اولا – قبل أن نخوض بصلب الموضوع و نكشف أسراره علينا ان نتناول بعض الجوانب المهمة و التي لها صلة بمستقبل العراق ، لانه ليس المهم ان يمر العراق بفترة ازدهار و انتعاش لفترة قد تصل الى ثمانية سنوات قادمة في ظل قيادة سديدة تتمثل بالدكتور اياد علاوي ، كما انه ليس المهم مقابل ذلك ان يمر العراق بسنوات هالكة مهلكة و أياما عصيبة مظلمة و فترات عجاف تحت تسلط قيادة حزب الدعوة الغاشمة متمثلة بزعيمها الاوحد نوري المالكي ، إن قراءة العراقيين للتاريخ كانت على إمتداد الحقب هي قراءة خاطئة و أخص بالعراقيين مفكريهم و نوابغهم و من يتصدون للقرار والمسؤولية و من بايديهم الحل و العقد و ليس عامة الشعب الذين نجدهم على الغالب مرتهنين بنزعات من هو صاحب التاثير العاطفي و الديني و العشائري و الاجتماعي عليهم و في النتيجة نجدهم لاحول لهم و لا طول ، ان تاريخ العراق يزخر بالمآسي و الفترات الحالكة الظلام و على مدى قرون طوال قد تتجاوز الألف عام ، بحيث لم تبقى دولة صغيرة كانت أم كبيرة .. قوية كانت أم ضعيفة إلاّ و كان لها نصيبا في احتلال العراق و تكريس وجودها و نفوذها و افكارها و تطلعاتها الى الحد الذي تترك بقايا من آثارها في ضمير و نفوس الشعب العراقي و في كل زوايا من زواياه .. في لغته وتقاليده و مضامين قناعاته ، و لم تكتف بكل ذلك بل تبقى تشرأب أعناقها و يسيل لعابها و هي تنتظر فاغرة فمها متربصة بالعراق تتصيد به الدوائر حتى بعد ازاحتها من هيمنتها على العراق عند إكتساحها من قبل قوة محتلة اخرى أقوى منها ، فلم تتورع يوماً او لحظة ما ان تحيك الدسائس او تخلق الفتن و المؤامرات و العمل على الاساءة لهذا البلد الضائع تحت أقدام نفوذهم و مكائدهم بكل ما اُوتوا من قوة ، ان الذي مر ّ به العراق في عهد نوري المالكي لم يقل بشاعة عن الايام القاهرة زمن صدام حسين ، و حتى لا نبخس الناس أشياءهم فان صداماً كانت له الايجابيات و له السلبيات
و بصرف النظر عن رجاحة سلبياته على ايجابياته او العكس ، نجد بالمقابل ان نوري المالكي لم تكن له أية ايجابية تُذكر على الاطلاق ، بينما نرى أن صداماً وقف ضد الجميع بما فيهم أعدائه و اصدقائه و عاملهم بمنتهى المساواة و ليت المالكي إكتفى بهذا القدر و عمل على شاكلة صدام ، إنما فاقهُ تعنتا و غطرسة و ظلماً و تجبراً و أنانية حينما أبعد الاخيار و قرّب الاشرار ، أبعد الكفاءات و قرّب الموتورين الضالعين بالفشل و الفساد على حساب مصلحة العباد و البلاد و من اجل إشباع نزواته المريضة و تطلعاته التسلطية مما أوصل العراق الى حافة الهاوية و فوق كل ذلك
فانه يزداد إصراراً و تعنتاً على تكريس هذا الواقع المزري و الاستمرار به ، و في هذا السياق ليس المهم ان نأتي على سيرة صدام او المالكي لان موضوعنا هو أعم و أعمق و هدفه كبير و هو يبحث عن الحقيقة من مظانّها و لكن مع ذلك كانت تلك اشارة عاجلة لتسليط الضوء و للتذكير فحسب سيّما و نحن نعيش أياماً مؤلمة و حائرة في ظل تعسف زمرة المالكي و أذنابه ، نرجع و نقول ان الظلم و الاستباحة التي حلّت بالعراق في تاريخة الطويل لربما فاقت الوصف خصوصا وانها حاولت محو هويته الوطنية لمرات عديدة و جثمت على رقاب أبنائه سنين مديدة ، و لربما فاقت ظلم وجبروت صداماً و
نوري المالكي ، ان تاكيد العراقيين على ظلم يزيد لموقفه من الامام الحسين و اهل بيت النبوة هو لا يخلو من إلتباس لانهم يتناسون ظلم التتار و المغول و هولاكو و كافة الاحتلالات السابقة و اللاحقة التي ازهقت ارواح ابنائه و دمرت كل شيء وطأته أقدامهم و التي فاقت ما قام به يزيد خصوصا اذا عرفنا إقامة يزيد لدولة حديثة فاعلة في كل مؤسساتها و انظمتها و التي كان لها دورا هاما و مساهما في النهضة العربية الاسلامية و جزءا من حضارة العرب ، ان الفترة التي حكم بها يزيد او من خلَف يزيد و بالرغم من الثورات و الانتفاضات ضد حكمه لكنها لم تكلف العراقيين في
