23 ديسمبر، 2024 3:22 م

دولة القانون ، اسبقية نضال وخيارات الاستمرار الصعبة – 2

دولة القانون ، اسبقية نضال وخيارات الاستمرار الصعبة – 2

بعد سقوط الصنم في عام 2003 تحركت معارضة الداخل بسرعة لتملاء الفراغ السلطوي الكبير وتسيطر على الشارع وبنفس الوقت عملت على منع اي تمدد لاحزاب المعارضة التي جاءت من الخارج وقطع الطريق امامها من الدخول للشارع العراقي كوحدات تنظيمية فعالة وقوية. ان المجتمع العراقي في عام 2003 بعد سقوط الصنم مباشرة في بدايات الاحتلال كان متشوق جدا لرجوع احزاب المعارضة العراقية العريقة المقيمة في المنافي حيث ان غالبية العراقيين يتعاطفون معها. سيطرت معارضة الداخل وتنظمت بسرعة كبيرة جدا وبشكل مذهل امام اعين المحتل المتخبط. وكلما حاول ان يمتد نفوذ القوى الشيعية الوافدة من الخارج قطع عليها الطريق وكانت امريكا ترغب وتستمتع بذلك وبشدة لانها هذا يجعل من الاحزاب الشيعية والقوى التي كانت في المنفى والمعادية ايديولوجيا لامريكا ضعيفة وتدريجيا تسقط بنظر المواطن العراقي. الانتخابات الاولى والثانية والثالثة اوصلت للسلطة الاحزاب الشيعية التي كانت تقيم في الخارج منذ عقود وكان رصيدها الوحيد هو هيبة قدسية نضالها وجهادها ضد الطاغية المقبور لعدة عقود من الزمان حيث انها تمتلك تاريخ لا يمكن ان يمحى لكن واقع الحال فرض رؤى جديدة فيما بعد.
الكتل السياسية الشيعية التابعة لتنظيمات عراقيي الداخل وحدها من تمتلك سيطرة وقوة ونفوذ سلطوي على الشارع الشيعي في عراق ما بعد سقوط الصنم. ان ديمقراطية العهد الجديد منحت الانسان العراقي شي من الحرية بحيث اصبح بامكانه ان يتكلم بحرية وينتقد اي زعيم ويهاجم او ينتقد اي مجموعة او حزب او كتلة او حركة سياسية دون تحفظ. لكن يوجد خط احمر وحيد يخشاه الانسان العراقي وهو سلطة الشارع والعاطفة غير الناضجة والارهاب لذا اصبح الانسان العراقي حذر من بعض القوى السياسية ومتحفظ ويخشى سطوتها. اي ان المواطن اصبح يخشى سلطة الشارع ويخشى التعرض لاي مشكلة ولا يوجد من يحميه لا حكومة ولا سلطة لا بل ان الحكومة عاجزة عن فرض هيبة سلطتها وفرض العدالة الاجتماعية بين الناس. كما ان القرار الحكومي والتشريعات والقوانين صبحت لا قيمة لها امام سلطة الشارع التي لا تحترم الدولة وغالبا ما تفرض رؤيتها ليصبح القانون الحكومي غير محترم ولا قيمة له.
