لقد تنامي دور وتأثير المنظمات والاتحادات النسوية في المجتمع تناميا ملحوظا في تاريخنا المعاصر لحقيقة ممارسة هذه المنظمات والاتحادات النسوية دورها الايجابي الفعال؛ بعد إن أصبحت وجودها ضرورة مجتمعية وعلى مستوى الوطني والقومي والإنساني لجميع دول العالم، وبعد إن دخلت (المرأة) ميادين العمل والكفاح والنضال؛ اثر نيلها حريتها ومكانتها الاجتماعية السليمة وقيمتها الإنسانية؛ مما أضاف إلى شخصيتها كأم.. وأخت.. وحبية.. ورفيقة درب.. رفعة وسموا ليعزز دورها مكانة رفيعة مع أخيها الرجل في بناء الوطن ونهضته في كل دول العالم الحر، ولهذا فهي حاضرة ومتواجدة مع أية خطوة تقوم الدولة في إصدار التشريعات مجتمعية سواء كانت عامة أو بما يخص (المرأة)؛ لإنصافها ولتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع، ولهذا سعت (المرأة) إلى مواكبة كل أنشطة الحياة في المجتمع فكريا.. وسياسيا.. واجتماعيا.. واقتصاديا؛ لتعزيز دورها من جهة؛ ومن جهة أخرى؛ لتخلق أفاق التطور في كل مجالات العمل وتساهم فيه كعنصر فعال لتطوير قدرات العمل الإنتاجي والإبداعي في المجتمع؛ بما يمهد لها إن تتبوأ مراكز هامه في مؤسسات الدولة، وهذه المكانة التي حققتها (المرأة) خلق مناخا صحيا لقضية (المرأة) لأخذ دورها ومكانتها السليمة في المجتمع عبر كافحها بالعمل وناضلها على إزالة القيود والقيم المتخلفة التي تمنع تطورها، لتساهم بفعالية في كافة أنشطة الحياة الاجتماعية.. والثقافية.. والسياسية.. والاقتصادية في الدولة؛ لتكفل حماية الدولة لتطلعاتها وليتيح لها مساهمة في صياغة القوانين والتشريعات تعمل على إزالة الفوارق الاجتماعية والطبقات في المجتمع؛ بما يساهم ذلك في خلق نظرية متكافئة لنمو مجتمعي لأحداث تغيرات أساسية وجوهرية في المفاهيم والأعراف البالية والآراء الخاطئة سواء باتجاه قضايا (المرأة) أو قضايا مجتمعية؛ بما يواكب الأفكار التنويرية والمعاصرة؛ والعمل على تسليط الضوء على هذه النواحي وتكريس مفاهيمها من خلال وسائل الإعلام أو أنشطة (التربية) و(التعليم) من اجل إحداث تغير في عقلية الإنسان وبث التوعية المعرفية المجتمعية واسعة النطاق بهدف تحقيق تنمية مجتمعية شاملة لتعزيز من دور ومكانة (المرأة) ودفعها بما يعزز من قدراتها التنموية على كل الأصعدة؛ وعدم الاكتفاء بإعطائها دور رمزيا وهامشيا في أي مسعى تتجه مؤوسسات المجتمع لبناء صرحها الحضاري، ليكون لمشاركتها وبناء حضارة المجتمع والدولة المعاصرة؛ دورا فعالا وكاملا ومكمل ومؤثرا لما يسعى إليه شريكها في الحياة من حيث بذل أقصى درجات العطاء والتضحية والعمل والتعليم ليس لتطوير مؤوسسات المجتمع بل لتطوير واقع وجودها في مؤوسسة العائلة والأسرة؛ بهدف إن لا يكون أي تعطيل لجهدها وعملها وتعليمها، بل لكي يتوازى وجودها في إنسانية الإنسان كإنسانة لها حريتها وكيانها كحرية (الرجل) وكيانه، ليتم مساواتها وإنصافها في المجتمع دون تهميش وإقصاء؛ فيتم تمثيلها في مؤسسات