يبدو أنّ قرار محكمة جنايات الرصافة رقم 1638 في 22 / 9 / 2014 , القاضي بإلغاء الحكم الصادر بحق المدان سنان محمد رضا الشبيبي محافظ البنك المركزي السابق وإلغاء التهم الموّجهة إليه لعدم كفاية الأدلة , قد تحوّل إلى قضية رأي عام , وسلّط الأضواء على نزاهة واستقلالية القضاء العراقي ودوره في بناء دولة القانون والمؤسسات , خصوصا بعد الطعن الذي تقدّم به البنك المركزي العراقي إلى محكمة استئناف الرصافة يوم الأحد 4 / 1 / 2015 , فقضية محافظ البنك المركزي السابق لم تعد محصورة بملف الفساد الأكبر والأخطر في تأريخ الدولة العراقية والحريق الهائل الذي استنزف أكثر من 60 مليار دولار , بل تعدّته لتسلّط الضوء على مسيرة القضاء العراقي واستقلاليته وما يشاع عن هيمنة السلطة التنفذية على قرارات هذا القضاء وخضوعه للمزايدات السياسية , فالأساس في الدعوة المقامة في القضاء حول محافظ البنك المركزي السابق سنان محمد رضا الشبيبي , هو تقرير اللجنة البرلمانية بالبرلمان السابق والتي تألفت من السيد نائب رئيس البرلمان وعضوية السادة رئيس اللجنة الاقتصادية ورئيس اللجنة المالية ( حيدر العبادي ) ورئيس ديوان الرقابة المالية , والتي أصدرت قرارها بالإجماع بتقصير المحافظ سنان محمد رضا الشبيبي ومستشاريه وإحالتهم للنزاهة والقضاء لدورهم بهدر المال العام .
والحقيقة أنّ الطعن الذي تقدّم به البنك المركزي العراقي قد عكس عمق الأزمة التي يمرّ بها القضاء العراقي بعد هذا القرار الذي تحوم حوله الشبهات من كل جانب , وهذه الشبهات جميعا تدور حول دور رئيس الوزراء في إصدار قرار الحكم ببراءة الشبيبي , وعلاقة هذا القرار بغلق ملف البنك المركزي العراقي وملفات الفساد الأخرى , وإذا ما ثبت أي دور لرئيس الوزراء في هذا القرار الذي شّكلّ تراجعا خطيرا في مسيرة القضاء العراقي واستقلاليته , فهذا يعني أنّ السلطة التنفيذية قد هيمّنت تماما على السلطة القضائية , وهذا مما سينعكس بشكل مباشر على دور القضاء في محاربة الفساد , فالطعن الذي تقدّم به البنك المركزي العراقي إلى محكمة استئناف الرصافة , قد حمل أكثر من علامة استفهام حول الدور المريب لرئيس الوزراء في استصدار هذا القرار الخطير , كما وعكس في الوقت نفسه تواطئ السلطة القضائية وخضوعها للاملاءات والمزايدات السياسية , فالقاضي ( جمعة عبد داود ) الذي حكم بسجن الشبيبي سبعة سنوات خلال شهر 9 من 2014 , عاد وحكم عليه بالبراءة في شهر 12 من 2014 , وبدون استدعاء الممثل القانوني للبنك المركزي , كما إنّ الأحكام التي صدرت بحق الآخرين من مساعدي الشبيبي وبنفس القضية , هي الأخرى لم تسقط عنهم , وهذا مما يؤكد أنّ قرار الحكم ببراءة الشبيبي كان قرار سياسيا بامتياز , إنّ استقلالية القضاء العراقي وحياديته هي اليوم على المحك , فإذا ما انهار هذا القضاء لا سامح الله , فإنّ الدولة العراقية ستنهار معه.