18 ديسمبر، 2024 6:40 م

دولة أم سدللي وأسدلك أم مليشيات أم خوارزميات مقطعة داخل دولة؟

دولة أم سدللي وأسدلك أم مليشيات أم خوارزميات مقطعة داخل دولة؟

دخل رئيس الوزراء العراقي، الكاظمي، في مواجهة مع ميليشيات مسلحة تتحدى سلطته بتنفيذ عمليات عسكرية تضعف سلطته وتزعزع استقرار البلاد وتُشيع جوًّا من الخوف، وستنتهي هذه المواجهة إما بتوحيد السلاح بيد الدولة أو ببقاء الميليشيات المسلحة مجددًا دويلات داخل الدولة.
لم تكن الميليشيات الشيعية المسلحة بهذه القوة طوال الفترة التي أعقبت الاحتلال الأميركي للعراق في 2003. ولكن جملة من التطورات دفعت لتكاثر عدد هذه الميليشيات، وتطورات أخرى ساعدت على تعاظم قوتها ونفوذها في المجتمع العراقي.كانت منظمة بدر، التي وُلدت أصلًا في إيران خلال سنوات المعارضة لنظام البعث، أولى الميليشيات المسلحة وجودًا في عراق ما بعد 2003. ولكن، ونظرًا لاحتدام الصراع داخل الجسم الشيعي السياسي، سرعان ما قام أتباع رجل الدين الشاب، مقتدى الصدر، بتأسيس ميليشياتهم الخاصة. وقد لعبت بدر والصدريون دورًا بارزًا في الصراع الطائفي الذي احتدم في السنوات 2008-2009.بانهيار النظام العراقي وقيام سلطات الاحتلال الأميركي بحل مؤسسات الدولة العراقية، تحول العراق إلى منطقة فراغ، سمحت لإيران بتعزيز نفوذها في الدولة الجار، التي كانت دائمًا مصدر قلق وتهديد لنظام الجمهورية الإسلامية. ولأن الأميركيين لم يعرفوا العراق جيدًا، لم تستطع السلطات الأميركية في العراق التعامل مع النفوذ الإيراني، الذي أخذ في التزايد والانتشار تحت سمع الأميركيين وبصرهم وفي كافة دوائر العراق الجديد، الرسمية وغير الرسمية. في كثير من الأحيان، وضع الأميركيون ثقتهم في قوى وشخصيات عراقية هي في الحقيقة موالية كلية لطهران، سواء سياسيًّا أو دينيًّا، أو سياسيًّا ودينيًّا معًا.الإيرانيون، من ناحيتهم، أدركوا صعوبة المحافظة على كتلة شيعية عراقية موحدة، ولم يكن لديهم من مانع للسماح بانشقاقات في القوى السياسية الشيعية، أو رعاية العناصر النشطة التي رغبت في تشكيل كياناتها الخاصة. مع بداية رحيل الأميركيين في ولاية أوباما الثانية، تزايدت أعداد الميليشيات المسلحة، وإن اختلفت في حجمها، وتباينت نسبيًّا في درجة ولائها للإيرانيين. النقلة النوعية في وضع الميليشيات جاءت في صيف 2014، عندما نجح تنظيم الدولة في اجتياح مناطق واسعة من أراضي البلاد، ودعا المرجع السيستاني إلى انخراط الشعب في مواجهة الخطر الذي بدأ يمثله تنظيم الدولة.