أرواحهم بقدر ما يكلف وجود برنامج نوري المالكي و حزبه الاجرامي ارواح الآلاف من ابنائه حتى ان معدل ما تحصده آلة الارهاب في ظل حكمه يتجاوز معدله الألف عراقي في كل شهر ، و الجدير بالذكر ان نأتي على ما يُنقل عن اليهود و لانهم أقلية في العالم فانهم تعرّضوا الى مذابح و تقتيل و تهجير من اوطانهم و لكن مع ذلك فان اليأس لم يدب في نفوسهم و لهذا عمَد كبار حاخاماتهم على رسم الخطط اللازمة لحمايتهم بل جعْلهم أسياداً للعالم و هذا ما حصل اليوم و لم يأتي ذلك من فراغ انما جاء وفق رؤية و تخطيط عملوا من خلاله على تشكيل المؤسسات و الجمعيات و الحركات التي
تضمن سلامة مستقبل ابنائهم و كانت الماسونية في طليعة تلك الحركات التي جنّدوا لها كل الذين يحضون بالتاثير في مجتمعاتهم و كان ذلك قبيل فترة طويلة من الزمن و عملوا ذلك وفق خطة بعيدة المدى و منظور شامل يستوعب كل المخاطر المحتملة و قد يَعزي البعض بان ذلك كان في زمن ما يسمى بالسبي البابلي لليهود ايام حكم نبوخذنصر ،
ثانيا – و في المقابل فاننا لا نزال نرجع القهقري و نُعبّر عن ضعفنا و هشاشتنا بانتظار (المُخَلِص) بالرغم من تحول أحوالنا من السيء الى الاكثر سوءا دون وجود بريق أمل او بارقة ضوء في نهاية النفق الذي نحن فيه ، و لم نُحرك ساكنا و لم نُعمِل تفكيرنا بالشكل الصحيح ، باقين متفرجين امام من ينتهش أشلاءنا و أشلاء اطفالنا ، و نبقى نُقبل ايادي من زرعتهم الايادي الخفية زرعا في بلادنا و أسبغوا عليهم هالة من القدسية ، زرعوهم ليس حباً بنا و ليس لكفاءتهم و قدراتهم الباهرة و لو كان كذلك لأبقوهم في بلادهم و كأنهم مسمار جحا في نعش عراقنا بل أكثر إيلاما ،
زرعوهم في قلب عراقنا لنبقى تحت طائلة تأثير و نفوذ هذه الدول من خلال هذه العناصر المتلبسة بلبوس الدين و التقوى ، زرعوهم و هم يجنون ثمار افعالهم من غير جهد و لا ثمن و لاحاجة لتدّخل جيوشا ، يجوع أطفالنا من أجل اشباعهم و يفتقر العراقيون من أجل ملء جيوبهم و ليستثمروا خيرات بلدنا في مشاريع تعمُ بالخير داخل اوطانهم الاصلية ليبقى العراق معاقاً مسلوب الارادة مكبل اليدين معتلاً هزيلاً و قد أوهموا العراقيين بأن عليهم السمع و الطاعة لهم و عدم الاعتراض على آرائهم او افكارهم او أوامرهم لان لهم القدسية (ولا نعرف من أين يستمدونها !!!) ، و من حقنا
ان نسأل هل بامكان هذه الدول ان تمنحنا علماءاً في الطاقة او الذرة او في العلوم الانسانية النافعة و تتركهم في بلادنا ننتفع منهم ، و يكون الجواب بالتأكيد كلا و ألف كلا ، اذن فان العقل و المنطق يقول لو ان لهؤلاء الموجودين في النجف منفعة لأبقوهم في بلادهم و بخلوا بهم علينا .
خلاصة ذلك ليس المهم ان ياتي اياد علاوي ليعيش العراق إنْ قُدِر له ذلك في كنف حكمه معززاً مكرماً و ليس المهم ان ياتي مرة اخرى المالكي ليُديم الظلم و التخلف و القتل و الدمار ، لكن المهم هو كيف يستمر الوضع الصحيح بعد انتهاء فترة حكم اياد علاوي و تستمر العجلة تسير بهذا البلد ليتخطى محنته و آلالامه ، متى يستفيد العراق من تجربته الأليمة ايام حكم صدام ، لكن للاسف يبدوا ان العراقيون إعتادوا على الضيم و القهر و الركوع لنزوات الاشخاص و لهذا انتقلوا من كنف صدام الدموي الى كنف المالكي الاكثر دموية ، ليبقى العراق غارقاً في محنته ، ان العقل والضمير يُملي على العراقيين ان يُعيدوا النظر في تاريخهم و ان يُعيدوا تشخيص الاسباب التي أوصلتهم الى ما وصلوا اليه ليضعوا الحلول الجذرية لها مع دراسة جميع عوامل النجاح التي تجعل من المسيرة الصحيحة تستمر دون عثرات و توقف و بتصاعد .. و تمنع التسلط و الظلم من ديمومته او تكراره كما تكرر على طول التاريخ في العراق خلافا لباقي الامم التي استفادت من التجارب السابقة لها مهما كانت قاسية و عليه نقول متى ينهض العراقيون من كبوتهم و متى يصحوا من براثن تخلفهم و اوهامهم .