هو سريان قانون الغاب ونشوء مايعرف بالفوضى الخلاقة.

عراقيا كانت القرارات الكارثية التي أصدرها حاكم الاحتلال الأمريكي السفير بول بريمر والتي تهدف الى تصفية مؤسسات الدولة العراقية والتمهيد لتأسيس مؤسسات بديلة للدولة الجديدة ،كانت سببا حقيقيا في تسيد الفوضى للمشهد العراقي وبداية ظهور الجماعات المسلحة الخارجة عن مظلة الدولة ، فقرار حل الجيش العراقي دفع بالألاف من منتسبيه (الذين حرموا من كافة مستحقاتهم) الى تشكيل حركات مسلحة مقاومة للاحتلال ورافضة للواقع الجديد الذي أفرزه ، كما كان فتح الحدود على مصراعيها بمثابة توجيه دعوة حضور للمتطرفين الاسلاميين للقدوم الى العراق وقتال القوات الأمريكية فيه ، وفي الجانب الأخر كان ولايزال حماية العتبات المقدسة الحافز المعلن لتشكيل الميليشيات رغم أن ممارساتها على أرض الواقع لا تمت بصلة لهذا الهدف .

كانت المقاومة هي الشعار العريض الذي أصطفت خلفه معظم الحركات المسلحة العراقية التي دخلت في قتال عنيف على خطين متوازيين أولهما مع الاحتلال الأمريكي في معركتي الفلوجة والنجف عام 2004 (حق المقاومة مكفول شرعا وقانونا) وثانيهما مع بعضها البعض خلال القتال الطائفي في بغداد خلال العامين 2006-2007 ، غير أن مايمكن ملاحظته بأن أجندة الحركات المسلحة العراقية في مقاومتها للاحتلال الأمريكي لم تكن وطنية خالصة فنحن هنا لانتحدث عن المقاومة الفلسطينية أو الجزائرية أو الفيتنامية التي نجحت في توحيد شعوبها في مقاومة الاحتلال الاجنبي بينما كان العامل الطائفي حاضرا وبقوة في أدبيات وسلوكيات هذه الجماعات مما جعلها عامل أنقسام لا توحيد في المجتمع العراقي وهو مايفسره أيضا عودتها وبقوة لواجهة الأحداث بعد نكسة الموصل وبوجهها الحقيقي وتحت شعار نصرة المذهب نتيجة للنقمة الحاصلة على الحكومة والأجهزة الأمنية من ناحية والرغبة في دعم تلك القوات من ناحية أخرى وبين هذا وذاك أنقسمت الساحة العراقية وسط غياب الدولة الوطنية الجامعة وتحلل الهوية الوطنية العراقية الى فريقين متناحرين أولهما يقوده تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف ومعه فصائل محلية أخرى (لعبت دورا كبيرا في مقاومة الاحتلال الأمريكي) والثاني يمثله بقايا الجيش العراقي المرتكز على مجموعة من الميليشيات (ساهم بعضها أيضا بمقاومة المحتل) لتبدأ معها فصول معركة طائفية جديدة كان القتل على الهوية عنوانها الأبرز لتترسخ في الوجدان حقيقة مفادها أن بقاء هذه الجماعات

والميليشيات يشكل تهديدا حقيقيا لوحدة التراب العراقي حيث ساهمت هذه المجاميع المسلحة وبشكل فاق الاحتلال نفسه بتمزيق النسيج الأجتماعي ونشر الرعب وثقافة الموت والترويج لمشاهد قطع الرؤوس وسحل الجثث وتعليقها ليكون واضحا للعيان بأن بعض هذه الجماعات والميليشيات لا تمتلك من الاسلام الا أسمه الذي تتخذه شعارا لها زورا وبهتانا .

ان أولى أولويات الحكومة الجديدة تتمثل في اعادة تقنين الحرب على الارهاب وتوحيد الصف الشعبي لمواجهة خطر تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف على وحدة الأراضي العراقية من خلال مجموعة من الاجراءات نذكر منها :

1- اصلاح السلطة القضائية .

2- اعادة تفعيل دور القانون واستعادة هيبة الدولة.

3- اعادة هيكلة وزارتي الدفاع والداخلية وجهاز المخابرات الوطني.

4- التفريق التام بين رجال العشائر وضباط الجيش السابق (المتمردين) وبين مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية (الارهابيين).

5- اقصاء الميليشيات عن المشهد السياسي والأمني ومحاسبة عناصرها عن الجرائم ذات البعد الطائفي التي يثبت تورطهم بها.

6- تشكيل رأي عام وطني لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف وعزله ليبدوا الامر وكأنه حرب وطنية على الارهاب لا صراعا سنيا شيعيا على السلطة كما هو الحال الأن.

7- الاستجابة لمطالب المحافظات الستة.

وذلك لكي تكون كلمة القانون هي العليا وتسود العدالة في عموم البلاد لا أن تكون زمام المبادرة بيد جماعات وميليشيات مسلحة طائفية تحركها أجندات خارجية والتي تريد أستمرار نزيف الدم العراقي وابقاء العراق كساحة لتصفية الحسابات الدولية والأقليمية على حساب الانسان والوطن العراقي كنتيجة طبيعية لضعف وفشل الحكومة وأجهزتها الامنية خلال المرحلة السابقة ، أما استمرار الأنتقائية في تطبيق القوانين فمعناه استمرار الوضع الراهن بأختصار والتوجه بخطى ثابتة الى مرحلة التقسيم الفعلي، ولنا أن نتسائل ونوجه أسئلتنا الى من أوصلتنا سياساتهم الى هذه المرحلة المزرية ونقول لهم ما الفرق بين شهداء جامع مصعب بن عمير وشهداء قاعدة سبايكر؟ وما الفرق بين شهداء جامع سارية وشهداء جامعة الإمام الصادق؟ وما الفرق بين شهداء الزركة وشهداء الحويجة؟ وما الفرق بين شهداء السيارات المفخخة في شوارع بغداد و شهداء القصف العشوائي في الفلوجة؟ وما الفرق بين استهداف المسيحيين والأيزيديين والشيعة في الموصل وسنجار وتلعفر و استهداف السنة في البصرة؟ والأهم من هذا كله ما الفرق بين من يقومون بتلك الأعمال مجتمعة ؟