19 ديسمبر، 2024 4:58 ص

دولة الإنسان منطلقاتها ومطلوبيتها وخطوات التنفيذ ح3 تفاوت درجات التكريم 

دولة الإنسان منطلقاتها ومطلوبيتها وخطوات التنفيذ ح3 تفاوت درجات التكريم 

نكمل قراءتنا فيما جاء في الخطاب الفاطمي الحادي عشر للمرجع اليعقوبي فبعد أن تحدثنا في الحلقة السابقة عن ” الكرامة الحقيقية بين الإعلان الإلهي ومحاولات السلب ” نتحدث في هذه الحلقة عن ” تفاوت درجات التكريم “، فنقول:نص ما جاء في الخطاب الفاطمي عن الموضوع:”وتتفاوت درجات الكرامة عند الله تعالى بحسب درجة التقوى التي يتحلى بها الانسان قال تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(الحجرات : 13) وإن الإنسان يزداد كرامة عند الله تعالى حتى يفوق مقامه الملائكة، ففي الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (ما شيء أكرم على الله من ابن آدم) ، وفي الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (ما خلق الله عز وجل خلقاً أكرم على الله عز وجل من المؤمن، لأن الملائكة خدام المؤمنين).وتشرح رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) تعليل ذلك في ما نقله عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (إن الله عز وجل ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركب في بني آدم كلتيهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم)”. انتهى.هل للكرامة درجات؟!وهل يمكن للإنسان يرفع-إن صح التعبير- من مستوى كرامته أو العكس؟وإذا كانت الكرامة متفاوتة وقابلة للزيادة والنقصان فكيف يمكن أن تكون أساس تشريعي؟أليس القول بالتفاوت في الكرامة تمييز بين البشر؟من هذه الاسئلة المحورية ننطلق في كلامنا محاولين الإجابة عليها لتتضح لنا الصورة أكثر.فبالنسبة للسؤال الأول: (هل للكرامة درجات؟!)فيتطلب قبل الإجابة الرجوع لتعريف الكرامة الذي تحدثنا عنه في الحلقة الأولى، حيث قلنا هناك إن الكرامة وفقاً للرؤية الغربية أو لنقل القانونية-باعتبار تداولها- ليست بذات معنى واضح، وإن الاشتقاق اللغوي لها يشير لمعنى الجدارة، وإن شوبنهاور على سبيل المثال  عرفها بأنها ” رأي الآخرين حول قيمتنا “، فالكرامة سواء أكانت جدارة أو قيمتنا وفقاً لرأي الآخرين فهي قابلة للتفاوت فالجدارة مفهوم متفاوت-مشكك- فيه أفضل وفيه أقل وكذلك قيمتنا وفقاً لرأي الآخرين.أما بالنسبة للتعريف وفقاً للرؤية الدينية-الإسلامية بالخصوص- فهي كمل قلنا هناك التفضيل والاستخلاف وهي قابلة للتفاوت أيضاً، وكشاهد من الخطبة قول اليعقوبي :” وتتفاوت درجات الكرامة عند الله تعالى بحسب درجة التقوى التي يتحلى بها الانسان قال تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(الحجرات : 13)”.بالنسبة للسؤال الثاني:(هل يمكن للإنسان يرفع-إن صح التعبير- من مستوى كرامته أو العكس؟)فالنسبة للتعريف الأول-كما ذكرنا في إجابة السؤال الأول- فنعم يمكن فالجدارة قابلة للنماء والنقصان وكذلك قيمتنا وفقاً لرأي الآخرين هي قابلة للنماء والنقصان كذلك، أما كيف يتم ذلك فلم أطلع على طرح منهم بهذا الاتجاه، بل لعله لا يوجد التفات إلى كون الكرامة بهذا التعريف تقبل التفاوت والزيادة والنقصان!