17 نوفمبر، 2024 11:34 م
Search
Close this search box.

دولة الارهاب عبر قانون الارهاب

دولة الارهاب عبر قانون الارهاب

 بالرغم من محاولات الامم المتحدة في تحديد تعريف لفعل الارهاب، ولكن لم يحصل اي اتفاق دولي على تعريفه. لذا لا يمكن فرض اي عقوبة عن فعل غير محدد بدقة متناهية وعدم وجود النص على تجريمه.

لقد حاول الامين العام السابق للامم المتحدة، السيد كوفي عنان، بتقديم مشروع تعريف للارهاب عام 2004، حيث جاء فيه “انه فعل يستهدف المدنيين العزل لغرض قتلهم او ايذائهم باصابات جسيمة بهدف ترويع السكان الآمنين واجبار الحكومات اوالمنظمات الدولية على القيام بعمل او الامتناع عنه”

وبالرغم من دقة هذا التعريف ووضوح اركان الجريمة مما يصعب ان تقبل التأويل او الاجتهاد، الا انه لم يعتمد دوليا لحد الان. ان اركان هذه الجريمة هي:
1- فعل القتل او الايذاء الجسدي الجسيم.
2- ان يقع هذا الفعل على المدنيين العزل.
3- ان يكون الهدف من هذا الفعل هو ترويع السكان الآمنيين واجبار الحكومات او المنظمات الدوليةعلى القيام بعمل او الامتناع عنه.   

وان اي فعل اخر خارج اطار هذه الاركان لا يعتبر فعلا ارهابيا ولكن من الممكن ان يشكل فعلا اجراميا اخر وفق القوانين الجنائية. فقتل غير المدنيين العزل لا يعتبر ارهابا ولكن يمكن ان يعتبر جريمة قتل وفق اركان اخرى. كما ان ركن الهدف ان لم يكن لترويع السكان الآمنيين واجبار الحكومات اوالمنظمات الدولية على القيام بفعل او الامتناع عنه، فانه لا يعتبر فعلا ارهابيا.

ان العلة الاساسية التي تكمن وراء عدم الاتفاق على تعريف جريمة الارهاب في الامم المتحدة هي مبدأ “الشرعية الجنائية” التي تعتبر المصدر الوحيد للقانون الجنائي. ومبدأ الشرعية هو “لا جريمة ولا عقوبة الا بنص”، وهذا المبدأ اوجبه القانون الدولي الجنائي ونظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998 والاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 كما نصت عليه اغلب دساتير دول العالم.

وتبعا لهذا المبدا يقتضي ان تكون اركان النص الجنائي محددة بشكل دقيق جدا بحيث لا يقبل اي تأويل او اجتهاد، وبالتالي لا يسمح بادخال افعال غير منصوص عليها اوغير محرمة (مباحة). كما يقتضي على القاضي عدم التوسع في تفسير النص الجنائي، بل عليه الاخذ بالتفسير الضيق جدا للنص لغرض عدم استحداث جرائم وعقوبات جديدة يكون ضحيتها الانسان البرئ.

ولما كان للقانون الدولي علوية على القوانين الوطنية، فلا بد للمشرع الوطني ان يلتزم باحكامه في العملية التشريعية، ومن هذه الاحكام هي المبادئ العامة الجنائية واهمها “مبدأ الشرعية” وهو “لاجريمة ولا عقوبة الا بنص”.

ولو نظرنا الى احكام القانون الجنائي العراقي، نرى ان المادة -1- من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 قد اقرت هذا المبدأ ونصت “لا عقاب على فعل او امتناع الا بناءا على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه، ولا يجوز توقيع عقوبات او تدابير احترازية لم ينص عليها القانون”

كما ان “دستور” النظام الحالي ينص بالمادة 19-ثانيا:”لا جريمة ولا عقوبة الا بنص…” لذا فانه من الدساتير الملتزمة نظريا بهذا المبدأ وبالتالي فأنه من المبادئ الاساسية التي يجب ان تلتزم بها جميع السلطات في الدولة، ولا يجوز خرقه مطلقا. وان خرقه يؤدي الى استحداث جرائم وعقوبات تفرض بحق الابرياء، مما تعتبر انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان وتشكل جرائم قتل وجرائم ضد الانسانية تستوجب معاقبة مرتكبيها وفق القانون الجنائي الوطني والقانون الدولي الجنائي. 