السياسية.. والثقافية.. والاجتماعية.. والتربوية.. وقيادات الحزبية.. وهيئات القضاء.. والرقابة.. والتشريع.. و التنفيذ، لتمكينها وتحفيزها للوصول إلى مراكز القرار في قيادة الدولة أو قيادة الأحزاب، بما في ذلك حقها في الترشيح والانتخاب؛ ليتم أزلة العقبات من طريق تحررها وتقليد المناصب الوزارية والأمنية والعسكرية والدبلوماسية؛ بما يمهد لها المجتمع حماية وتامين كل حقوق (المرأة) و(الأسرة)، بعد إن يتم تنظيم قانون (الأحوال المدنية) بما يتناسب تطلعاتها كامرأة ناشطة في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل؛ ويصون مصلحتها ودورها في تنشئة الأسرة وإنصافها في حالات الطلاق والحضانة والتعويض وحق التملك، ليتم ارتقاء بـ(المرأة) إلى كل مستويات وبما لا ينقص من شانها على مستوى الوعي والفكر والإدراك والإبداع باعتبارها جزاءا محوريا من ثقافة المجتمع وحيويته وتمكينه، باعتبار (قضية المرأة) ليست ماطرة في حدود حريتهما وحقوقها؛ بقدر ما تكون قضية (المرأة) قضية جوهرية و وطنية تحضي باهتمام كل مؤوسسات الدولة السيادية من (الرئاسية.. والتشريعية.. والتنفيذية)، ويعطى لها أولويات من اجل تعزيز مكانة الدولة في المجتمعات المتحضرة، لان (لا تحضر بدون تحضر المرأة)، ومن اجل تأكيد دورها في مشاركة المنظمات الإنسانية في تطلعاتها من اجل تنمية قدرات الإنسان التنموية فكريا.. وثقافيا.. وسياسيا.. واجتماعيا.. واقتصادية من اجل تأكيد الدولة دورها في بناء الحضارة الإنسانية الزاهرة .
لان في الفهم العام للحضارة، عبر التاريخ، يتضح لنا بان (المرأة) ساهمت مساهمة فعالة وناضلت وكافحت بكل ما أتيح لها من عمل ونشاط دءوب من اجل تطوير قدراتها وإزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في رسم القرارات؛ ولهذا فهي واصلت وتواصل عملها النضالي ليس فحسب في أنشطة المنظمات والاتحادات النسوية، بل منذ البدا الخليقة والى يومنا هذا، لتكون على طول الخط معطاءة لا تكل ولا تمل؛ كأم.. وأخت.. وزوجه وابنة عزيزة، فنضالها لا يقتصر بمساهماتها الفعالة في الأنشطة السياسية.. والثقافية.. والاجتماعية.. والسياسية.. والاقتصادية فحسب بل عطائها وقف في مقدمة وجود الحياة بالتنشئة والتربية التي بني (الرجل) مقومات وجوده عليها، فهي من صنعت شهامة الرجولة ونضاله، وكل إمكانيته الفكرية.. والسياسية.. والاجتماعية.. والثقافية.. والاقتصادية.. والأمنية.. والعسكرية، لان من (مصنع المرأة) خرج إنتاج العالم؛ بما صنعته وبما أعدته وبنته وقدمته وأخرجته للمجتمع وهو على قسط كبير من التقدم والازدهار ومن تكامل ثقافي ومعرفي .
وان ايجابياتها وإسهاماتها في صناعة الإنسان وبناء الحضارة، لا يمن حصره، بنقاط هنا أو هناك، ومن هنا فان لا تكامل ولا تنمية في إي قطاع من قطاعات الدولة دون مشاركة (المرأة)، ومن مشاركتها فان أي عمل تكون فيه حاضرة بقوة نشاطها وكفاحها ونضالها لا محال سيكلل بالنجاح بما يحقق أوسع مجال لتنمية والازدهار لدولة والمجتمع .
