23 ديسمبر، 2024 1:44 م

دولة الحشد أم (دولة اللادولة)!

دولة الحشد أم (دولة اللادولة)!

بعد اقتحام داعش للموصل في العام 2014، وبروز فتوى المرجع الشيعي علي السيستاني تم بإعلان الجهاد الكفائي شكلت بعدها فصائل الحشد الشعبي خلافا للدستور الذي يمنع تشكيل أي مليشيا خارج إطار القوات المسلحة العراقية.
وفي 26/تشرين الثاني/ أكتوبر 2016 أقر ” مجلس النواب العراقي على مقترح قانون هيئة الحشد الشعبي والمقدم من لجنة الأمن والدفاع تكريما لكل من تطوع من أبناء الشعب العراقي تكريما ومن أجل حفظ السلاح بيد القوات المسلحة العراقية وتحت القانون وتعزيز هيبة الدولة وحفظ أمنها وتكريم كل من ساهم بالدفاع عن العراق”، وبهذا القرار أصبح الحشد جزءا من الجيش العراقي رسميا، ومرر القانون بحضور 208 نواب من أصل 328 عضوا بالبرلمان، وذلك وسط اعتراض النواب السنة على القانون.
وذكر القانون في ( المادة 1: أولا – تكون هيئة الحشد (الشعبي) المعاد تشكيلها بموجب الأمر الديواني المرقم (91) في 24/2/2016 تشكيلا يتمتع بالشخصية المعنوية ويعد جزءا من القوات المسلحة العراقية، ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة).
وهذا يعني، وبموجب هذا القانون، أن هيئة الحشد تابعة للقائد العام للقوات المسلحة، وهو حاليا عادل عبد المهدي، ولو كان رئيسا لحكومة تسيير الأعمال.
وبعد مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس، وأبو مهدي المهندس بطائرة أمريكية ببغداد بداية العام 2020 بدأت تظهر للسطح خلافات حادة بين قيادات الحشد لأسباب إدارية ومادية، وبعضها ولائية، وأيضاً هنالك اعتراضات كبيرة على تولي عبد العزيز المحمداوي، أبو فدك، لقيادة الحشد، وكذلك هنالك تخوف أمني بسبب التصريحات النارية لبعض الفصائل ومنها حزب الله العراقي، ضد القوات الأجنبية في العراق والتي ربما تفتك بالحشد الشعبي، وبالذات بتلك الفصائل التي تهدد وتندد، في أي فرصة متاحة.
في ظل هذه الأجواء المتوترة بين غالبية فصائل الحشد أصدر رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي الأربعاء الماضي أمرا إلى رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض ينص على “ربط الألوية (2، 11، 26، 44) إداريًا وعملياتيًا بالقائد العام للقوات المسلحة وستنظم بقية التفاصيل بأمر لاحق”، وهذه الفصائل التي ربطها عبد المهدي به مباشرة تدين بالولاء لمرجعية النجف!
قرار رئيس حكومة بغداد يمكن النظر إليه عبر الصور التالية:
القرار غريب جدا، لان الحشد، وبموجب قانون البرلمان، مرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، عادل عبد المهدي، ولا ندري ما معنى أن يصدر عبد المهدي قرارا خاصا بأربعة فصائل فقط لتكون مرتبطة به مباشرة وهي مرتبطة به أصلاً، والسؤال هنا بمن كان ارتباط هذه الفصائل قبل هذا القرار؟
القرار يؤكد حالة التناحر داخل صفوف الحشد، وهذا يتناقض مع مفهوم (الجهاد) الذي بموجبه تم تشكيل الحشد إذ” يفترض بالمجاهد أن يكون مطيعا وزاهداً”!
التسريبات الصحفية تشير إلى أن وفدا برئاسة ممثل المرجع السيستاني احمد الصافي وقياديين من الفصائل الأربعة المنسحبة قد التقى فالح الفياض رئيس هيئة الحشد، وطلبوا منه” مناصب مهمة داخل الهيئة في محاولة لجعل قرار الحشد عراقيا فيما هددوا بمغادرة الهيئة لو رفضت مطالبهم، وهي: سكرتارية الهيئة وهو المنصب الثاني المالي والإداري الأكثر نفوذا، ومساعد رئيس هيئة الأركان للعمليات لإدارة العمليات، ومدير قوات الاحتياط الذي يشرف على المقاتلين المكلفين بحماية الأضرحة المقدسة والمرجعية الدينية، وكذلك منصب قيادة عمليات مناطق الفرات الأوسط والرمادي والموصل”!
وهذه مطالب لا تتفق مع (روح الجهاد) وحجم تلك الفصائل، وهي مطالب تؤكد أننا أمام تناحر دنيوي باسم (الجهاد)، وهذا أمر مذهل جداً، ثم ما علاقة المرجعية بقيادة مناصب الفرات الأوسط والرمادي والموصل؟
قرار عبد المهدي جاء بضغط من مكتب المرجعية، وهذا يؤكد تدخلها في القرار السياسي والأمني، وربما هي محاولة من المرجعية للخلاص من التبعات المالية لهذه الفصائل، ورميها على موازنة الدولة التي تعاني أصلا من مشاكل كبيرة بسبب تدني أسعار النفط!
أتصور أن هذا التخبط الإداري يؤكد إما ضبابية تطبيق قانون البرلمان، وأن تلك الفصائل غير مرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة أصلاً، وأنها تأتمر بأوامر قياداتها الفرعية، أو أن عبد المهدي قد فقد السيطرة على تلك القوى المليشياوية في الحشد، وحاول أن يدخل بعضها تحت جناحه لتحقيق بعض الأهداف السياسية، وبالذات مع وجود طروحات تلمح إلى احتمالية استمراره بالمنصب في حال فشل مصطفى الكاظمي في تشكيل الحكومة بعد أن وصلت مفاوضاته مع الكثير من القوى الحاكمة إلى مرحلة الانسداد السياسي بسبب الاختلاف على تقسيم الوزارات!
هذه المعطيات تؤكد أن الدولة العراقية اليوم هو دولة الحشد الشعبي، أو هي (دولة اللادولة)، ومن لا يقبل بهذه الفرضية فهو بعيد عن حقيقة المشهد السياسي والأمني القائم العراق!