23 ديسمبر، 2024 11:53 ص

دولة العشيرة وإشكالية بناء دولة القانون . .

دولة العشيرة وإشكالية بناء دولة القانون . .

لم تعد مشاكل العشائر ومهابط سلوك بعضها عناوين ثانوية في الفكر العراقي المعاصر او في موضوعة تشكيل دولة المؤسسات والقانون ، والعشائر العراقية كغيرها من العشائر العربية رغم كل التقدم الذي اصاب العالم تراها في سلوكها العام عامل تأخر وتفتيت لنظام الدولة ، فإذا كان لها الحق في التمرد على سلاطين وولاة الدولة العثمانية ، فإن حقها في تفتيت الدول القومية بات في موضع الاتهام والمعارضة، سييما وان سلاطين وولاة الدولة العثمانية كثيرا ما اغدقوا على شيوخها العطاء وقاموا بتمليكهم الاراضي الاميرية مما جعلهم يتصدرون عشائرهم لمقاتلة الدولة واضعاف سلطتها انذاك ، وفي فترة الاحتلال البريطاني عام 1917 أعاد الإنكليز نظام تمليك الأشخاص الأراضي الأميرية لضمان الولاء لاحتلالهم او على الاقل القبول بالأمر الواقع مما أوجد اجتماعيا وبفعل ملكية الأرض (كونها وسيلة إنتاج ) ووجاهة نظاما قمعيا افراد ليكونوا شيوخا مشكلين دولة العشيرة القابضة على المال ووسيلة الانتاج لتكون هذه اداة قهر للفلاحين ، فقد كانت خوشية الشيوخ او سراكيلهم شرطة العشيرة في تنفيذ أوامر الشيوخ ، ولهم سجون تنفذ من خلالها الاحكام ولم يك شيوخ الازمان الغابرة يعبأون بتقدم قراهم او نواحيهم ، (تقدم الريف )بقدر ما يعبأون بايجاد وسائل تراكم رأسمالهم وقوة سلطانهم ، وهكذا ظل الريف ينتج من اجل حفنة من الافراد ينفقون الاموال في المدن ، لا من اجل تنمية الانتاج الزراعي وتطويره بل من اجل ايجاد فرص اللهو او ايجاد المقام السياسي ، وقد أقام الجنرالات المتسللين عن مدرسة الاستانة العسكرية الرابط بين دولة تدار وفق النظام الإنكليزي وبين ارستقراطية الريف العراقي وضباط تعلموا السياسة مؤخرا،وهكذا قام برلمان كان الشيخ عضوا فيه او حكومة يبت في تشكيلها جنرال او شيخ عشيرة او رجل دين ثار على الإنكليز بدافع الدفاع عن الدولة العثمانية كونها تمثل الخلافة الاسلامية ضد محتل صليبي . ورغم كل التوافق بين قادة العهد الملكي والملك وشبوخ العشائر ، الا ان نزعة الحكم عند الشبوخ كثيرا ما انعشت التمردات العشائرية ضد حكومات العهد الملكي المتعاقبة ، خاصة عشائر الفرات الاوسط، مما دفع بتلك الحكومات لدفع الجيش لقمع هذه العشائر . ففي العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي ، يكتب حنا بطاطو ، في كتابه الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية ، من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية ص 126، من القرن الماضي ، كان الملك ورؤساء العشائر متنافسين في الاساس ، وكان الاؤل قد مثل فكرة المجتمع الموحد ، ومثل الاخرون رفض هذه الفكرة ونقيضها ، ولهذا، فان نمو سلطة الملك كان يقضي بضعف موقع المشاييخ والاغوات. وبعد وفاة الملك فيصل الاؤل تنامت قوة وثروة المشايخ والاغوات نتيجة لتطبيق قانون اللزمة رقم 51 لسنة 1932 وتعديلاته بالقانون رقم 36 لسنة 1952، حيث تركزت الاراضي لدى الفليل من الافراد ونمو الفقر في الريف ، وبحلول عام 1958كان هناك كما يقول حنا بطاطو في كتابه أنف الذكر ص 138 ،،ما لا يقل عن 32 مليون دونم من الاراضي في الايدي الخاصة (اي المشايخ ) ، وكما يقول سلام ابراهيم كبة في الحوار المتمدن عدد 2784 في 29/9/2009 , وعند قيام ثورة 14 تموز عام 1958 ، كانت الإقطاعية قد وصلت أوج عظمتها فقد كان 85% من العوائل الريفية لا تملك شبرا واحدا من الأرض ، وان 1% من العوئل الرئيسية تملك ثلاثة ارباع الاراضي ، ولدى قيام الثورة بتطبيق قانون الاصلاح بادرت المشايخ وبعض رجالات الدين التصدي لهذا القانون الذي انتزع منهم أبدية امتلاك الأرض الزراعية ، وهنا نود ان نقول للأستاذ عدنان عبد المنعم الجنابي (رئيس المركز العراقي للبحوث).