 ان قوى الداخل الشيعية عملت بذكاء شديد على اجتثاث بعض السوء والقصاص من بعض رجالات الماضي بشكل مرعب احيانا مما جلعهم يمثلون السلطة الاولى في الحساب والمحاسبة من وجهة نظر المواطن العادي في الشارع العراقي. وكان المحتل والحكومة عاجزين وغير قادرين على القصاص لصالح العدالة ولحد الان الحكومة بعد خروج المحتل عاجزة عن محاسبة رجالات السوء من ازلام النظام البائد. لا توجد رغبة حقيقية للقصاص من سوء الماضي كما ان المحتل والحكومات العراقية بعد السقوط لم تستطع ان تحاسب او تحد من عمليات القصاص تلك حتى ان بعض عمليات القصاص لم تلحق برموز الماضي فقط وانما بكل من يعارض توجهات مؤسسة سلطة الشارع الجديدة. وهنا نشا خوف مجتمعي من سلطة الشارع واصبحت سلطة الشارع محترمة اكثر من اي قوة اخرى سواء حكومية او غير حكومية لان الحكومة لا تستطيع ان تحمي احد ولا تستطيع ان تمنح قوة متواصلة لحماية اي انسان ضمن اطار المجتمع ككل. كما ان القوى الشيعية المحلية التي نشات وتنظمت بسرعة امتد نفوذها عبر التثقيف في الجوامع والمدارس التي اصبحت تحت سيطرة هذه القوى واصبحت خاضعة لها ولا يستطيع اي مسؤول ان يفرض وجهة نظر الحكومة او القانون  خارج اطار رؤية القوى الشيعية المحلية. واصبحت الاحزاب الشيعية التي كانت في المنفى عاجزة وكلامها اشبه بالخيال واحيانا كلامها كذب وتلفيق. ان الاحزاب التي وصلت لسدة الحكم بعد السقوط بدات تدريجيا تفقد اتصالها بالشارع الذي تحقق بعد السقوط واصبحت احزاب سلطة فقط. ابتعدت كثيرا عن الشارع العراقي واصبح رجال السلطة لا يثقون ولا يعتمدون على عراقيي الداخل لذلك اغلب المناصب العليا والسفارات كانت من حصة عراقيي الخارج. اضافة الى ان رجال السلطة الجدد وقعوا في فخ كبير وهو اعتمادهم في الادارة على الحاشيات الانتهازية السيئة التي التفت حولهم والتي يرون من خلالها المجتمع لانهم لا يمتلكون اي امتداد حقيقي مع الشارع العراقي، لذا فان اي تزكية لاي منصب تكون عبر هذه الحاشيات. ان هذه الحاشيات في الغالب سيئة وتشكلت واصبحت عبارة عن مافيات سوء تسيء الى رجال النضال الحاكمين والعاجزين عن رؤية الحقائق بشكل مباشر وعاجزين من الوصول الى نبض الشارع، اليوم وبعد 10 سنوات نلاحظ بانه لا يوجد قيادات عليا او قيادات صاعدة من عراقيي الداخل لجميع الاحزاب العريقة التي كانت في المنفى بينما القوى الشيعية المحلية خلقت لها كيان وكيانها المحلي ينمو ويتعاظم وينمو على حساب فقدان الكتل الاخرى رصيدها الشعبي.
ان التيار الصدري مثلا لم ينشا في عام 2003 وانما نشا كفكر في التسعينيات ولكنه تنظم بسرعة مهولة بعد السقوط وكان هناك فكر وقدسية انتماء تجمع من ينتمون لهذا التيار. عكس الاحزاب الشيعية الاخرى التي لم يكن يجمعها سوى فكرة الوصول للسلطة والحكم بمثالية بعيد عن الواقع. ان التيار الصدري توسع وانتشر بسرعة كبيرة لانه يمتلك عقيدة تجديد فكري عظيمة. اعتمد التيار بقوة على الشباب والفتيان وبشكل كبير الامر الذي ادى تعاظم نفوذه مع مرور الايام والسنين ليصبحوا هم في موقع الصدارة.ان التيار الصدري لديه منهاج تربوي استراتيجييقوم على تربية الفتيان والسيطرة عليهم لغرض خلق جيل شبابي لاحق يتولى تنفيذ الاوامر وبصرامة وحزم شديدين كجيل ثوري. صحيح التيار الصدري لم يكن القائمة الفائزة الكبرى في كل الانتخابات السابقة لكنه يمتلك النفوذ الاكبر ومن يعارض هذا التيار سيعاني من مشاكل كبيرة تعجز عن حمايته كتلته او حكومته. حتى مسالة تغيير العلم العراقي الحالي وهو العلم الذي جاء به القوميين والبعثيين لم تستطيع الكتل تغييره لان التيار الصدري غير راغب بتغييره الان. ان غالبية رجال السلطة والحكومة حينما يتحدثوا عن التيار الصدري يتحدثوا باسلوب الخائف المادح المداهن او اسلوب الذي لا يريد ان يتقاطع مع توجهات هذا التيار ولا يستطيعوا ان يوجهوا انتقاداتهم مثلما يقوموا بتوجيهها الى اي خصم خارجي او داخلي من الشيعة او السنة. ان التيار الصدري عمل منذ 10 سنوات للمستقبل وها هو يقطف بعض ثمار ما خطط له. يستغرب البعض لما يرى ويسمع لكن الايام اثبتت شي ، وهو ان التيار الصدري نجح وكل يوم تثبت الايام انه يمتلك فكر مخابراتي عظيم ورؤية استراتيجية عظيمة. حيث تم التخطيط لكي يكون التيار في كل يوم اقوى من الذي قبله ويتم تقليم اظافر القوى الشيعية الاخرى التي تمتلك السلطة والتي اصبحت رغم شعبيتها الكبيرة لكنها بعيدة عن الانسان ولا تمتلك اي سلطة في الشارع.
