لوأمعنا النظر في آلية قبول المعاملات والتعيينات في دوائر ومؤسسات الدولة العراقية بين عام 2003 وعام 2011 نجد أن هنالك صورتان مختلفتان تماماً :
ففي الصورة الأولى كانت الدولة العراقية منهارة بالكامل ، وجميع المؤسسات الحكومية مغلقة وخالية من الموظفين والعاملين فيها بسبب الأجتياح الأمريكي للعراق وأحتلاله ، ولما أرادت قوات الأحتلال أعادة جزء من مظاهر الحياة المدنية إلى البلاد وضبط الأمن الداخلي فتحت بعض مراكز التطوع للأجهزة الأمنية والحرس الوطني والشرطة وبقية الدوائر الخدمية أمام المتقدمين ، فكانت الصورة كالاتي : يأتي المتقدم دون أي مستمسكات رسمية ويسجل أسمه الثلاثي عند شخص في باب أي دائرة بيده قلم وورقة كارتون [غلاف علبة سكائر] ويدخل إلى تلك الدائرة ويصبح منتسباً لها من تلك اللحظة دون شهادة أو مستمسكات كاملة أو أستفسار عن عمر أو مواليد ، بل يستلم راتب فوري عبارة عن [200دولار ] كمقدمة للراتب القادم ، وهكذا لايكاد يمر يوم واحد فقط على تواجد ذلك الشخص تصبح له مميزات قدم ومخصصات وملابس وسلاح رسمي وهوية أنتساب وغيرها من الأعتبارات الوظيفية الأخرى !!
وفي الصورة الثانية …فعندما أستقر الوضع الأمني ، وأصبحت دوائر الدولة أكثر ضبطاً وأدارة،وأستكفى المتقدمون الأوائل من التعيينات وشبعوا من الرواتب والمخصصات ، بدأت الطلبات الثقيلة والمستحيلة تكثر على المتقدمين من حملة الشهادات العليا التي أستحقوها بجدارة وتقدموا بها للوظائف والتعيينات الجديدة ، وهكذا أصبحت قائمة المستمسكات المطلوبة من المتقدمين تتعدى العشرين مستمسكاً رسمياً ويجب أن تكون موقعة من أكثر من جهة، حيث أن الوثيقة المدرسية يجب أن يكون فيها أكثر من تأييد وتوقيع وأصدار حتى يستطيع الشاب المسكين أن يتعيين في دائرة بسيطة من دوائر الدولة ، في الوقت الذي لم يكن أولئك الموظفون الذين يطلبون هذه المستمسكات قد طُلب منهم غير أسمائهم فقط في سنوات الچفتة الأولى فصاروا فجأةً من الحريصين على شرف التعيينات ومهنية الوظائف التي شبعوا منها وأترفوا في وقت [الچفتة الشهيرة] بعد السقوط !!
وقدحدثني أحد الموظفين في مجلس الحكم [الذي هو أعلى هيئة إنتقالية في البلاد تشكلت بعد سقوط بغداد عام 2003 ] ..بأن الكثيرين من أعضاء ذلك المجلس لم يكونوا يحملون حتى شهادة الأبتدائية !!!
وهكذا كانت سنوات [الچفتة ] قد أوجدت جيوشاً من غير المستحقين والدخلاء من الموظفين الذين أصبحوا اليوم هم عماد الدوائر والمؤسسات الحكومية، وإذا قلنا باللهجة الدارجة [ خليهم ياكلون خبزة ] ..طيب لماذا يمنعون غيرهم أن يأكل خبزة مثلهم ؟؟ ولماذا الذي كان عليهم حلالاً ، أصبح – وبقدرة قادر – على المساكين من العاطلين الذي يحملون الشهادات التي هي تبنى مستقبل العراق صارت على هؤلاء المتقدمين حراماً هذه الأيام ؟؟
لقد ذهب أحد العاطلين عن العمل وهو رجل مريض قد أنهكته السنين العجاف وحاصرته لقمة العيش وهو ويسكن في دار تجاوز مبنية من الطين والجذوع ذهب إلى مديرية الرعاية الأجتماعية وهو يحمل لهم كل مستمسكاته الرسمية والتأييد من مختار محلته وتأييد من عضو المجلس المحلي وغيرها من المستمسكات ، ولكن أحد موضفي [ الچفتة ] قام بقذف المعاملة بوجه ذلك المسكين المتعب صارخاً بوجهه :: أين كنت قبل اليوم.. أنت بطران ….لقد أنتهى قبول المعاملات منذ عام 2008!!
وهذه العبارة القاسية من الموظفين [ لقد أنتهى وقت التعيينات من زمان ] ..قد سمعها الآلاف من أبناء الشعب العراقي الذين حملوا مستمسكاتهم الصحيحة وأستحقاقاتهم الوظيفية في التعيين وكأن هذا البلد لايشتغل على مواطنيه إلا في سنوات محدودة من التاريخ وبعد ذلك يغلق أبوابه على مجموعة من الجشعين الذين لايريدون الخير إلا لأنفسهم ، وهؤلاء لاشك أنهم يتمنون كل يوم أن تكون هناك بلبلة وقلقة وإنهيار للدولة حتى يجدون مناصب جديدة يحلمون بها في دولة [الچفتة الجديدة] !!!