يلعب “الدنا” (DNA) دورا مهما في الكشف عن الجذورالوراثية للعديد من الأمراض ، ورغم الاعتقاد السائد لدى البعضأن الاكتشافات العلمية تحدث بشكل مفاجئ وعشوائي يؤديإلى تغيير مجرى التاريخ العلمي ، إلا إن الواقع يشير إلى أنتلك الاكتشافات عادة ما تستغرق سنوات من الجهود المضنيةالتي ربما تواجه الكثير من الإخفاقات قبل أن تكلل بالنجاحليحدث التقدم بشكل تدريجي ، ويعتبر إعلان العالمين ( فرانسيس واتسون ( و ( جيمز كريك ) عام 1953 عن اكتشافبنية الحمض النووي منقوص الأكسجين “دي أن أيه” نقطةتحول علمية هائلة ، إذ إنها أدت إلى تغيير فهمنا للحياة وكانتإيذانا ببدء حقبة جديدة لعلم الأحياء الحديث ، ولان هناك أنواعمن الأمراض تسببها العوامل الوراثية فان ذلك يستدعي دراسةكروماسومات وجينات الوالدين ، فالجينات هي أجزاءٌ صغيرةمن (DNA) تحمل معلوماتٍ لخصائص وملامح الكائن الحي ،مثل شكل الأذن أو لون العينين ، وتحمل المجموعات المختلفة منالجينات سماتٍ مختلفةً فهناك العديد من الجينات داخلالكروموسوم الواحد، وداخل نواة الخلية ينقسم ( الدي أن أيه )إلى ضفائر يطلق عليها اسم الكروموسومات أو الصبغيات ،ويختلف عدد الكروموسومات من كائن حين إلى آخر إذ يوجد46 كروموسوما داخل كل خلية من خلايا جسم الإنسان ، أماخلية الكائن البحري المعروف باسم سرطان ( حدوة الحصان )فتحتوي على عدد هائل من الكروموسومات يبلغ 208 ، و نصفالكروموسومات ييتم توارثها من الأم والنصف الآخر من الأب ،ويفسر ذلك سبب حمل الكائنات الحية لصفات وراثية من كلاالأبوين ، فطفل ما قد يكون له شعر أسود مثل أبيه وعينانزرقاوان مثل أمه بشكل تفصيلي.
وإذا أخذنا نماذج من الأمراض الوراثية فإن السرطان أصبحمن الأمراض القابلة للعلاج في العديد من أنواعه ، فهو مرضٌجيني (موروثي) حيث تستطيع التغييرات في الجينات أنتؤدي إلى نمو الخلايا وانقسامها بشكل خارج عن السيطرة ،وقد يكون لكل سرطانٍ مجموعة مميزة من الطفرات الجينية ، وقدتطرأ تغيرات جينية مختلفة حتى على الخلايا داخل الورمنفسه ، لذا فان تطبيق علم الأدوية الجيني في مجال السرطانقد يقدم فوائد رئيسية لتخصيص علاج السرطان وتقليصسمية العلاج وزيادة فعالية العلاج إلى أقصى حد ، وقديتضمن ذلك اختيار الأدوية التي تستهدف طفراتٍ معينةً داخلالخلايا السرطانية وتحديد المرضى المعرضين لخطر السميةالشديدة للدواء وتحديد العلاجات التي من المرجح أن يستفيدمنها المريض ، والعلاج بالجينات هو مقاربة طبية تسعى إلىمعالجة مرض ما أو الوقاية منه من خلال إصلاح خلل جيني ، وتسمح تقنيات العلاج بالجينات للأطباء بمعالجة بعضالأمراض من خلال تغيير التركيبة الجينية للمريض بدلا مناستخدام العقاقير أو الجراحة ، وتضمنت الطرائق الأولية لهذاالنوع من العلاج إضافةَ جينٍ جديد للخلية لمساعدتها فيمكافحة المرض ، أو إضافة نسخة غير معطوبة من جين ما تحلمحل النسخة المتحورة المعيبة المسببة للمرض ، وأدت الدراساتالتي أجريت لاحقا إلى تطوير تقنيات ذلك النوع من العلاجلتشمل ما يعرف بتعديل الجينوم ، وهي تقنية تشبه استخداممقص لقطع أل (دي أن أي) عند نقطة ما ، ثم يستطيع العلماءإزالة أو إضافة أو استبدال الحمض النووي عند تلك النقطة ،وعند مقارنة هذا النمط من العلاج الحديث بالأسلوب المعتادفان الأسلوب المعتاد لعلاج السرطان مثلا لم يكن ليتعدىاستخدام الأشعة و (الكوي) لقلل الخلايا السرطانية ، ذلكالعلاج الذي يسبب –في الوقت ذاته قتل خلايا حية أخرى فيحين إن العلاج الجيني يستهدف الخلايا الفعلية المسببةللسرطان .
وما تقدم عرض بمحاضرة تخصصية معمقة نوعية ألقيت من قبل الدكتورة بان عباس عبد المجيد التي حصلت على الدكتوراهمن جامعة بغداد في “علم الأمراض الجزيئي والوارثة“. وقدشغلت منصب معاون عميد كلية الطب في جامعة بغداد ورئيسةقسم الباثولوجي ، وهي استشارية في علم الأمراض الجزيئيوالوراثة الطبية وفي ذات الوقت تدير المختبر الريادي في بغداد، والمحاضرة تأتي ضمن جلسات مجلس الدكتور محمد جابرشعابث في الحلة بتاريخ 28 تشرين الثاني 2023 والمجلس أسس في الحلة في 2020 ) ، ويحضره مجموعة من متذوقيالأدب وعاشقي الثقافة من أعيان ومثقفي الحلة والمناطقالمجاورة وبغداد ، وقد كان توقيت المحاضرة متزامنا مع الاحتفاءالعالمي بجهود مكافحة سرطان الثدي في العالم والذي يعتبرتشرين الأول ( أكتوبر ) الشهر الذي يشهد النشاطات الصحيةوالاجتماعية في العالم تلك الأنشطة التي تولي الاهتمام الكبيرلعلاج مرض سرطان الثدي ، وقد حظي العرض المبسطللمحاضرة للأمور التخصصية المعقدة بذلك الأسلوب السلس ،وتلك الرسوم الإيضاحية استحسانا وإعجابا من قبل الحضورالذين عبروا عن تقديرهم لأهمية المعلومات التي عرضتهاالدكتورة المحاضرة ، وأشادوا بقدرتها العالية على ضرب الأمثلةالتي وظفتها في تبسيط المفاهيم الطبية وعرضها لنماذجمصورة من الأمثلة والمفاهيم ، وحين طلبت المحاضرة من روادالمجلس أن يسألوا كما يشاءون ويعقبوا بما يغني المحاضرةوالنقاش أعرب الحضور تعقيباتهم واستفسروا عن بعضالمفاهيم وطلبوا الاستزادة منها ، وقد أجابت المحاضرة عنجميع الاستفسارات وشكرتهم على الإضافات وطيب الاستماعوالمناقشة ، بعدها تقدم الدكتور محمد جابر شعابث بجزيلشكره وعظيم امتنانه للدكتورة وللحضور على مساهمتهم وثراءنقاشاتهم ، مشيدا لذلك العطاء المميز للمحاضرة وهي تمثل أنموذجا رائعا للمرأة العراقية الثرية بالمعرفة والعلم والتطبيق .