دولة القانون لكي لا تنهار وتصبح جزء من الماضي عليها اليوم عدم اخذ الامور بسطحية وعليها ان تعمل برؤية استشراف مستقبلية وعليها الانفتاح على عراقيي الداخل ويجب ان يكون لها قيادات عراقية من عراقيي الداخل جديدة مؤثرة ويجب ان تكون هناك قدسية انتماء لكل من يعاضد وينتمي لها. يجب ان يكون من يناصر هذه الكتلة له قوة وسند من الكتلة ويجب ان تعمل دولة القانون على نشر نفوذها ويجب عليها ان تمتلك حركة شبابية قوية تمتلك القدرة على حماية نفسها وحماية اعضاءها وقادرة على ان تكون سلطة شارع مهابة ولا تخجل ولا تتراجع بل تحقق ما تريد بقوة نفوذها وتنظيمها ويجب ان يسبق هذا التنظيم الشبابي تنظيم فكري وعقائدي وهذا يحتاج لفترة لا تقل عن 5 الى 8 سنوات لكي تستطيع ان تكون هكذا نفوذ. واهم شي ان يكون لهذه الحركات الشبابية عصبية انتماء مقدسة ورموز مقدسة بحيث يكون كل فردا منهم مستعدا للموت من اجل ان يحافظ على قدسية ما يؤمن به. وليس المشكلة ان يخسر اليوم الانتخابات او يضعف نفوذه ولكن اهم شي هو ان يكون فعالا ومبادرا وقادرا على دحر السوء والضرب بيد من حديد على يد كل من يحاول ان يكسر القانون ويتجاوز على الرموز المقدسة والوطنية.
 هناك الكثير من الذين تجراوا وسكنوا في مباني الدولة او استولوا على اراضي وقامو بالبناء فيها ولم يهتموا لهندسية المدينة ولم يهتموا لما قد يسبب ذلك من اضرار على البيئة وعلى التخطيط العمراني للمدينة وهذه فئة اتسعت بقوة بعد سقوط صنم بغداد مباشرة. دفعت بعضهم الحاجة الشديدة ودفع بعضهم الجشع وحب الاستحواذ على اقصى ما يمكن وانتهاز فرصة ضعف الدولة وغياب القانون وحزم السلطة. هناك عاملين مهمين يمكن الاشارة لهما هنا وهو ان هؤلاء  يمثلون فئة ليست بالقليلة ويمتلكون الجراءة الكبيرة لذا تم استغلالهم من قبل بعض الكتل الحزبية لغرض كسر القانون وعدم احترام قرارات الدولة وانتهز بعض هؤلاء الفقراء الفرصة وبداوا يرفعون رايات وشعارت للكتل السياسية القوية وهذا يعتبر وحده تهديد لمؤسسات الدولة الضعيفة التي لا تقوى على مواجهة الناس خصوصا المسلحين الذين يرفعون شعارات سياسية وحزبية ما. هنا وهناك توجد اماكن وبنايات كان ممكن استغلالها من قبل الحكومة لتوفير مستلزمات وخدمات افضل لكن ضعف الاجهزة الحكومية ودعم بعض الجهات الحزبية التي تريد بقاء الحكومة ضعيفة جعل العشوائيات مناطق خطرة ويصعب على اجهزة الدولة التعامل معها بسهولة. المناطق الفقيرة عادة ما تكون هي اول معارض لسلطة الحكومة لانها اساسا تخرق قانون الدولة. لذا يجب الاهتمام ومعالجة مشاكل هذه الفئة المجتمعية بحكمة وتوفير لهم مستلزمات معيشية مناسبة وسكن مناسب لكي تستطيع الحكومة ان تتحركة بحرية وتفرض القانون بحزم.
قلنا رؤيتنا لا نجزم بصحة ما قلنا لكننا ننتظر دخول الاراء حلبة الحوار لغرض نسج الرؤى الصحية الصحيحة لتحديد خطوات النجاح ولم الشمل وتوحيد القوى ضد الارهاب والظلامية…