بذلك، وُلد الحشد الشعبي، الذي نجحت الميليشيات في استغلاله لزيادة عدد منتسبيها، وتوفير الدعم المالي لمنظماتها، والسلاح والتدريب لكوادرها. كافة الميليشيات الشيعية المسلحة، من بدر، والصدريين، والعصائب، والنجباء، وكتائب حزب الله، وغيرها، تحتفظ بقدم لها داخل الحشد وأخرى خارجه. وحتى العناصر داخل الحشد، وبالرغم من أن قوات الحشد تعتبر قوة مسلحة شرعية ورسمية، إلا أنها لا تخضع بالضرورة دائمًا لإرادة الدولة ونظام الحكم.بهزيمة تنظيم الدولة ودحر خطره وتعاظم قوة الميليشيات المسلحة، أصبح واضحًا أن المشكلة تتعلق بوجود السلاح في يد عناصر ومجموعات خارج نطاق وسيطرة أجهزة الدولة. خلال سنوات المواجهة مع تنظيم الدولة، التي جرت في مناطق أغلبية سنية، تُتهم الميليشيات بإدارة معتقلاتها السرية الخاصة، التي لم تزل قائمة وتضم الآلاف من المختفين. وتتهم الميلشيات بممارسة عمليات تهجير وتعذيب وإعدام خارج القانون، وتتهم وحدات من الميليشيات بالسيطرة على بلدات وقرى ومدن سنية، وفرض أتاوات على السكان، ومصادرة ممتلكات بالقوة.وفي مختلف حدود العراق الدولية، سيما الحدود مع سوريا وإيران، تُتهم الميليشيات بالسيطرة على معابر حدودية، وتحصيل الرسوم والضرائب على المسافرين والبضائع لحسابها الخاص. في جنوب البلاد، تُتهم الميليشيات بالسيطرة بالكامل على أرصفة في ميناء البصرة. إضافة إلى ذلك كله، ففي أكثر من موقع، تُتهم الميليشيات بأخذ عشرات الآلاف من براميل النفط يوميًّا، سواء من أنابيب النفط أو من حقول الآبار مباشرة، وتنقلها خارج البلاد، عبر الخليج أو الدول المجاورة، سيما إيران، وهناك تقديرات تنفيها المليشيات ولم تؤكدها الدولة، بأن الخسارة المالية للدولة العراقية جرَّاء نشاطات الميليشيات الاقتصادية تعد مليارات من الدولارات سنويًّا.ما لا يقل أهمية أن أغلبية الميليشيات الشيعية المسلحة وثيقة الصلة بإيران، وتعطي بالتالي الأولوية لاتباع سياسات إيران في العراق وتعمل على تعزيز هذه السياسات، بغضِّ النظر عن الضرر الذي توقعه التوجهات الإيرانية بموقف الدولة العراق الإقليمي أو الدولي، وأوضاع العراق الأمنية والاقتصادية. تحركت مجموعات متزايدة من الميليشيات العراقية الشيعية بحرية كاملة إلى سوريا طوال السنوات التسعة الماضية، وساهمت مساهمة مباشرة وكبيرة في الجهود الإيرانية لحماية نظام الأسد. وكلما تصاعدت وتيرة التدافع الإيراني-الأميركي، قامت الميليشيات بتصعيد ضغوطها على مواقع الوجود الأميركي في العراق.بذلك، أصبحت الميليشيات الشيعية المسلحة، واقعًا وخطابًا، دولة في موازاة الدولة العراقية.