ومن هنا فان ليس هناك من احد ينكر ما قدمته (المرأة) على مر التاريخ وما فعلته على كل أصعدة الحياة من اجل إثبات وجودها في المجتمع ورفضها التهميش والإقصاء، وكما كان دورها في ذلك عظيما، فان أعظمه يكمن في مسؤوليتها الحفاظ على ما أنجزته خلال مسيرة نضالها الطويل، وهو يتطلب إلى مزيد من الحضور؛ لان الحقوق تؤخذ ولا ننتظر من يمنحها لها على طبق من ذهب، لان مسيرة الكفاح يجب إن تتواصل بالعمل.. والتضحية.. والإخلاص.. والفداء؛ لان الرحلة الكفاح والنضال لا تقبل أي تهاون و تراجع وتراخي، لان الحضور والحراك النسوي عبر أنشطة المنظمات والاتحادات النسوية هو ما يثبت ركائز عملها ونضالها وكفاحها ووجودها وإرادتها ويحفظ تاريخها النضالي لها نحو التغير والبناء والازدهار وتحسين أوضاعها وأوضاع المجتمع وتحقيق المساواة بين الجنسين، فتواصل الانخراط والعمل في كل مؤسسات الدولة ومطالبتها الدائمة لتحسين أوضاعها مطلوب مجتمعيا، لتكون متواجدة في سدة القرارات الرئيسية للدولة الذي هو من يضمن حضورها وحقوقها، وخاصة إذ أدركنا في هذه المرحلة التي تمر بها بلداننا الشرقية من تنامي دور التيارات (الأصولية) الدينية المتطرفة التي أخذت تظهر- للأسف – على ساحتنا العربية، والتي تحاول إبعاد (المرأة) وتحجيم دورها ودور المنظمات والاتحادات النسوية من كل أنشطة الحياة الثقافية.. والاجتماعية.. والسياسية.. والاقتصادية.. والتربوية.. والتعليمية، ليتم حجرها خلف أسوار المنزل وخلف البرقع والنقاب، ليمنع اختلاطها في مؤسسات المجتمع باعتبار مكانتها الحقيقية – حسب أفكارهم – هو البيت، فيحجر عليها ويمنع اختلاطهن في المجتمع باعتبارهن (حريم)، وهذه المفاهيم التي تتبنها التيارات الرجعية (الأصولية) وفق فتأوي بعيدة عن قيم الدين وروحه، ليرجعوا بالمؤسسات المدنية إلى مرحلة التخلف والانحطاط والعبودية، والتي أخذت هذه الأفكار (الأصولية) بفعل دعمها من قبل منظمات إرهابية مسلحة تمارس القتل بأبشع صوره من اجل فرض إرادتهم على المجمعات التي تزحف نحوهم، وخاصة في المناطق البعيدة من مراكز المدن، وهذه الأفكار لم تكن أصلا موجودة في المجتمع الإسلامي إثناء انتشار الدعوة الإسلامية، بقدر ما ارتبط مفاهيم هذه التيارات (الأصولية) الرجعية الراهنة بأفكار مرحلة الانحطاط والتخلف التي وجدت في فترة (العهد العثماني – التركي) وهيمنته على المنطقة آنذاك، وبما خلفه الاحتلال (المغول) اثر اجتياحه لمدينة (بغداد)، حيث انتشرت التيارات الفكرية الدينية المتطرفة؛ والتي كان لها وقعا سلبيا ليس على مستوى حياة (المرأة) الاجتماعية بل على مستوى حياة المجتمع في عموم منطقتنا العربية، ولكن في مطلع قرن العشرين وبظهور النهضة العربية وحركات التحرر العربي وتحرير أغلبية بلداننا العربية من الهيمنة العثمانية والاستعمار الغربي تم القضاء على تلك الأفكار الرجعية، لتعود (المرأة) تواكب تطلعات شعوبها في النهضة والكفاح والتحرر، لتنهض بواقعها مجددا وبشكل ملفت في كل الأقطار العربية، ولكن عودة التيارات (الأصولية) الرجعية في عصرنا الحاضر والتي جاءت نتيجة حالة الفوضى التي عمت منطقتنا نتيجة عودة الاستعمار إليها مجددا باحتلال (العراق) عام 2003 من قبل أمريكا والقوات المتحالفة معها، ونتيجة لاختلاط الأوراق السياسية وتداخل المصالح خلف أوضاع شاذة في طبيعة الحياة في عموم بلدان الشرق الأوسطية، وهو ما خلف وضعا مأساويا (للمرأة)، وخاصة في الوقت الراهن، بما لعبت هذه التيارات المتطرفة من دور سلبي في إضعاف مساهمة (المرأة) في الحياة السياسية.. والاجتماعية.. والثقافية.. الاقتصادية، وما زال تأثير هذا الواقع قائم على (المرأة) في كثير من مناطقنا الشرقية رغم تحرير الكثير من المناطق العربية التي وقعت تحت احتلال هذه التيارات الأصولي المتطرفة في (العراق) و(سوريا)، حيث ما تزال (المرأة) تعاني من مخلفات هذه المرحلة من العبودية والسبي والاستعباد والاستغلال الجنسي .
