18 ديسمبر، 2024 7:58 ص

دور تدهور التعليم في انقراض النشاط المدرسي

دور تدهور التعليم في انقراض النشاط المدرسي

كثير منّا ينتقد شباب اليوم من حيث ضعف معلوماتهم العامة مع ندرة نشاطاتهم الثقافية ، وحتى ميلهم المتواضع للمذاكرة الأكاديمية ، ولكني لا ألقِ اللوم كله على الشباب ، وان كنت كنت لا التمس لهم عذرا في هذه السلبيات ، والسبب الرئيسي هو ميل الشباب الى تكنولوجيا الأتصالات المتوفرة وخصوصا موقع الفيس بوك ومواقع أخرى ، وأبتعادهم عن تكنولوجيا المعلومات المتوفرة هي الأخرى ، فجرفت الشباب بعيدا عن مسارهم الرصين ، وجعلتهم ينغمسون في الدردشة التي لا طائل منها ، وتبادل النكات ، والصور ، ومقاطع الفيديو بأشكالها كالأباحي والعنيف وحتى العنصري ، والنتيجة ، مضيعة للوقت ، وغسيل خطير للأدمغة ، دون اكتساب معلومة مفيدة تُذكر .
النشاط المدرسي هي اللبنة الأولى الرصينة والحقيقية والراسخة في اكتشاف المواهب الفنية والرياضية والعلمية ، ففي مدارسنا ، كان يا ما كان هناك درس اسمه (الرياضة) ، كنا نرتدي الملابس الرياضية خلالها ، ونمارس مختلف الالعاب ، وكان يا ما كان هناك درس (فنية) ، حصص من الصمت المريح ، لا يتخللها الا سحجات أقلامنا على ورق الرسم ، كانت هذه الدروس لا تقل جدّية عن أي درس علمي أخر ، وكان ياما كان هناك معارض فنية للرسم ، ونشاطات مسرحية ، وموسيقية ، كانت لدينا كوادر من المدرسين لا يدخرون وسعا في اكتشاف وتشجيع وتنمية وصقل المواهب وابرازها في المحافل التربوية ، كانت المنافسات ، خصوصا الرياضية منها مستعرة بين المدارس ، كنا نرتاد المخيمات الكشفية التي تعلم ما معنى العمل الجماعي ، والتقارب وتبادل الأفكار والأراء بعيدا عن أجواء الدراسة ، تعلمنا التقشف والألتصاق بالطبيعة وكيفية استثمار خيراتها ، واستراتيجية الحياة  بأقل الموارد ، تعلمنا كيفية مواجهة المصاعب ، تفتح لنا أفاقا للأستكشاف في مختلف البيئات والظروف ، انها المحك الحقيقي الأول لمعترك الحياة ، الدرجات الأولى في سُلّم الرجولة ، هنا تكمن أهمية هذه النشاطات ، والا ما كانت المخيمات الكشفية حركة عالمية .
الشباب الغض قابل للتكيف السهل اذا وجد كفا صادقة وأمينة تأخذ بيده وتربّت على كتفه ، فيشعر بالثقة ، وتُبعد عنه الخوف من الفشل والخطأ ، وسيتحول المدرّس في نظره من جلاد ، الى مَثَل أعلى ، للشباب طاقة يجب توجيهها وليس استنزافها أو تحويلها الى ظاهرة مدمرة ، طاقة تحتاج الى تنفيس بنّاء على هيئة انتاج ، بدلا من تراكمها فتولد الأنفجار وتنمّي العُقَد .
كم من موهبة دُفِنَت بسبب الاستخفاف والأهمال في حصص النشاط المدرسي الذي يعتري مدارسنا في أيامنا هذه ، كم من اساطين العلم والفن والرياضة والأدب ، لم يكن ليبرزوا الا من خلال النشاط المدرسي ، كم كنا سنقلل من المتسربين والمتسيبين الذين لا يروا من المدرسة الا جوا رهيبا رتيبا ، أعلم أن ثمة كوارث تهدد البلد ، وربما يرى البعض أن مقالي هذا ليس في محله ، لكني ارتأيت أن أضع اصبعي على بدايات جرح الشباب .