ان العشائر كانت ولا زالت تعد بزعاماتها اي بشيوخها ، هي من صنع التخلف في الريف ، فلا يمكن للعشائر ان تكون في تنظيماتها جزء من منظمات المجتمع المدني لانها منظمة على وفق قواعد الديوان ، والديوان للشيخ ولا رأي الا له ومنظمات المجتمع المدني منظمات تقوم على القيادة الجماعية والنقاش الحر والديمقراطية في صنع القرار ، وبعد ردة شباط عام 1963، تصدرت العشائر المشهد لدفع مجريات السياسة لصالح الاقطاع ، وفي 18 تشرين من العام ذاته قاد المشير عبد السلام عارف حملته وازاح الحرس القومي لتبدأ مرحلة جديدة من حكم العشائر من خلال مؤسسة الجيش، ولما توفي الرئيس عبد السلام محمد عارف اصرت عشيرة الجميلات الا ان يتولى الحكم من بعده شقيقه اللواء بعد الرحمن محمد عارف ، وهكذا كان الامر موضوع ولاية العشيرة رغم بساطة وشفافية الرئيس عبد الرحمن عارف ، وانه كان يأمل في التحول نحو الديمقراطية بالاشتراك مع الدكتور عبد الرحمن البزاز ، غير ان تحوله بامتيازات النفط نحو فرنسا ، كان سببا لان يطيح به البعثيون عام 1968 ، لتبدأ مرحلة جديدة من حكم جديد للعشيرة وهذه المرة من تكريت وعلى يد المهيب احمد حسن البكر . واعيد النظر من جديد بقانون الاصلاح الزراعي لصالح الملاك ، وخلال حكم البعث الثاني ورغم توسع القطاع العام الذي أسسه عبد السلام عارف جراء قرارات تموز الاشتراكية عام 1964، ظلت الملكية الزراعية كبيرة وظلت علاقات الإنتاج علاقات اقطاعية مقطعية رغم دعوات البعث الاشتراكية ، وظلت الدولة مسرح لنضال نقابات العمال منذ تأسيس السكك الحديدية أبان العهد الملكي او تأسيس البريد او الموانئ ، او تاسيس بعض معامل القطاع الخاص في الثلاثينات والاربعينات لخدمة الجيش البريطاني وتلبية بعص حاجاته ، غير ان النضال النقابي والاضرابات الحقيقبة التي قادها العمال كانت ضد شركات النفط الاجنبية العاملة في الشمال والجنوب نتيجة لاستحواذها على كل موارد الثروة النفطية الا القلبل المسلم الى الدولة العراقية ، وظلت العشائر بفعل كثير من شيوخها بعيدة عن تطلعات المدينة في بناء دولة ديمقراطية ، وظل شيخ العشيرة مميزا في الحظوة والمراجعة ، وظل أبنائهم هم المميزين وظلت سلطة المال عندهم ، وبعد سقوط بغداد ، عام 2003 ، وبعد تمدد قوات المحتل تدريجيا نحو بغداد ،سكتت العشائر او قام بعضها بالاستيلاء على معسكرات الجيش ، وبعض قوى الأمن الداخلي الاخرى في خطوة كان لها ان تدك بهذا السلاح قوة المحتل لا ان تستحوذ على هذا السلاح بكل صفوفه لتتقاتل بعضها مع