23 ديسمبر، 2024 4:23 م

دور الرقابة الشعبية على الأداء الحكومي في الميدان السياسي والاقتصادي – الاجتماعي

دور الرقابة الشعبية على الأداء الحكومي في الميدان السياسي والاقتصادي – الاجتماعي

المقدمة

يتحدد دور وهدف الرقابة الشعبية بطبيعة النظام الحاكم ولا يمكن إن يكون دورها خارج إطار النظام القائم، فالرقابة الشعبية في شكلها ومضمونها تحمل طابعاً سياسياً وإيديولوجيا.

لقد تم تناول دور الرقابة الشعبية في الميدان السياسي وأثرها على مستقبل الاقتصاد العراقي والمهام التي تواجه الحكومة ودور الرقابة في محاربة الفساد، كما تم التطرق إلى أنواع وأهداف الرقابة الشعبية والعوامل الرئيسة لنجاح الأداء الحكومي.

أولا: دور الرقابة الشعبية في معالجة المشكلات السياسية والاقتصادية- الاجتماعية:

يتميز واقع العراق السياسي غاية في التعقيد والتأزم، يرافق ذلك ضعف دور الرقابة الشعبية على الأداء الحكومي ويعود السبب الرئيس إلى غياب التشريعات القانونية وضعف الوعي السياسي. إن أهم المشاكل التي تواجه تفعيل الدور الرقابي للجماهير هي ضعف الثقة بين الأحزاب السياسية وخاصة بين قياداتها السياسية وغياب الرؤى المشتركة حول مستقل العراق وازدواجية المعايير وتكريس نهج المحاصصة السياسي والطائفي.

يوجد تياران سياسيان رئيسيان ومتصارعان حول مستقبل الاقتصاد والمجتمع العراقي ويحمل هذا الصراع طابعاً إيديولوجيا وسياسياً واقتصادياً فالتيار الأول يمثل القوى الديمقراطية واليسارية ويؤكد أصحاب هذا التيار على حتمية وموضوعية الإصلاح الاقتصادي ولكن بشرط إن يحمل طابعاً اجتماعياً وإنسانيا وان يكون في خدمة الشعب وليس في خدمة النخبة الحاكمة ويقر بتعدد الأنماط الاقتصادية، إما التيار الثاني، وهو يمثل غالبية الأحزاب السياسية المتنفذة في الحكم وبتبني المنهج الاقتصادي الليبرالي، ويؤكد على ضرورة الانتقال إلى اقتصاد السوق من خلال تطبيق وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين ويكمن جوهر الوصفة في ليبرالية التجارة وليبرالية الأسعار وتنفيذ برنامج الخصخصة والعمل على أضعاف، ثم إبعاد دور الدولة، والعمل على تعزيز دور ومكانة القطاع الخاص الرأسمالي.

نعتقد إن حسم هذا الصراع الدائر بين التيارين يكمن بالرجوع إلى الشعب ومن خلال الاستفتاء الشعبي الحر والديمقراطي وهذا هو جوهر الديمقراطية الشعبية التي تساعد على تحديد وجهة التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي اللاحق للاقتصاد والمجتمع العراقي.

إن من أهم التحديات التي تواجه الأداء الحكومي والبرلمان هي التدهور المستمر للقطاعات الإنتاجية وخاصة القطاع الزراعي والقطاع الصناعي، وتنامي معدلات البطالة والفقر وتدني المستوى ألمعاشي للغالبية العظمى وخاصة أصحاب الدخول المحدودة وتنامي وتفشي ظاهرة الفساد السياسي والمالي والإداري والتدهور السريع والخطير للرعاية الصحية ولقطاع التربية والتعليم العالي، وتفاقم مشكلة الخدمات وفي مقدمتها مشكلة الكهرباء والماء الصالح للشرب، وتنامي ظاهرة اجتماعية خطيرة في مجتمع شرقي إلا وهي الأرامل والمطلقات والأيتام، ناهيك عن المهجرين داخل وخارج العراق.

إن معالجة هذه المشكلات وغيرها يتطلب من السلطة التنفيذية اعتماد خطة إستراتيجية واضحة الأهداف والمعالم بهدف معالجة هذه المشكلات، وان تعطي الخطة الإستراتيجية الأولوية إلى القطاعات الإنتاجية ومنها القطاع الزراعي والصناعي وكذلك إعطاء أهمية لقطاع السكن، لان هذه القطاعات تستطيع إن تعالج مشكلة البطالة وتحقيق الأمن والاستقرار وينبغي إشراك القطاع الخاص المحلي والعربي والأجنبي وفق تشريع قانون خاص ينظم عمل هذه القطاعات.

إن نجاح هذه الإستراتيجية يعتمد على تفعيل دور ومكانة الرقابة الشعبية القطاعية ومنظمات المجتمع المدني يرافق ذلك ضرورة تطبيق مبدأ الرقابة والحساب وعدم التساهل إزاء المقصرين ومن الضروري أيضا اعتماد مبدأ الحافز المادي للمبدعين والمنفذين وهذا كله يساعد على تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع.

إن معالجة الفساد السياسي والمالي والإداري… يعتمد على توفير الرغبة الجادة والصادقة والهادفة من قبل البرلمان والحكومة، ويتم ذلك من خلال تشريع قانوني واضح وهادف وان يطبق بشكل عادل، وان يجري اعتماد مبدأ ديمقراطي إلا وهو وضع الرجل المناسب في المكان المناسب والعمل على تعزيز استقلالية القضاء ومحاسبة المفسدين واللصوص محاكمة علنية ووفق القانون وإنزال أقصى العقوبات بما فيها عقوبة الإعدام كعقوبة رادعة وعادلة ومشروعة لكل من تسول له نفسه في سرقة ونهب واستحواذ مال وثروة الشعب.

