يتوقف مدى تقدم الامم على مقدار ما تنفقه على البحث العلمي. ويكفي القاء نظرة سريعة على نسبة هذا الانفاق في الدول المتقدمة لمعرفة سرّ تقدمها. حيث بلغت هذه النسبة من الناتج الاجمالي 3،7%في السويد و3،013% في اليابان و2،63% في الولايات المتحدة و1،97% في الصين و0،69% في جنوب افريقيا ، اما في العراق فلا يوجد ميزانية خاصة للبحث العلمي.
أن البحث العلمي هو محاولة لحل قضية او مشكلة فكرية او عملية او مفهومية تؤدي الى حل للاستعصاء الذي يكتنفها بتقديم بدائل وفرضيات للخروج منه بحيث تنشأ عن البحث قيمة مضافة تخدم عملية الانتاج الزراعي او الصناعي او الخدمي او المعرفي وذلك من خلال السياقات العلمية التي تفتح افاق جديدة للمعرفة تعالج مشاكل علمية.
يهتم هذا البحث بإلقاء الضوء على أهمية الشراكة المجتمعية لدعم البحث والتطوير بالمؤسسات البحثية وخدمة المجتمع من خلال تطوير المؤسسات الاقتصادية خاصة الصغيرة والمتوسطة التي تمثل قطاعاً هاماً في الاقتصاد الوطني ، كما تم إلقاء الضوء على نماذج مختلفة للشراكة المجتمعية ، وأهم العقبات التي تواجه الشراكة في مجال البحث العلمي ، كما تم اقتراح آلية تهدف الى تحفيز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة نحو الشراكة مع المؤسسات البحثية في مجال البحث والتطوير ، فضلاً عن أهمية التوجه الاعلامي لإبراز الدور القوي للبحث العلمي في مجال تطوير المجتمع ، ودعم مصادر غير تقليدية لتمويل الشراكة المجتمعية وتوجيه استراتيجيات المؤسسات البحثية نحو الاهتمام بالشراكة مع القطاع الخاص.
ان العلم هو أساس النهضة ، وركن من أركان بناء الدولة العصرية القادرة على مواجهة تحديات العصر ومستجداته ، والاستفادة من فرصه ومزاياه ، ومجتمع المعرفة هو المجتمع القائم على الاهتمام بالعلم والعلماء ، وعلى استثمار الطاقات البشرية وتوجيهها نحو الاستزادة من العلوم والمعارف ، وتعزيز قدرتها على الابتكار والإبداع والبحث والتطوير في إطار مجتمعي ترعاه الدولة ، ويحقق طموحاتنا في مجالات التنمية البشرية الشاملة والمتكاملة.
ومن هذا المنطلق فعلينا أن نعمل جميعاً على تحقيق نهضة شاملة تتأسس على العلم وتقوم على جد واجتهاد العلماء والباحثين , لنضع جامعاتنا في مكانتها العلمية اللائقة , ونباهي الأمم بدولتنا العصرية المتطورة الجديرة بأمجاد أسلافها الأوائل وإنجازاتهم ، والقادرة على تحقيق آمال وطموحات شبابها وأجيالها الجديدة.
إن تحقيق ما سبق يتطلب شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع في إطار توجهنا الواضح نحو توسيع المشاركة المجتمعية في كافة أنشطتنا التنموية ، ليس فقط في مجال تمويل الأنشطة البحثية والعلمية , وإنما أيضاً في مجال رسم سياسات البحث العلمي ، وضمان أن تتفق مع اهتمامات المجتمع في كل مرحلة ، فالبحث العلمي لابد وأن يوجه لخدمة أهداف المجتمع التي صارت في تغير وتطور مستمر.
إن اكتمال مقومات مجتمع المعرفة يتطلب خلق قاعدة أكثر اتساعاً للتفكير والبحث والاجتهاد والابتكار ، لتهيئة المناخ الملائم لاكتشاف المواهب الكامنة في مجتمعنا ، ودفعها نحو مزيد من التفوق والتميز من خلال سياسات أكثر تطوراً للبحث العلمي والتكنولوجي، تدعمها منظومة حديثة من المنشآت البحثية ، وبرامج جديدة للتميز ، مع تشجيع المواهب والإدارة الاقتصادية للبحث العلمي لاستخدام الاحتكاك الدولي لتحقيق أقصى فائدة لعلمائنا وباحثينا ، وللاستفادة من خبرة العلماء والباحثين بالخارج في إطار متكامل ، يحمي حقوق الملكية الفكرية ، ويحقق مصالحنا الوطنية ، ويستجيب لتطلعاتنا للتنمية الشاملة.