وُلدت دولة ما بعد الغزو الأمريكي عام 2003 في العراق وهي تعاني من ضعف هيكلي. أولًا: لأن إدارة الاحتلال عصفت بأجهزة دولة السابقة كلية، وبدأت عملية بناء أجهزة الدولة الجديدة من دون أن تأخذ في الاعتبار خبرات وتقاليد الدولة المتراكمة منذ ولادة العراق الحديث في 1921. وثانيًا: لأن الدولة الجديدة أقيمت على أسس محاصصة طائفية وإثنية، من دون النظر إلى استحقاقات الكفاءة والقدرات والمؤهلات. ولأن مقاليد السلطة سُلِّمت تقريبًا بكليتها للقوى السياسية الشيعية المعارضة لنظام البعث، عمل السياسيون الشيعة على حشد أنصارهم ومواليهم وأقاربهم في مؤسسات الدولة ومفاصل آلتها. إضافة إلى ذلك، استخدمت إدارة الاحتلال والحكومات العراقية التالية لها قانون اجتثاث البعث، بحق وبدون حق، للعصف بقطاع واسع من الكفاءات العراقية العسكرية والأمنية والمدنية.خلال المرحلة حتى نهاية الاحتلال وانسحاب القوات الأجنبية، أُلقيت مهمة فرض سيطرة الدولة الجديدة وإرادتها في معظمها على قوات الاحتلال. وحتى في تلك المرحلة، كان واضحًا أن لا الدولة الجديدة ولا قوات الاحتلال ولا القوى السياسية والطائفية المتحالفة معها، حققت نجاحًا ملموسًا في بناء دولة قادرة على فرض الاستقرار. في ولايته الأولى، حاول المالكي تعزيز قوة الدولة وإعلاء إرادتها، ولكن جهوده في هذا المجال لم تمض بعيدًا؛ وسرعان ما عاد في ولايته الثانية إلى تبني سياسة تفرد طائفية، غاضًّا النظر عن استشراء الفساد في كافة مؤسسات الدولة، بما في ذلك القوات المسلحة. ولم تلبث هشاشة الدولة وإخفاقات المالكي أن برزت عندما بدأ تنظيم الدولة في 2014 هجومه الكبير، مكتسحًا مواقع الجيش والقوات المسلحة في محافظات الغرب والشمال.اشتغلت حكومة العبادي طوال معظم ولايته في محاربة تنظيم الدولة ومواجهة مساعي إقليم كردستان العراق للاستقلال. وبالرغم من أن العبادي سارع إلى إجراء إصلاحات ملموسة في بنية القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، فرضتها طبيعة المعركة التي خاضها ضد تنظيم الدولة، وساعدت عليها الخبرات العسكرية الأميركية، إلا أنه، ربما لانشغاله بقتال تنظيم الدولة، لم يستطع التعامل مع تداعيات تشكيل الحشد الشعبي الهائلة ككيان مسلح مستقل عن قيادة القوات المسلحة، وأخفق في منع سيطرة الميليشيات واسعة النطاق على الحشد، والطبيعة الطائفية الصارخة لمساهمات الحشد، الهامشية في أغلبها، في حرب تنظيم الدولة.عقب كل ذلك، كان من الواضح أن الميليشيات تحولت إلى ما يشبه الدولة داخل الدولة، وأن تعدادها ومقدَّراتها المالية والعسكرية تكاد توازي مقدرات قوات الدولة المسلحة. بل أكثر من ذلك؛ فقد نجحت الميليشيات، ومنذ وُلدت الدولة الجديدة، في اختراق أو تجنيد أنصار وموالين لها داخل مؤسسات الدولة ودوائرها، ليس الوزارات المدنية وحسب، بل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والوحدات العسكرية. الآن، لم يعد ثمة جدل في أن جملة التطورات منذ تولي الكاظمي مهامه تجعل من مواجهة سطوة الميليشيات أولوية رئيسة لحكومته. ولكن ثمة تحديات تقف أمام الكاظمي في خوض هذه المواجهة، فلا يمكنه المضي في سياسته من دون السعي الحثيث لتعزيز الوطنية العراقية، ووضع نهاية للسياسات الطائفية. المشكلة، أن الكاظمي، بالرغم من الدعم الذي تلقاه من الكتل البرلمانية السنِّيَّة، خَصَمَ من حصة السنَّة التقليدية في مجلس الوزراء، ولم يمنحهم مناصب أمنية أساسية، كما لم يمنح رئاسة أركان الجيش لضابط كردي، كما كان الوضع قبل أن يلغيه العبادي. بصورة من الصور، ولاحتواء التعقيدات والتدافعات السياسية الحزبية والنفوذ الإيراني في أوساط الميليشيات وأجهزة الدولة، قد يميل الكاظمي إلى خيار عقد مؤتمر وطني