نكمل قراءتنا فيما جاء في الخطاب الفاطمي الحادي عشر للمرجع اليعقوبي فبعد أن تحدثنا في الحلقة السابقة عن ” التكريم كدليل على صحة المنهج ” نتحدث في هذه الحلقة عن ” أثر التكريم في التربية”، فنقول:نص ما جاء في الخطاب الفاطمي عن الموضوع في تتمة تعداد نقاط أهداف بيان القرآن لحقيقة التكريم :”2-إلفات نظر الإنسان إلى عظمة مكانته عند الله تعالى وما حباه الله من نعم ليحترم نفسه ويحافظ على طهارتها ونقائها ولا يبيعها بثمن بخس، في الحديث الشريف: (من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته).فالتفات الإنسان إلى هذه الحقيقة يعطيه الثقة بنفسه ويعينه على الثبات والاستقامة، وهذه من الوسائل المهمة في التربية الصالحة.3-لا تخلو الآية من عتاب للإنسان على تمرده وعصيانه على ربه الذي أكرمه بأفضل ما يكون الإكرام وأغدق عليه من النعم حتى صار الإنسان يقيِّم ربَّه على أساس ما يعطيه من نعم مادية (فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)(الفجر:15-16)”. انتهى.تعرفنا فيما سبق على إن التكريم دليلٌ على صحة المنهج، وإن له مظاهر ولهذه المظاهر أهداف، وكان من ضمن ما ذكرنا من تلك الأهداف تمييز الخير من الشر والهدى من الضلال والوصول للسعادة، وما ذلك إلا لما للتكريم ومظاهره من أثر كبير في التربية، ويمكن الحديث عن هذا الأثر من جانبين:الأول: التفات الإنسان إلى تكريمه من قبل الله تعالى وإلى مظاهر هذا التكريم والتفضيل، سيشكل حافزاً قوياً للإنسان لمواجهة الشهوات والرغبات غير الصحيحة، ويعطيه الثقة بنفسه بما يمكنه من مواجهة الصراع مع النفس والشيطان-خصوصاً مع الالتفات إلى جانب الحسد من الشيطان للإنسان وتحديه بإغواء الإنسان- والمغريات، وينبهه على ما لديه من مقومات وأدوات للقيام بذلك، وما يمتلك من عناصر تميزه عن غيره، وإن دخوله هذا المضمار جاء تكريماً له ومع تجهيزه بما يمكنه من ذلك وليس عبثاً ولا لمكسب للمكرِم (لتربح عليّ)، فتهون عليه الشهوات والرغبات ويتحفز أكثر للحفاظ على مستوى التكريم هذا والسعي لتكامل أفضل.الثاني: عند ارتكاب الخطأ أو المعصية يحتاج الإنسان إلى محفزات للمراجعة والتصحيح، والتفات الإنسان إلى كرامته وإن فعله الخاطئ هذا إهانة لنفسه كما هو معصية لخالقه، وإن ذلك الفعل لا يليق به ولا بمكانته ولا بالمهام التي أوكلت له، وإن المعصية هي الإهانة وتركها هو الإكرام وليس الفقر والابتلاء هو الإهانة والغنى هو الإكرام (فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)(الفجر:15-16).ولا ينحصر أثر التكريم في التربية عند هذا المستوى-أي المستوى الأخروي وهو الأفضل بلا شك- بل له الأثر الكبير جداً في كيفية التعامل مع الآخرين والمجتمع والحفاظ عليه ولذا نعبر عن الكثير من الأخطاء الاجتماعية والقانونية بأنها غير لائقة وإن الجدير بفلان أن لا يفعل كذا، وإلفات النظر لذلك مهم جداً للتشجيع على عدم مخالفة القوانين العامة والتعاطي الإيجابي مع الآخرين، فكل فعل خاطئ مع الآخر أو مضر بالمجتمع بأي شكل من الاشكال يمكن تسويقه على إنه-وهو كذلك فعلاً- غير لائق بك كإنسان وينبغي عليك تجنبه وحث الآخرين على ذلك وهذا يحفز الكثيرين على الاستجابة.