في البدء لابد من الإبتعاد عن شعارات الوطنية الزائفة ، عبر رسالة نوجهها لمن تستهويه أرض تأكل نسلها وراية )الله أكبر) جُعلت أقدس من كتاب الله المنزل ، على حساب دماء تسال ، فمع كل أزمة سياسية ، يتصاعد دخان الخطاب القومي الشوفيني والطائفي الموصل للقتل ، ناهيك عن إلتفاف كل منا حول مكونه ومذهبه من جهة (إنصر أخاك) .
هنا رؤية جديدة قديمة لطرح واقعي نحفظ به دماء الأبرياء من أبناء العراق ، فبعد عمليات التهجير القسري للناس على أسس طائفية فيماسبق من أحداث وإقتتال داخلي والعزل المناطقي لهم كل حسب مذهبه وطائفته ، والذي كان حلقة من مسلسل ذلك الطرح المراد الحديث عنه الآن ، كان علينا إحترام رغبات الناس في العيش بسلام وتوعيتهم لماسيكون لا إيهامهم ، وعدم إعطاء فرصة لمن أستهوته شعارات التوحيد لأرض بات من الصعب علينا إيجاد مبرر واحد لبقائها موحدة خاصة وهي تستنزف مئات البشر كل يوم .
فعناصر التوحيد لم تعد موجودة مع رغبة كل مكون بالسيطرة والإستفراد المطلق بالحكم ، البعض يعول عما تفرزه إنتخابات حرة نزيهة تحمل إليه كرسي الحكم كأغلبية سكانية عانت عقودا” من الإقصاء والتهميش ، متهمة في ولائها مطعونة ، وآخر يبني على أسس ميراثية طويلة في الحكم والإدارة تمده قوى سياسية عروبية طائفية بطاقات إستمرار وشرعية لعودة الحال على ما كان قبل 9 أبريل 2003 .
العراق من البلدان التي لم تستطع بناء هوية وطنية ، لاتصهر فيها مكوناته كما أُريد لها أن تكون ، بديلة عن القومية أو الطائفة أو حتى العشيرة ، مارست الدولة القومية فيه أبشع أنواع الإلغاء القسري لهوية المكونات وما تحمله من موروث ثقافي وديني تعتز به ، بل هوية تمنحنا مواطنة صالحة ، مع إحتفاظ كل منا بموروثه ومحل فخره ، فالكردي يجهد نفسه ليكون ذو نزعة عروبية حتى يثبت عراقيته ، ومناطق جنوب بغداد بسكانها إلى البصرة أعجمية حتى يَثبت العكس في طعن لا لبس فيه في أكثرية العراق العربية ، وبالتالي بانتمائه خاصة لأصحاب الخطاب القومي المؤدلج ، مما أوجد ما يشبه العزل المناطقي العنصري والطائفي بين شمال البلاد وجنوبه ، لم تخفف حدته زيجات ومصاهرات وتداخلات عشائرية يتغنى بها ساسة اليوم مفضلين دس الرؤوس في التراب على رؤية مشاكل حقيقية كبيرة وخطيرة تعصف بالعراق لن يحول بينها وبين إنحدار سريع نحو حرب أهلية معلنة أي تجميل منهم أو ترقيع .
فالدولة العراقية الحديثة وريث شرعي لحكم آل عثمان بتعسفها ونظرتها الإقصائية ، لم تعمل على إيجاد مشتركات (مصلحية) تجعل كل منا مؤمن بأهمية ان يكون لنا بلد واحد ، فكان فيصل الأول أول من أشار الى عدم وجود تجانس إجتماعي حقيقي بين مكونات البلد (ان البلاد العراقية من جملة البلدان التي ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الإجتماعية ذلك هو الوحدة الفكرية والملية والدينية ، فهي والحالة هذه مبعثرة القوى ، منقسمة على بعضها) ومع إعترافه بتهميش وأهمال بحق شرائح واسعة ، لم يأخذ العدل والإنصاف حلا لها ، بل بتوصية منه لتقوية جيش قمع بحق أي ثورة يكون من الصعب السيطرة عليها (إنني لاأطلب من الجيش أن يقوم بحفظ الأمن الخارجي في الوقت الحاضر الذي سوف نتطلبه بعد إعلان الخدمة العامة ، أما ماسأطلبه منه الآن هو أن يكون مستعدا” لإخماد ثورتين تقعان في آن واحد) ، فكيف الحال اذاً بعد سنوات طويلة من حكم المركز المقيت والحزب الواحد والقتل الجماعي ، حتى بات للمواطنة سلمها وفق تقاسيم سلطة عنصرية ، تجعلك أدنى من شريكك في الوطن يصاحبها نظرة دونية وذلا” .
هذا كله يجعل من أصحاب القرار العراقي ، مرجعيات دينية ، سياسية أمام واقع يقر بإستحالة إستمرار وديمومة دولة عراقية لم يوحد أرضها يوما” إلا عنف السلطة وبطشها ، قرار شجاع يحفظ للناس حياتهم وكرامتهم بعيداً عن تكفير أو تخوين وما يحيط علاقتنا من شك وريبة ، ويمنح كل منا فرصة تأريخية لأقامة ما يراه مناسباً له من نظام حكم ، قرار لن نكون عليه نادمين ، نقي به أجيال قادمة شرور ماضينا المتصارع عليه وكالة ، وحاضرنا البائس .
* يقول أحد الشيوخ (لاوالله مانرضه بحكم العتاگة) وهو محق في ذلك ، فهو أعلى درجة منهم وفق تقاسيم السلطة ، وإن كان لايحمل إرثهم او
حتى يحلم
نقول : لهذه الأسباب وغيرها لابد لدولة العتاگة أن ترى النور