عراقي، يضم القطاع الأوسع من الزعماء السياسيين، وقادة الرأي العام، وشيوخ العشائر، وممثلي الجماعات المدنية والمنظمات المهنية، بهدف إعادة تأسيس الدولة العراقية، والتوافق على تعديل الدستور، ووضع إطار إجماعي لماهية الدولة، وعلاقتها بشعبها، وأولوياتها الرئيسة في هذه المرحلة، وطبيعة علاقاتها الإقليمية والدولية. ليس ثمة نظام حكم يستطيع تعهد مهمات الحكم من دون أن تستطيع مؤسسات الدولة إنفاذ إرادته، سواء تلك المتعلقة ببرنامجه السياسي، الاقتصادي-الاجتماعي، أو الأمني والقانوني. وبعد مرور ما يزيد عن العقد ونصف العقد على ولادتها عقب الغزو الأميركي في 2003، تبدو الدولة العراقية في حيرة من أمرها في التعامل مع التحديات التي تفرضها جماعات مسلحة متمردة على سلطة الدولة. أزمة حكومة مصطفى الكاظمي في حقيقتها هي أزمة الدولة العراقية ذاتها. ويقف الكاظمي، الذي يبدو أنه يتمتع بدعم أميركي صريح، أمام خيارين: إما أن يخوض المعركة في مواجهة كافة الميليشيات، مهما كانت التكاليف والعواقب، أو أن يستمر في إطلاق وعود لا يستطيع الوفاء بها، وإعلان برامج لا يستطيع تطبيقها، إلى أن يحين موعد الانتخابات القادمة ويعاد تدوير النظام من جديد.

من الأبعاد الخطرة للفكر الطائفي إيجاد انتماء آخر يقوم على أساس الحزبية المقيتة دون النظر إلى أي مسائل أخرى، فأصحابه على أتم الاستعداد لفعل كل شيء بشرط المحافظة على انتمائهم الحزبي، وهذا ما يظهر جلياً في التفجير الضخم الذي عصف ببيروت، فرغم تشرد الناس وموت الأبرياء وترويع الآمنين وتشتت الأسر، يخرج علينا حسن نصرالله بخطاب بارد يدين فيه ما وقع، ولنقارن حاله في إلقاء الخطاب بحاله عند مقتل قاسم سليماني، وعندها سندرك أن الولاء للطائفة والحزب هو الأهم والأساس عند حسن وجماعته، ولا يُستبعد أن يكون التفجير الذي وقع بسبب جماعته، ورغم هذا، سيخرج علينا بعدها كاذباً ومراوغاً لتبرير ذلك. لذلك يجب محاربة هذه الأفكار المتطرفة، وبيان أن تنظيم حزب الله يخالف أمر الله ويخالف نصوص الإسلام، فالله تعالى يقول: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تَفرَّقوا..» (سورة آل عمران ـ الآية: 103)، ويقول أيضاً: «وإنَّ هذه أُمَّتُكم أُمَّةً واحدةً وأنا ربُّكم فَاتَّقُونِ فتقطَّعوا أَمرَهم بينهم زُبُراً كُلُّ حِزبٍ بما لديهم فرحون» (سورة المؤمنون ـ الآية: 52 ـ 53). لقد حارب الإسلام الطائفية المقيتة التي لا تراعي إلا مصلحة الحزب وحده حتى لو مات البشر وهلكوا، فلا قيمة لهم في نظر المتحزب لأنهم لا ينتمون لجماعته، بل يعيش أفراد الحزب وهم لا يرون إلا رئيس حزبهم، فهو ولي أمرهم الذي يبايعونه على السمع والطاعة في اليُسر والعسر، ولا يلتفتون لغيره وتراهم يقدِّمون الولاء والبيعة لشخص آخر يعيش في بلد آخر بعيداً عن ثقافتهم وأفكارهم ومنطقتهم لاشتراكهم في الولاء الحزبي، فكأنها دولة أخرى في وسط دولة، ولكم أن تتصورا حال أي بلد إذا كانت عقلية بعض أفراده بهذه الطريقة. فبعض البُلدان حباها الله بالخيرات العظيمة والنعم الوفيرة، ويتميز أهلها بالذكاء والفطنة، ولكن مزَّقتها الانتماءات الحزبية المقيتة. لقد بُعث النبي، صلَّى الله عليه وسلَّم، وجزيرة العرب في فرقة شديدة، حيث كانت كل قبيلة تفتك بالأخرى، فجمعهم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، على كلمة واحدة هي راية الإسلام، وفي صحيح البخاري أن رجلاً من المهاجرين ضرب رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فأسمعها الله رسوله، عليه الصلاة والسلام، قال: «ما هذا؟ فقالوا: ضرب رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة». فانظروا كيف حسم الإسلام في مثل هذه المسائل، فالحزبية تُشتِّت الدول وتمزِّقها.