وأن التحول في البحث العلمي من البحث للاستهلاك إلى البحث من أجل الاستثمار ، يتطلب وضع سياسة مناسبة لكل جامعة وفقاً لطبيعتها وتخصصاتها وإمكاناتها البشرية والمادية في مجال تنمية مواردها لمفهوم الجامعة المنتجة.
كما أن استثمار النشاطات الإنتاجية في الكليات وفقاً لمفهوم الجامعة المنتجة ، يتطلب منح معاهد ومراكز البحوث والدراسات الاستشارية صلاحيات واسعة في الاتصال بمواقع الإنتاج والتعاقدات البحثية لتسويق أفكارها وخدماتها وأبحاثها في الميدان على المستوى الحكومي والخاص بشتى السبل والوسائل وخاصة وسيلة الاتصال الشخصي.
فضلا عن أن ربط مسار الأبحاث العلمية الجامعية بمشكلات واحتياجات المجتمع يتطلب القيام بحملة توعوية إعلامية لإقناع المجتمع والقطاع الخاص بأهمية البحوث العلمية وجدواها ، وإقامة المعارض والمراكز العلمية ، والعمل على إصدار الكتب والمجلات العلمية المتخصصة. فضلاً عن التوسع في عقد المؤتمرات والندوات العلمية ، وحلقات البحث المشتركة ، وإقامة المحاضرات للعلماء والباحثين على مستوى الجامعات ومسؤولي قطاع التنمية في المجتمع ؛ مما يعزز الارتباط بين البحث العلمي وقضايا المجتمع التنموية.
وأن تعزيز التعاون وتنمية روح الشراكة بين الجامعات وقطاعات المجتمع ، يتطلب عرض بعض خطط البحوث العلمية على بعض قطاعات المجتمع المعنية للإسهام في تمويلها ، والعمل على تطوير تلك البحوث العلمية التطبيقية وتسخيرها لخدمة القطاع الخاص مما يشجعه على المشاركة في تمويلها.
وهنا تتأتى اهمية إعادة النظر في تشكيل مجالس عمادات ومعاهد ومراكز البحوث العلمية بالجامعات بحيث تضم في عضويتها ممثلين عن القطاعات الإنتاجية ، وكذلك في اللجان الاستشارية على مستوى الجامعات ، والعمل أيضًا على إنشاء لجان التنسيق بين معاهد البحوث والاستشارات القائمة بالجامعات وتبادل الخبرات في مجال تسويق البحوث والاستشارات الفنية.
كما أن التركيز على إتباع وسائل التسويق الفعالة في تسويق نتائج البحوث العلمية والخدمات الاستشارية مثل: إقامة المعارض التسويقية للمنتجات الجامعية ، وتوفير الإعلام العلمي الجيد عن الإمكانات الجامعية البحثية والاستشارية ، من شأنه أن يسهم في تفعيل الشراكة المجتمعية وبالتالي تدعيم البحث العلمي.
وأن تفعيل دور الحكومة في تعزيز وتنمية مصادر تمويل البحث العلمي الجامعي واعتبار الاستثمار فيه من أولويات الاستثمار القومي يتطلب رفع معدل الإنفاق على البحث العلمي من (0.5 %) إلى (2.5 %) من الناتج الوطني. فضلاً عن حث الوزارات والمؤسسات الحكومية على توجيه الدراسات الاستشارية والبحوث التي تحتاجها إلى الجامعات كبيوت خبرة وطنية ومراكز استشارية لها الأولوية في هذا المجال.
وهنا لابد من الآتي:
1– تأسيس مركز يُعنى بموضوع الشراكة المجتمعية في الجامعات ، وذلك تماشياً مع سياسة الجامعات في خدمة المجتمع المحلي ورفع كفاءته وقدراته التدريبية , ويعمل المركز على تحسين أداء موظفي الجامعة من خلال البرامج التدريبية التي تعقد لهم في مختلف المجالات، كما يهدف إلى:
2– الاهتمام بالجودة والكفاءة في أداء المجتمع الأكاديمي والثقافي والعلمي ، وإتباع أنماط جديدة متطورة من نظم التعليم والبحث العلمي.
3– إقامة علاقات شراكة مع الهيئات العلمية والبحثية الدولية لتعظيم قدراتنا على التنمية الذاتية للمجتمع الأكاديمي والبحثي.
4– قيام المؤسسات البحثية بإعلام المنظمات ومؤسسات الإنتاج بأنشطتها السنوية.
5– تنمية الهيئات التدريسية كما ونوعا من خلال خطة وطنية لتنمية القوى البشرية العلمية العاملة في الجامعات ومراكز البحوث وتأهيلهم تأهيلاً عالياً.
6– إشراك عضو هيئة التدريس والباحث في وضع استراتيجيات وخطط البحوث مع إشراك الجهات المستفيدة مباشرة من نتائج البحث العلمي.