الا ان القانون رقم 13 لسنة 2005الذي اطلق عليه “قانون مكافحة الارهاب” تضمن نصوص عقابية خطيرة، وهذه النصوص مخالفة بشكل سافر لمبدأ “الشرعية الجنائية” (لاجريمة ولا عقوبة الا بنص)، لانها فضفاضة وتقبل التأويل والاجتهاد، بحيث تسمح بفرض عقوبة الاعدام عن اي فعل اجرامي (جريمة) يرتكب لغايات ارهابية!!؟. نصت المادة -1 – على ان الارهاب “كل فعل اجرامي يقوم به فرد او جماعة منظمة استهدف فردا او مجموعة افراد او جماعات او مؤسسات رسمية او غير رسمية اوقع الاضرار بالممتلكات العامة او الخاصة بغية الاخلال بالوضع الامني او الاستقرار والوحدة الوطنية او ادخال الرعب او الخوف والفزع بين الناس او اثارة الفوضى تحقيقا لغايات ارهابية”.

لم يحدد هذا النص تعريف دقيق للارهاب وفق متطلبات مبدأ الشرعية الجنائية، وانما اعتبر الارهاب هو اي فعل اجرامي (جريمة) نصت عليها القوانيين العقابية بشكل مطلق، يرتكب لغرض تحقيق “غايات ارهابية”. ولم يوضح هذا القانون ماهية الغايات الارهابية بدقة وتركها سائبة مما تقبل التاويل والاجتهاد خلافا لمبدأ الشرعية. بينما نجد ان مشروع الامم المتحدة المشار اليه قد جاء بتعريف دقيق للارهاب وان الاركان واضحة المعالم بحيث لا تقبل التأويل، ورغم ذلك لم يحصل الاتفاق الدولي عليها لعدم القناعة الكاملة بدقتها، ولكي لا تفرض على الابرياء. 

واعتبرت المادتين 2 و 3 من القانون المذكور بعض الافعال بحكم الارهابية او من جرائم امن الدولة لغرض تطبيق احكام المادة -4- (الاعدام). وكما هو واقع المادة -1- التي اوضحناها اعلاه، فان الافعال الواردة بهاتين المادتين، جاءت فضفاضة وعامة ويمكن تطبيقها على اي فعل تحت دوافع وغايات ارهابية وهو ما يتناقض مع مبدا الشرعية الجنائية، وبالتالي فان السلطة التي شرعت هذا القانون والسلطة القضائية التي لا تدفع بعدم شرعيته وعدم دستوريته ستتحمل المسؤولية الجنائية عن قتل الابرياء وارتكاب جرائم ضد الانسانية. ان اعتراض لجنة مجلس الامن لمكافحة الارهاب على هذا القانون والطلب من السلطات العراقية باعادة النظر به لان مواده فضفاضة وتكتنفها الضبابية ولا تحقق العدالة، هو خير دليل على عدم شرعية هذا القانون دوليا ومحليا، ناهيكم عن طبيعة الجهاز القضائي المسيس الذي يعتمد على القضاء الاستثنائي الخاص في اصدار الاحكام والعملية السياسية الطائفية التي جعلت من هذا القانون سيفا مسلطا على رقاب طائفة معينة من الشعب لارغامها على تنفيذ ماربها ومخططاتها المشبوهة. وتبعا لذالك فان جميع الاحكام الصادرة بحق المتهمين بجرائم الارهاب هي احكام باطلة لانتزاع الاعترافات عن طريق التعذيب الوحشي والهمجي وعن طريق محاكم استثنائية تفتقر لابسط المعايير الدولية بالاضافة الى تطبيق قانون ارهابي يمثل الدولة الارهابية الطائفية. 