ومن هذه المعطيات الخطيرة وانتشار النظرة المتخلفة باتجاه (المرأة)، بما يراد تحجيم دورها في الحياة ليفرض عليها العبودية وليتم حجرها بين جدران المنزل، بات أمر التحدي والنضال ضد هذه الأفكار الرجعية مطلبا لا يحصر إطاره عبر أنشطة المنظمات والاتحادات النسوية فحسب؛ بقدر ما يتطلب مواجهة مجتمعية عامة وشاملة وعلى مستوى منظمات دولية وحكوماتها لاستئصال منابع الأفكار (الأصولية) المتطرفة من ارض الواقع وتجفيف منابعها في كل المجتمعات، بعد إن لعبت هذه الأفكار المتطرفة دورا سلبا في عرقلة نمو وتطور المجتمعات ومواكبة التطور والتحضر؛ والتي أدت إلى تقيد الحريات في المجتمع وتقويض فرص التعبير الديمقراطي الحر وتقليص دورها في مؤوسسات المجتمع المدني والدولة، وهو الأمر الذي ترك مؤشرات خطيرة توحي بتراجع خطير في دور (المرأة) وأنشطة المنظمات والاتحادات النسوية في مؤسسات الدولة؛ بعد إن وهنت قوة الدول في منطقتنا وأصبحت قوة المتطرفين في كثير من مواقع تفوق قدرة الدولة، وهذا ما ترتب عنه إهمال وتقصير وعدم الاهتمام بدعم مؤسسات (التربية) و(التعليم) والتي أدت إلى انتشار (الأمية) وارتفاع معدلات (الفقر) في مجتمعاتنا الشرقية، وكلها تركت واقعا سلبا على ثقافة المجتمع .
ومن هنا لابد من العمل الجاد (مجتمعيا) لإزالة الآثار السلبية التي تركتها الأفكار (الأصولية) في وعي وثقافة المجتمع، وان يبدأ بالمواجهة ثورية ونضالية لكي يتحمل مسؤولياته التاريخية لتوعية الجماهير من مخاطر الانزلاق نحو التخلف والرجعية، لذلك يتطلب بذل مزيد من الجهد والسعي الدءوب من حملة توعية وتربوية شاملة؛ وتصدي للقوى المتطرفة بتعزيز دور المؤسسات (العسكرية) و(الأمنية) لحماية مؤسسات الدولة؛ لكي لا تصبح اضعف من قوة الإرهاب، وليتم نشر الوعي الثقافي والسياسي والأخلاقي بين صفوف الجماهير والتركيز على المنابر الإعلامية لتوعية المجتمع سياسيا.. وثقافيا.. واجتماعيا.. واقتصاديا.. والدفاع عن حقوق المواطنين والمجتمع دون تميز، ليتم المساهمة الجادة والفعالة في إحداث التغير الشامل في المفاهيم المجتمعية التي لوثتها الفصائل الإرهابية المدعومة بالفكر (الأصولي) المتطرف، ليتم خلق منظومة فكرية إنسانية النزعة والاتجاه بين أفراد المجتمع، ليكونوا على بينة بما لهم وما عليهم من حقوق وواجبات اجتماعية وسياسية واقتصادية، والربط بين قضايا حقوق المجتمع الحر وحقوق المرأة وتحررها؛ وبناء منظومة من قيم وأفكار تحررية ليتم إحداث تغيير اجتماعي.. واقتصادي.. وسياسي.. وفكري.. وثقافي، يحقق للمجتمع حريته واستقلاله وللمرأة مساواتها الحقيقية، ويحفزها للمشاركة في رسم قرارات الدولة في مراكز السلطات الرئاسية، ليكون لدورها دعما إضافيا لتطور المجتمع على كافة أصعدة الحياة، الثقافية.. والاجتماعية.. والسياسية.. والاقتصادية .