الدولة العميقة، (بالإنجليزية: Deep state)‏ أو الدولة المتجذرة] أو دولة بداخل دولة، مفهوم شائع غير اختصاصي يُستخدم لوصف أجهزة حكم غير منتخبة تتحكم بمصير الدولة (كالجيش أو المؤسسات البيروقراطية المدنية أو الأمنية) أو الأحزاب الحاكمة)، وقد تتكون الدولة العميقة بهدف مؤامراتي أو بهدف مشروع كالحفاظ على مصالح الدولة كنظام حكم.] يفترض بأن للدولة العميقة عناصر موجودة في مؤسسات ومفاصل الدولة المدنية والعسكرية والسياسية والإعلامية والأمنية، وتقدر هذه العناصر التي تعمل صوب أهداف مشتركة من التأثير وتوجيه مؤسسات الدولة الرسمية وقراراتها السياسية]

من الأمثلة الشائعة على مفهوم الدولة العميقة، الدولة العميقة أو المتجذرة في تركيا، والدولة العميقة في الولايات المتحدة (وكالة الأمن المركزي واللوبيات),و مصر (الجيش وكبار رجال الأعمال) وغيرها. من الممكن أن تكون الدولة العميقة، حين تسمى بدولة داخل دولة، أن تصف بعض الأحزاب والجماعات التي تتصرف كأنها دولة لكن ضمن حدود دولة معترف ] أو الأجهزة المخابراتية لدولة ما. لعله من أحد أدوات عمل الدولة العميقة كي تحافظ على شبكات المصالح بداخلها، هو استخدام “العنف” في إطار حالات استثنائية خارج إطار القانون، وهو ما يعرف بحالة الاستثناء، والتي يتم فيها اتخاذ العديد من الاجراءات الأمنية، بدعوى الحفاظ على الأمن القومي من الخطر الخارجي..وأن هناك دائما عدو مترصد لابد من التأهب دائما لصده عن ما يشكله للدولة من تهديد، وفي إطار ذلك تقوم الدولة بقمع المعارضين، وكل من هم لا يشعرون بالرضا عن أداء الدولة بشكل عام، والسياسي بشكل خاص، ويكون الهدف هو إضفاء طابع قانوني على حالة الاستثناء. وليس بعيدا أن يتم استغلال المؤسسات الدينية، التي تسيطر عليها الدولة لتبرير تلك الاجراءات من الناحية الدينية، حتى يتم إضاء طابع “شرعي – ديني” على ممارسات الدوله اتجاه الشعوب .والدوله العميقه يتنفذ بهاأشخاص وأحزاب ولها نفوذ وسطوه عل عقول الناس من خلال الفكر الديني المتطرف او الحزبيه المتنفذه من خلال المال وقوة السلاح بحيث تتبع أجنده خاصه أما أن تخدم دول معينه او تخدم مصالحها لصالح أشخاص وأحزاب متسلطة عل فكر الشعوب وتغير مسارات المصلحه الوطنيه لصالح الدوله العميقه اي بحيث تمثل ماترمي لها من خلال الاختطاف والقتل وسياسة تكميم الأفواه وخلق الأزمات تماشيا مع مصالحها وأيدلوجيتها.

