دور القادة العسكريين في إدارة الإعلام أثناء الأزمات والمعارك

دور القادة العسكريين في إدارة الإعلام أثناء الأزمات والمعارك

عام ٢٠٠٩، أخذ الإرهاب ينفذ عمليات إرهابية مقلقة، بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها القطعات الأمنية بملاحقة الجماعات الإرهابية. ولكن كانت استراتيجية الإرهابيين تضخيم العمليات من خلال الإعلام. وفي حينها، لا توجد كما هو متيسر الآن من وسائل تواصل اجتماعي، فالموجود فقط الموبايل، وتجربته بالعراق حديثة، وهنالك انفتاح كبير بفتح قنوات إخبارية على شاشة التلفاز، مع محدودية وسائل الإعلام الداعمة للأجهزة الأمنية، وهذا شكل لنا تحديًا كبيرًا في حينها.

وبنفس الوقت، كان أغلب القادة الميدانيين غير مدربين على التعامل مع الأحداث وكيفية تسويقها إعلاميًا. ذلك يعكس تحديًا استراتيجيًا واجهته القوات الأمنية في تلك الفترة، حيث لم يكن التحدي أمنيًا فقط، بل إعلاميًا أيضًا. الجماعات الإرهابية أدركت أن تأثير العمليات لا يعتمد فقط على حجم الخسائر التي تسببها، بل على كيفية تضخيمها إعلاميًا لخلق حالة من الرعب وزعزعة ثقة المواطنين بالحكومة والأجهزة الأمنية في حينها، زارني صديق لمقر القيادة، وعنده خلفية إعلامية، وتحدثنا سويًا عن إخفاق الإعلام الحكومي. وضمن سياق الحديث، ذكر لي أن هناك رجلًا يعرفه، كان سابقًا يشغل منصب مدير الإعلام النفسي في العهد السابق، ولديه معرفة بكيفية تسويق الخبر. فبادرت بالقول: “أتمنى أن نلتقي بهذا الرجل”، وفعلا، بعد أيام معدودة، جلب لي ذلك الرجل، الذي كان يحمل شهادة الدكتوراه في مجال الإعلام تحدثنا طويلًا بهذا الموضوع، وتعلمت منه خبرة كنت بأمسّ الحاجة إليها. وذكر لي بعض الشواهد التاريخية من الحرب العراقية-الإيرانية، وقال: “كنا في بعض المعارك مهزومين، ولكن بالإعلام النفسي، كنا نقلب الحقيقة من هزيمة إلى انتصار، من خلال توجيه الإعلام نحو معارك أخرى صغيرة لا تذكر، وإعطائها زخمًا إعلاميًا وتضخيمها وجلب انتباه الرأي العام إليها. وهنا، نعزز بها الروح المعنوية للجيش مع تدعيم الجبهة الداخلية، وبنفس الوقت، نقلل من أهمية خسائرنا وهزيمتنا في المعارك الأخرى”ثم أضاف “لأن الإرهاب يعتمد على الإعلام النفسي، فأنتم بأمسّ الحاجة لذلك. تحتاجون إلى إعلام نفسي يحطم إرادة الإرهاب نفسيًا، من خلال إبراز هزيمة الإرهاب في قواطع أخرى”.

بقي ذلك الرجل يدعمنا في الإعلام النفسي حتى غادرت القيادة. فهناك ثروات علمية وخبرات، والأجدر عدم تركها، والاستفادة من خبرتها المتراكمة في مجال العمل العسكري وغيره من المجالات الأخرى.بالرغم مما عرض من نقص حاد في الدعم الإعلامي الوطني والأمني، وضمن مجهودنا الخاص، حرصنا على وضع خطط خاصة، وبالتعاون مع مجموعة إعلامية محترفة، وضعت برنامج الهجوم الإعلامي المضاد، وبطرق ذكية جدًا، ومنها عرض اعترافات بعض الإرهابيين لكشف حقيقتهم الإجرامية وأهدافهم العدوانية ضد بلادنا، وارتباطاتهم بالمشاريع الصهيونية التي هدفها النهائي تمزيق وحدة الشعب العراقي، وإعاقة إعادة بناء البلد.نشرنا الكثير من الأفلام الوثائقية عن إنجازات عمل الوحدات العسكرية ميدانيًا، وكيف يقوم الجيش بدعم المناطق السكانية من خلال المساهمة والمشاركة في تقديم الخدمات.وعملنا برنامجًا خاصًا للتوعية والتثقيف للمواطنين عن أهداف الإرهاب النهائية. وعملنا بكل المجهودات المشتركة مع الشخصيات الدينية والعشائرية وكل أطياف المجتمع، وإرساء قواعد التعاون العسكري-المدني، للحد من انتشار الأفكار المنحرفة والمتطرفة بين صفوف الشباب.وأجرينا الكثير من الفعاليات المشتركة بين الشباب من مختلف المكونات، وركزنا على المواطنة واللحمة الوطنية. وفعلا، تلك الممارسات كان لها الأثر الإيجابي على الروح المعنوية لعموم الناس، والأهم من ذلك، كسبنا ثقة الناس بدورنا الوطني، البعيد كل البعد عن المسارات الأخرى مما عزز ذلك تعاون المواطنين معنا وأصبح المواطن جزءًا من المنظومة الأمنية. وطرحنا مشروع الأمن المناطقي، الذي ساهم بدور كبير في الحد من تمدد الإرهاب، وكل تلك الفعاليات تم دعمها من قبل الإعلام الوطني الشريف، وقامت نخبة وطنية بمساندتنا ولهذا إننا نقول على جميع القيادات، مهما كان مستواها، أن تعي جيدًا أن الإعلام يلعب دورًا كبيرًا في تغيير قناعات الناس، وله الأثر العظيم في تغيير بوصلة عقولهم بالاتجاه الصحيح والوطني. فكلما أحسن القادة العسكريون إدارة خطط الإعلام، حققوا أهدافهم بأقل ما يمكن من الدماء في أرض المعركة. عليهم دائمًا كسب الرأي العام، لكونه ضرورة من ضرورات النصر الميداني

أحدث المقالات

أحدث المقالات