وبالنسبة للتعريف الثاني-كما ذكرنا في إجابة السؤال الأول- فنعم أيضاً ونعود للنص الذي استشهدنا به من الخطبة لنقتبس منه: “وإن الإنسان يزداد كرامة عند الله تعالى حتى يفوق مقامه الملائكة، ففي الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (ما شيء أكرم على الله من ابن آدم) ، وفي الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (ما خلق الله عز وجل خلقاً أكرم على الله عز وجل من المؤمن، لأن الملائكة خدام المؤمنين). وتشرح رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) تعليل ذلك في ما نقله عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (إن الله عز وجل ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركب في بني آدم كلتيهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم)”إذن الكرامة قابلة للزيادة والنقصان والمعيار في ذلك التقوى والصلاح وفقاً للتعريف الثاني.أما لجواب السؤال الثالث وهو : “وإذا كانت الكرامة متفاوتة وقابلة للزيادة والنقصان فكيف يمكن أن تكون أساس تشريعي؟” فنقول:ثبت لدينا إن الكرامة متفاوتة وقابلة للزيادة والنقصان نعم ولكن هناك حد أدنى لها لا يمكن التنازل عنه هذا أولاً، وثانياً القوانين والتشريعات توضع لمعايير وليس وفقاً لمستويات أشخاص، وثالثاً إن التدني في الكرامة ما لم يتحول إلى فعل خارجي قابل للتجريم فصاحبه يبقى مشمولاً بكل معايير الإنسانية، ورابعاً إن الحقوق ممكن أن تسلب إذا اصطدم التمتع بها مع الصالح العام فرغم وضوح حق الحرية بما لا مجال للبس فيه فإنه يُصادر إذا ما ارتكب صاحبه جرماً معيناً أو كان تمتعه به مضر بالمجتمع ولذا وجدت عقوبة السجن على سبيل المثال.بقي لدينا السؤال الرابع والأخير وهو “أليس القول بالتفاوت في الكرامة تمييز بين البشر؟” وللإجابة عنه نقول:بعد أن أثبتنا باختصار إن الكرامة متفاوتة وقابلة للزيادة والنقصان فلا مشكلة في التمييز بل هو ليس تمييز بل تفاضل وفقاً لأسس صحيحة.ما الفرق بين التمييز المرفوض والتفاضل الذي نقصده؟ولتوضيح ذلك سنضرب أمثلة:المثال الأول: التمييز بين البشر وفقاً للون البشرة مثلاً كما هو المعمول به إلى الآن في الغرب ولم يتخلص من عقدته-ليس كلياً- إلا قريباً جداً، في حين الإسلام أسس لعدم معيارية هذا التمييز في بيان الأفضلية ولذا لا تجد في أغلب المجتمعات الإسلامية –رغم ضعف الوعي- أي وجود للتمييز من هذا الناحية، هذا الأمر لا يصلح معيار للتفاضل أولاً لكونه غير اختياري وثانياً لإنه لا مدخلية له إنسانية الإنسان ووظائفه وبالتالي فهو تمييز مرفوض.المثال الثاني: التمييز بين المرأة والرجل فالرجل أفضل من المرأة دائماً وفقاً لهذا المعيار التمييزي وهذا مرفوض بلا شك فمعيار “أكرمكم عند الله أتقاكم” واضح في عدم مدخلية الذكورة والأنوثة في الموضوع، ولكن للأسف لم يتم التأسيس لمحاربة هكذا نوع من التمييز الخاطئ في مجتمعاتنا الإسلامية إلى الآن، أما غربياً فالموضوع أخذ أبعاد أخرى فالتفت للتمييز ولكنه سوّق ونُظّر وقُنّن له بطريقة ظلمت المرأة مجدداً!نعم التمييز بين المرأة والرجل مرفوض ولكن هذا لا يلغي الخصوصية فالرجل والمرأة كلاهما إنسان ولكن الرجل ذكر والمرأة أنثى، وهذه خصوصيات لا يمكن تجاهلها وينبغي أن تُلحظ في تقسيم المهام والوظائف والمسؤوليات، وهذه الخصوصية هي الملحوظة في بعض التشريعات الخاصة بالمرأة في الشريعة الإسلامية التي يصنفها البعض بشكل خاطئ على إنها تمييز مرفوض، فهي مراعاة للخصوصية وليس تمييزاً.الخلاصة في هذه الحلقة إن هناك تفاوت في الكرامة، وهناك معايير للتفاوت وإن مراعاة هذه المعايير ليس تمييزاً.

أحدث المقالات

أحدث المقالات