اليوم في العراق ليس امام القوى الاسلامية المحلية وحليفتها إيران سوى طريقين: إما حسم الصراع السياسي لصالح التحالف الشيعي وتأسيس دولة اسلامية بكل معنى من معاني هذه المقولة أو تشكيل قوى موازية للدولة القائمة أي بناء دولة داخل دولة كما هو حال الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان,وعندما يتحجج رئيس الوزراء حيدر العبادي بكلمة له في المدرسة العسكرية في المنطقة الخضراء، بأن سبب انفلات عيار المليشيات وتطاولاتهاهو انشغال الدولة بالحرب على داعش، فيعني ذلك ان حال حكومته الفاشلة لا يحسد عليه. ولا نقول هنا دولة فاشلة، لان الدولة وبالمعنى الضيق والحقوقي تعني حماية سلامة وامن المواطن هي غائبة كليا ولم تتأسس لحد هذه اللحظة منذ تدميرها على يد الاحتلال. لنعود الى الحكومة التي فشلت في كل شيء واخرها عندما وقفت عاجزة امام ميليشيات تابعة لحزب الله قبل ايام قليلة، عندما اردت شرطيا قتيلا بوابل من الرصاص وجرحت عددا اخرا من افراد الشرطة الى جانب عدد من المدنيين في احدى نقاط التفتيش في شارع فلسطين وسط مدينة بغداد. وكعادة العبادي اكتفى بتصريحات غير نارية ردا على نيران المليشيات التي اغلقت عدد من شوارع بغداد لساعات. جاءت هذه الاشتباكات بعد أكثر من عشرة ايام على انفجار مخزن للأسلحة والاعتدة في حسينية في مدينة الثورة، حيث ادت الى تدمير عشرات البيوت وقتل وجرح ما يقارب 90 شخصا من المدنيين، ليضاف الى تلك الحادثة المروعة جريمة اخرى من اعمال المليشيات وهي احراق صناديق الاقتراع في منطقة الرصافة، ناهيك عن تصاعد عمليات الخطف والسلب والقتل, بيد ان المشهد الهوليودي من أفلام المغامرات لا ينتهي هنا، بل يصرح الناطق باسم عصائب اهل الحق بأن جواب المليشيات على قرار المحكمة الاتحادية حول نتائج الانتخابات سيأتيكم بعد ساعات. اي اصبح استخدام مصطلح “المليشيات” رسميا ويتعامل به في الخطاب الاعلامي الرسمي، حاله حال “المكونات” و”الحراك” و”العابرة للطائفية” و”الكتلة التاريخية” و”الشلع القلع” و”الحكومة الوطنية الابوية”..الخ من المصطلحات والمقولات، التي ليست هي نتاج للتطور العلمي والتكنلوجي للمجتمعات كي تحتاجها وتدخلها الى اللغة المتداولة، بل هو نتاج الخراب والفوضى والدمار بما فيه الخراب الثقافي الذي اقحم تلك المصطلحات على اللغة المتداولة اليوم في العراق من يصدق ان العبادي او مقتدى الصدر قادران على نزع سلاح المليشيات وحلها فهو غارق في بحر الحماقة اكثر من الاوهام. فعندما يكون هناك تشرذم سياسي في صفوف شبكات الاسلام السياسي الشيعي المتصارعة على السلطة ويفشل بتأسيس الدولة، فلن يكون هناك طوق نجاة لهذه الشبكات سوى المليشيات وسلاحها..