البعض الاخر ، او ان تكون بيادر الغلال مخازن لحفظ الأسلحة الثقيلة ومساعدة المحتل تسليمها إلى الكرد في شمال العراق ، او ان تتحول بعض العشائر إلى نقاط فنية لتثقب انابيب النفط الاستراتيجية والفرعية والاستحواذ على الخام وبيعه في السوق السوداء بدلا من ان تضع نقاط تفتيش من تلقاء ذاتها لحمابة هذه الانابيب كونها ملك الوطن ، وفي العهد الجديد راحت بعض هذه العشائر تتحول كليا بأمر هذا الشيخ او ذاك لصالح هذا الحزب او ذاك ، وصارت الانتخابات ايضا تصنع لصالح الشيوخ او أبنائهم ، وهكذا ابتعدت الدورات البرلمانية عن هموم الناس وصارت لاهية بالمال ومحتكريه ، وظل أبناء العشائر من الفقراء يحملون المظلمة تلو الاخرى ، واليوم الثامن عشر من اب 2019 تناقلت وكالات الانباء عن معركة عشائرية في البصرة تبادل فيها الطرفان ولساعات اطلاق النار باستعمال الاسلحة المتوسطة والخفيفة ، وهنا نضع الامر عند عموم شيوخ العشائر العراقية كافة ، هل من مصلحة احد اضعاف الدولة لصالح العشيرة ، وهل من مصلحة العشائر تغطية بعض نشاطات مسوقي المخدرات او مساعدة تجار السلاح ، او اية اعمال كانت تعد عيبا وصارت مقبولة .
ان الفرد العراقي بفعل تأثير العشيرة لا يحب الدولة ، ولا يرغب بالخضوع للقوانين ، وبفعل عوامل كثيرة اخذ الفرد لا يحب المدرسة ولا يرغب بالتعلبم ، وصار كسولا لايحب العمل ويكره الالتزام الوظيفي ، وباتت بعض الدوائر فنادق لا مكان إنجاز للمعاملات الناس ، كما وان الدولة بعد السقوط لم تعد تدافع عن ثوابتها واولوياتها ، منها حفظ الأمن وتقديم الخدمات ، وباتت الدولة تجامل العشيرة خوفا منها ، وصار حكام الدولة من أبناء العشائر الذين صاروا يتخلون تدريجيا عن مهام عملهم خوفا من الفصول ، او خشية غضب الشيخ، كما وان مئات الحالات التي وقع فبها الطبيب مثلا فريسة لانتقام عشائري او ان يحذر القاضي في حكمه خوفا من الدكة العشائرية ، وكثيرا من الأمور باتت تشكل عائقا حقيقيا أمام اجهزة الدولة بفعل كسل الموظف وحقد المواطن ، ويترتب على ذلك المزيد من التأخر حيال تشكيل دولة حقيقية تقوم على نظام مؤسسي لا يعرف حجم الفرد فيه إلا من خلال عمله ولا يرى في كل تنظيم مهما كان نوعه وحجمه الا ضمن دولة تضمحل أمامها كل الكيانات وخاصة تلك التي باتت تتشبه بالدول ، وهذا لا يتحقق إلا عند الاعتراف بالأخطاء المرتكبة منذ تأسيس دولة العراق الحديثة والإيمان بأن المؤسسة لا ألفرد هي من يحق لها ادارة الشأن العام وفق الدساتير او القوانين التي تقبل بها الشعوب …