نكمل قراءتنا فيما جاء في الخطاب الفاطمي الحادي عشر للمرجع اليعقوبي فبعد أن تحدثنا في الحلقة السابقة عن ” الزهراء عليها السلام ودولة الإنسان ” نتحدث في هذه الحلقة عن “كيف يتم تحقيق دولة الإنسان؟”، فنقول:نص ما جاء في الخطاب الفاطمي عن الموضوع :” إن كرامة الناس كل الناس لا تتحقق إلا في دولة الإنسان وذلك عندما يسود القانون الكريم على يد القائد الكريم وحينما تقام الدولة الكريمة التي تحفظ للجميع حقوقهم وتقوم على أساس المبادئ الإنسانية العليا، فدولة الإنسان أسمى وأرقى من دولة القانون؛ عندما لا يكون القانون صالحا وانما يشرّعه الناس لرعاية مصالحهم الضيقة ووفق رؤيتهم المحدودة والقاصرة ، ولا يكون صالحا الا اذا حفظ كرامة الانسان، لذا كان من الدعاء الذي علّمه الإمام (عليه السلام) لشيعته: (اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة)، أما الدولة التي لا تقوم على أسس الكرامة الإنسانية فإنها تؤول إلى تسلط الأشرار والفاسدين واستعباد الناس ومصادرة حرياتهم والاستئثار بأموالهم وحرمانهم من مظاهر الحياة الكريمة”. انتهى. وهنا سنتحدث عن مستويين وخاتمة تطبيقية:المستوى الأول: دولة الإنسان الحقيقية:ودولة الإنسان هذه لا تتحقق إلا وفق الشروط التامة وهي:
1-قانون كاملة.2-قيادة شرعية كاملة.3-مستوى وعي بالحاجة لذلك.وهذا ما لا يتحقق- أو يبدأ العد التنازلي له- وفق رؤيتنا الشرعية إلا بعد الظهور المبارك لصاحب العصر والزمان(عجل الله تعالى فرجه). المستوى الثاني: دولة الإنسان الممكنة وفق الظروف:وهي بنفس الشروط السابقة ولكن بالمستوى المتاح والممكن وهي ليست بديلة عما سبق بل هي مقدمة له وساعية باتجاهه، وهذا الأمر محل جدل فقهي واجتماعي وسياسي لا نريد الخوض فيه رغم إن لحاظ إن كرامة الإنسان ثابت واضح يقود لتقبل أي سعي محق لذلك ورفض أي تهاون أو صمت عن ذلك تحت أي مسمى أو أي غطاء.بل إن تحقق المستوى الكامل لا يتوقع حدوثه دفعياً وبدون تجارب تقرب الوعي والرغبة والحاجة باتجاهه، ومهما كانت تلك التجارب ناقصة-وهذا أمر طبيعي- فإن عدمها نقص أكبر بل هو تراجع كبير.
الخاتمة التطبيقية: ونتحدث فيها بخصوص الخطوات العملية المطلوبة لتحقيق دولة الإنسان الممكنة في العراق والخطوات المطلوبة لذلك.من كل ما ذكرناه سابقاً تتضح صورة دولة الإنسان المطلوبة وهي الدولة التي تحفظ كرامة الإنسان واقعاً لا ادعاءً لا دولة القانون التي تجعل القانون معياراً وله فوقية-والإنسان أسمى من القانون الذي يضعه البشر وفق رؤية ضيقة أو قاصرة- ولا الدولة التي يضيع فيها الإنسان وحقوقه وكرامته، ولا دولة الشعارات والخطابات الفارغة، ولا دولة تسلط فئة على الجميع ولا الدولة التي تحفظ حقوق الأقوياء ولا مكان للضعيف فيها، وكذلك لا ينحصر الأمر بشكل سياسي معين للدولة ولا باسلوب معين وإنما المهم هو تحقيق الكرامة الإنسانية ومراعاتها.فالقانون الذي لا يراعي الكرامة الإنسانية كقيمة عليا وكثابت قانون فاشل.
والدستور الذي لا يراعي ذلك دستور فاشل.والموازنة التي لا تراعي ذلك موازنة فاشلة.والبرنامج الحكومي الذي لا يراعي ذلك برنامج حكومي فاشل.والحزب أو الجهة السياسية-لأن البعض يتحرك سياسياً كجهة هي حزب في الواقع ولا يتسمى بذلك تهرباً من مسؤولية المصطلح- التي لا تراعي ذلك في منهجها في التعامل مع المنتمين لها والآخرين، وفي برامجها ومشاريعها وأطروحاتها ومقترحاتها وأدائها حزب أو جهة سياسية فاشلة.والبرنامج الانتخابي الذي لا يراعي ذلك برنامج انتخابي فاشل.والتوعية التي لا تراعي ذلك توعية ناقصة فاشلة بل هي تجهيل وليس توعية.والمشروع-أقصد مشاريع الإعمار والتنمية- الذي لا يراعي ذلك مشروع فاشل.والاقتصاد الذي لا يراعي ذلك اقتصاد فاشل.والمسؤول أو الموظف الحكومي الذي لا يراعي ذلك مسؤول فاشل.فما نحن بحاجة له في العراق وفقاً لهذا السياق:
1-أن يكون الإنسان وكرامته قيمة عليا في كل قوانيننا وأطروحاتنا وبرامجنا ومشاريعنا وتعاملنا.
2-إعادة النظر في كل قوانين البلد وفق المعيار المذكور في النقطة الأولى.
3-إعادة النظر في إجراءاتنا الإدارية وسلوكياتنا الوظيفية وفقاً لهذا المعيار.
4-إعادة النظر في اقتصادنا وفقاً لهذا المعيار.
5-إعادة النظر في سياستنا في التعامل مع الآخر-أقصد الدول- وفقاً لهذا المعيار فالإنسان العراقي لا يفقد كرامته يومياً في بلده بسبب كل ما ذكر فقط بل يفقدها حتى عندما يسافر خارج البلد في تعاطي بعض الدول معه كعراقي- وفقاً لهذا المعيار.
6-إعادة النظر في مشاريعنا كافة وفقاً لهذا المعيار فلا قيمة فالجدوى الإنسانية هي المعيار الصحيح للتقديم فالمشروع مشروع ناجح بمقدار ما يقدم للإنسان.
7-جعل حفظ الكرامة-وذكرنا ذلك سابقاً- هو المعيار في التقييم.8-الاندفاع بالمطالبة بذلك بالوسائل والإمكانيات كافة وجعله قيمة علياً وغاية سامية للإصلاح لا تنافسها أي قيمة أو مطلب.9-تفعيل دور مؤسسات مجتمع مدني حقيقية تمارس دور المحرك بهذا الاتجاه والمراقب للأداء وتجمع شتات الجهود لتكون أكثر أثراً، فينتظم الجميع في نقابات وتجمعات وجمعيات ليكونوا فاعلين ومؤثرين باتجاه تحقيق هذا الهدف.وغير ذلك، والحال ليس منحصراً بالعراق ولكننا ذكرنا العراق من باب المثال الأقرب ولكون الخطبة الفاطمية ألقيت في العراق وحملت في جزء منها رسالة لأهل العراق شعباً وساسة ومؤثرين.إذن ما نحن بحاجة له فعلاً هو بناء دولة إنسان والسعي لذلك لأنه هو الصواب ولأنه لا تدانيه غاية ولا مطلب ولأن السعي لغيره أو تجاهله لا يضر إلا الإنسان نفسه.والحمد لله رب العالمين.