ان عبارة “حصر السلاح بيد الدولة” تعني بالنسبة للأطراف خارج السلطة الحكومية حرمانها امام اطراف الحكومة من سلاحها وقوتها، وتعني تغيير توازن القوى لصالح شبكة من تلك الشبكات. ففي عراق اليوم، وفي خضم الصراع على السلطة والمدعوم اقليميا ودوليا، فلا مجال للحديث عن حصر السلاح بيد الدولة الا للاستهلاك الاعلامي وذر الرماد في العيون. فوجود المليشيات وقوتها وعبثها بأمن المجتمع وكل صولاتها وجولاتها تستند على الفوضى السياسية بالدرجة الاولى والصراع على السلطة السياسية.

التجربة اليمنية واللبنانية تعلمنا، ان قوة اقليمية مثل الجمهورية الاسلامية في ايران لن تستطع ازاحة منافسيها الاخرين من القوى الاقليمية الاخرى، بأحلال قوة قمعية موالية لها محل آلة الدول القديمة التي حصدت الاعتبار المعنوي والسياسي عبر تاريخها الحديث. فلا مجال هنا سوى استغلال حالة الفوضى والصراع على السلطة لتشكيل قوى ميليشياتية مسلحة اخرى كي تؤمن مصالحها القومية. اليوم في العراق، وكما اشرنا الى ذلك في اكثر من مناسبة ليس امام القوى الاسلامية المحلية وحليفتها الجمهورية الاسلامية في ايران سوى طريقين، اما حسم الصراع السياسي لصالح التحالف الشيعي وتأسيس دولة اسلامية بكل معنى من معاني هذه المقولة، او تشكيل قوى موازية للدولة القائمة اي بناء دولة داخل دولة كما هو حال الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وان التحالف الجديد بين العبادي والصدر بعد تحالف الاخير مع مليشيات الحشد الشعبي، يكشف في ثناياه ان الاسلام السياسي الشيعي يعيد تنظيم نفسه من اجل اعادة انتاجه للسلطة الطائفية والدخول في مرحلة جديدة من ادارة الازمة السياسية. فليس سيناريو تزوير الانتخابات بهذا الشكل الفاضح وبعد ذلك حرق صناديق الاقتراع ثم تصريح مقتدى الصدر بأنه يجب النزول عند رغبة الفائزين في الانتخابات، الا وصف لملامح المرحلة القادمة ,ان مشكلة العبادي والصدر مع المليشيات الاسلامية الاخرى ليس مرتبط بأمن الجماهير، بل اساسه الصراع على السلطة وتنفيذ اجندات سياسية مرتبطة بمصالح القوى الاقليمية. فالولايات المتحدة الامريكية والسعودية وتركيا يعملون عن طريق العبادي – الصدر من اجل لجم قوى المليشيات التابعة للجمهورية الاسلامية الايرانية، في حين تعمل الاخيرة عن طريق تلك المليشيات في تحجيم دور ونفوذ امريكا وحلفائها في العراق وفي المنطقة .هكذا انتهى عمر حكومة العبادي، فلا استطاع ان ينهي مرحلة تأسيس الدولة التي انهارت بشكل كلي على يد عصابات داعش في 10 حزيران 2014، ولا استطاع انهاء عمر عصابات داعش والى الابد، بل راح يلوح في كل مرة بخطر عودة داعش، ولا استطاع ان يقضي على الفساد الذي اعمى عيوننا به، ولا استطاع ان يوفر الحد الادنى من الخدمات. وعلى مراى عينيه ومسامعه نمت وترعرعت الى جانب مليشيات القوى الاسلامية، مليشيات وعصابات العشائر ايضا وعليه ليس بامكان الجماهير الفرار المليوني من العراق لان كل ابواب العالم اوصدت امام الهجرة والمهاجرين بسبب تغيير قوانين الهجرة وصراعات الانظمة الرأسمالية في الغرب، فاما انتظار الموت البطيء على يد الاسلام السياسي بحكومته وميليشياته او الدفاع عن النفس وهو حق مكفول ومشروع، حينها ليس للعبادي ولا الصدر الحق في ان يتحدثا عن حصر السلاح بيد الدولة.