لابد من الاشارة هنا الى ان افعال عديدة منصوص عليها في هذا القانون، يرتكبها رموز النظام الحالي واجهزته ومليشياته القمعية الطائفية وادناه بعضها على سبيل المثال وليس الحصر:

1 . العنف او التهديد الذي يهدف الى القاء الرعب بين الناس او تعرض حياتهم وحرياتهم وامنهم للخطر وتعريض اموالهم وممتلكاتهم للتلف ايا كانت بواعثه واغراضه يقع تنفيذا لمشروع ارهابي منظم فردي او جماعي.. (وهذا ما تقوم به القوات الحكومية والمليشيات المنخرطة في الجيش والشرطة).
2. العمل بالعنف والتهديد على اثارة فتنة طائفية او حرب اهلية او اقتتال طائفي وذلك بتسليح المواطنين او حملهم على تسليح بعضهم بعضا وبالتحريض او التمويل.. (وهذا ما تكرسه الحكومة من خلال الاحزاب الطائفية وتسليح عشائر الاسناد والصحوات)

3. خطف او تقييد حريات الافراد او احتجازهم او للابتزاز المالي لاغراض ذات طابع سياسي او طائفي او قومي او ديني او عنصر نفعي من شانه تهديد الامن والوحدة الوطنية والتشجيع على الارهاب.. (وهذا ما تمارسه الاحزاب الطائفية الحاكمة ومليشياتها بشكل واسع وعلى مرأى ومسمع الجميع)
4 . كل فعل ذو دوافع ارهابية من شانه تهديد الوحدة الوطنية وسلامة المجتمع ويمس امن الدولة واستقرارها او يضعف من قدرة الاجهزة الامنية في الدفاع والحفاظ على امن المواطنين وممتلكاتهم وحدود الدولة ومؤسساتها سواء بالاصطدام المسلح مع قوات الدولة او اي شكل من الاشكال التي تخرج عن حرية التعبير التي يكفلها القانون..(ان العملية السياسية برمتها وجميع اطرافها هم من يهددون الوحدو الوطنية وسلامة المجتمع وامن الدولة واستقرارها)

ان اقسى ما جاء بهذا القانون هي عقوبة الاعدام عن افعال غير منصوص عليها بشكل دقيق (فضفاضة)، اي عن افعال غير محرمة قانونا وبالتالي تؤدي الى قتل (اعدام) اشخاص ابرياء بالجملة عن افعال وهمية، بالرغم من ان عقوبة الاعدام عن اية جريمة ومهما كانت جسامتها محرمة دوليا لانها تدل على روح انتقامية بربرية لا تحقق العدالة، كما ان النحقيق فيها يجري من قبل اجهزه قمعية طائفية تستخدم شتى صنوف التعذيب البربري وجهاز قضائي استثنائي طائفي مسيس ناهيكم عن الفساد المالي والاداري والسياسي الذي ينخر جميع هذه الاجهزه.
هذه الهمجية والوحشية في فرض عقوبات الاعدام بحق الابرياء عن افعال وهمية، تستوجب احالة مرتكبيها من السياسيين الطائفيين والقضاة المسيسين الى قضاء عادل مستقل لينالوا جزائهم عن ما ارتكبوه من جرائم قتل وجرائم ضد الانسانية.
واود هنا ان أأكد ما جاء بمقال الدكتور أكرم المشهداتي الاخير، من كون قانون الارهاب باطل برمته وان المادة 4 منه جاءت لتعاقب بالاعدام عن افعال غير محددة او معروفة نص عليها هذا القانون، مما يقتضي على المتضاهرين رفع شعار الغاء هذا القانون برمته لانه يمثل “قانون ارهاب الدولة الطائفية”

رئيس جمعية الحقوقيين العراقيين – بريطانيا

أحدث المقالات