23 ديسمبر، 2024 11:41 ص

دور المثقف في التغيير السياسي

دور المثقف في التغيير السياسي

للمثقف دور متميز في الحياة العامة والحياة السياسية ويلعب دور مهم في اسلوب التفكير في العمل السياسي  وفي المزاج الشعب . وبهذه الاهمية ركزت عليه عهود الطغيان والاستبداد في جلبه الى صفها ليكون داعية وناطق باسمها والمدافع الامين عنها . والحقبة الدكتاتورية المنصرمة تعطينا امثلة ساطعة في تعاملها مع المثقف واصحاب القلم , ومحاولة ارتباطه بها ليكون صوتا معبرا من وسائل الاعلام والوسائل الثقافية الاخرى من خلال اسلوب  ( الترهيب والتغريب ) . لقد
رفض الكثير من اصحاب القلم والفكرالحي  هذا النهج الارهابي , فكان مصيرهم القمع والارهاب والسجن والمحاربة في الرزق اليومي وتكميم الافواه والتشرد والتغرب عن الوطن . لان الحقبة الدكتاتورية تعتقد بشكل قاطع اهمية الاعلام ودوره في الحياة ويعتبر من مرتكزات بقائها واستمرارها في عرش الطغيان هو الاهتمام بالجانب الاعلام الذي يزيف الواقع المرير بالنفاق والخداع ,وتبيض صورة النظام وقائده الاوحد رغم استخدام العنف اللانساني واهدار ثروات البلاد بحروب مجنونة . وشراء الذمم في الداخل والخارج , لتغطية على جروح الشعب العميقة … وبعد سقوط الدكتاتورية ظن الكثير بان العراق سيدخل رحاب الحرية ويسجل شهادة وفاة للمعاناة والمصاعب التي تجرعها كالعلقم من النظام المقبور وينطلق صوب الحرية والحياة الكريمة ويمزق الواقع المر .. لكن هذا الحلم اصبح بعيد المنال وصعب الانجاز والتحقيق , اذ نفس اسلوب النظام البغيض ( الترهيب والترغيب ) يتصدر المشهد السياسي , ونفس معاناة المواطن وتفاقم
الازمات وانعدام تقديم الخدمات الضرورية في الحياة اليومية , بسبب ان النخب السياسية المتنفذة تقوقعت واصبحت اسيرة في بشاطها السياسي بالعقلية الطائفية والتفكير الحزبي الضيق الذي جلب الخراب السياسي والفساد المالي , والعجز الفادح والفشل الواضح في ادارة شؤون البلاد . واقتصر هم الكتل السياسية التي تتحكم بالقرار السياسي على التناحر والتطاحن على الحصول على اكبر حصة في اقتسام الغنائم والمنافع الذاتية والمالية , وادخلوا العراق في ازمة سياسية
طاحنة تجر بتبعياتها على الواقع المرير وتزيد من الجراحات العميقة التي انتجتها الحقبة المظلمة . اذ تسيد المشهد السياسي حفنة من السياسين  لا يهمهم سوى منافعهم الذاتية والمالية وقوقعتهم في دائرة بريق السلطة والنفوذ , وتركوا المواطن بدون معين او سند  ليغرق في بحر الازمات .. ان هذا الواقع المرير والاليم يحتم على اصحاب القلم الحر واصحاب الفكر النير , بالقيام بنقلة نوعية من اجل انقاذ الغريق ( المواطن ) من الغرق ومن براثن الواقع المزري
في وضع الحقائق في نصابها العادل دون تزيف . وتمزيق القيم التي تساوي بين الاخضر واليابس , ووضع حد لفوضى السياسية التي تهدد الواقع السياسي الهش . لقد تعرت النخب السياسية وتجلت حقيقتها ولم يعد ينفعها ارتدى ثوب الاصلاح المتهري والمزيف بالوعود الكاذبة ولم يعد ممكن استمرار في خداعها ونفاقها وبفعل اعمالهم الشنيعة تحول العراق الى بلد فقير يعاني الجوع والحرمان رغم ان العراق يسكن فوق بحر من البترول . لكن يفتقد الايدي النزيهة والمخلصة والتي تشعر بعذابات المواطن .. يفتقد الى الكوادر والعناصر ذات الخبرة والكفاءة والقدرة على تحمل الصعاب بتحويل هذه الخيرات الوفيرة الى الصالح العام والمنفعة العامة .. لكن كيف ؟ وباي اسلوب وطريقة ؟ ومن  يستطيع ان ينقذ العراق ومواطنيه من المأزق المرعب ؟ ويحوله الى بلد ينعم بالخيرات والاستقرار السياسي والامني ؟.. ان تجارب الشعوب المكافحة في سبيل الحرية هي دروس دامغة  لايجاد مخرج للطريق المسدود والخلاص من الازمة الطاحنة , ومن هذه التجارب تجربة اليونان في ظل الدكتاتورية العسكرية التي جاءت في عام ( 1967 ) وسيطرت على مرافق الدولة الحيوية رغم الرفض الشعبي العام .. وقد لعب المثقفون دور بارز في هذا الرفض والاحتجاجات الشعبية , ومنهم الشاعر اليوناني المشهور عالميا ( يانس رتسوس ) في قصائده الثورية ومن ابرزها قصيدة بعنون ( ايها الاغريقي لا تبكي ) وكلمة ( الاغريقي ) يعتبرها الشعب اليوناني من اولى المقدسات , لكن استطاع هذا الشاعر المبدع ان يتغلغل في قلوب وعقول اليونانين ويستغل الحب المقدس للاغريق القدماء , وقد لحن هذه القصيدة الرائعة في اغنية مبدعة على يد الموسيقار اليوناني المشهور عالميا( ميكي ثوثوراكي )فزادت حدة
الاحتجاجات والغضب الشعبي وتوج بانتفاضة طلبة  كلية الهندسة ثم اشتد سعيرها الى باقي التجمعات العمالية والطلابية في انتفاضة عارمة وملتهبة ولم تطول شهرين او ثلاثة حتى اضطرت السلطة العسكرية ان تتنازل عن الحكم لكن الغضب الشعبي كان يطالب بتقديم العسكر الى المحاكم العسكرية بتهمة الخيانة العظمى وتحقق مطلبهم وتوج انتصار الشعب … اما في الواقع العراقي المرير , فان مليون قصيدة  . مليون اغنية ثورية . مليون مقالة تفضح الفساد المالي والسياسي . فلن يجد نفعا اوصدى او غضب شعبي . كأنك تضرب في حجر لا حياة فيه . اية غشاوة او غشاء يحجب الرؤية والتفكير المواطن بان يطالب بحقه المشروع ويمزق الواقع المرير  ويعلو صوته بالمطالبة بحقه في الحياة الكريمة التي تضمن وتصون كرامته وانسايته تحت شمس العراق
مع هذه المقالة رابط الاغنية الثورية الرائعة .. ايها الاغريقي لا تبكي .
http://www.youtube.com/watch?v=vZjtDRVJwdI