إن جميع هذه الإجراءات وغيرها لا يمكن ان تكون ناجحة وفاعلة ومؤثرة الأمن خلال تعزيز الرقابة الشعبية وإشراك منظمات المجتمع المدني كرقيب على نجاح الأداء الحكومي والبرلماني في آن واحد. 
أنواع الرقابة الشعبية:

هناك علاقة وثيقة بين طبيعة النظام القائم والرقابة الشعبية، فلا يمكن قيام نظام ديمقراطي شعبي بدون رقابة شعبية حقيقية وذات محتوى ديمقراطي، وبدون تعزيز الديمقراطية الشعبية لا يمكن قيام برلمان وحكومة شعبية وديمقراطية، ولا يمكن تقييم الأداء ومحاربة ظاهرة الفساد وبكل أنواعها إلا من خلال تعزيز الرقابة الشعبية.

هناك نوعان من الرقابة في النظام الديمقراطي وهما: الرقابة البرلمانية والرقابة الشعبية، وتعد الرقابة البرلمانية إحدى أهم أنواع الرقابة القانونية من اجل تقييم الأداء الحكومي ومن أهم الوظائف الرئيسة للرقابة البرلمانية هي: الوظيفة التشريعية والوظيفة الرقابية ووظيفة المحاسبة، وان تطبيق هذه الوظائف ونجاحها يعتمد على المستوى الرفيع من الوعي السياسي والشعور بالمسؤولية القانونية والأخلاقية من قبل أعضاء البرلمان وخاصة من قبل الأحزاب السياسية وقادتها، وكما يتطلب وجود معارضة سياسية قوية داخل البرلمان، وان يتم الابتعاد عن سياسة الكيل بمكيالين أو ازدواجية المعايير في عمل السلطة التشريعية.

إما الرقابة الشعبية، فهي إحدى أدوات الرقابة الناجحة والفاعلة على عمل البرلمان والحكومة، وتتكون الرقابة الشعبية من الرقابة السياسية، وتعني رقابة الأحزاب السياسية سواء كانت مشاركة وغير مشاركة في الحكم ومن حق هذه الأحزاب وخاصة المعارضة منها ممارسة حقها المشروع في ممارسة النقد الموضوعي الهادف من اجل تقويم عمل الحكومة والبرلمان ويتطلب ذلك تشريع قانون عمل للأحزاب السياسية، إما الرقابة الاجتماعية وهي تشمل نشاط وعمل ومشاركة النقابات والجمعيات المهنية مشاركة فاعلة وحقيقية من اجل مساعدة وإنجاح الحكومة وبما يخدم المصلحة العامة ومن أهم هذه النقابات والروابط هي: اتحاد نقابات العمال، اتحاد الجمعيات الفلاحية، اتحاد الطلبة، اتحاد الشبيبة، رابطة المرأة، جمعية المعلمين ورابطة التدريسيين في الجامعات والمعاهد وجمعية الأطباء والمهندسين والزراعيين والاقتصاديين والصحفيين والفنانين وغيرها.

إن تفعيل نشاط وعمل هذه النقابات والجمعيات والروابط يتطلب تشريع قانون خاص لها  بهدف تثبيت شرعيتها وحقها في العمل والتظاهر والاعتصام السلمي المشروع. إما الرقابة الإعلامية ويقصد بها –كما يقال- بالسلطة الرابعة الفاعلة والمتمثلة بالتلفزيون والراديو والصحف والمجلات والانترنت… وتلعب الرقابة الإعلامية دوراً هاماً وفاعلاً ورقابياً على عمل والأداء الحكومي والبرلماني و تساعد على خلق الوعي السياسي داخل المجتمع.

ينبغي إن يكون دور الإعلام الوطني دوراً تحريضياً ورقابياً ويجب إن يحظى بدعم وإسناد من قبل الحكومة سواء كان أعلاما حكومياً أو إعلاما مستقلاً وان يكون هدفه هو خدمة الشعب وليس خدمة النخبة الحاكمة.

ومن الضروري إن يتمتع الإعلام الوطني بالاستقلالية ويجب إن لا يرتبط بأي جهة أجنبية سواء كانت إقليمية أو دولية، لان ارتباط الإعلام الوطني المحلي بدول أو منظمات أجنبية رسمية أو غير رسمية يعني ذلك ضعف الولاء والشعور الوطني للإعلام وأضعاف دوره الرقابي وسيكون نشاطه مؤدلج لمن يدفع له المال الاكثر، أي انه يتحول من إعلام وطني إلى إعلام مرتزق ومأجور ومن هنا ينشأ الخطر على دور وأهمية سلطة الإعلام كجهاز رقابي على عمل البرلمان والحكومة بدليل توجد 220 صحيفة ومجلة تمولها أجهزة مخابرات أجنبية، و 45 قناة تلفزيونية تمولها أجهزة المخابرات الأجنبية، و 67 محطة راديو تمولها الأجهزة الأمنية. ابن حرية ومهنية واستقلالية الإعلام؟ وأين الأمن الوطني الإعلامي؟ وأين السيادة الوطنية؟ وأين …؟

انظر الشكل رقم (1)

نلاحظ من المخطط ما يلي:

1. إن الرقابة الشعبية هي أعلى سلطة رقابية في أي مجتمع ديمقراطي فهي تراقب عمل البرلمان والحكومة وبما يخدم المصلحة العامة.

2. إن المكونات الرئيسة للرقابة الشعبية وهي الرقابة السياسية والاجتماعية والإعلامية وهذه المكونات تتفاعل وتتكامل في عملها ونشاطها لما فيه خير المواطن.

3. إن الهدف الرئيس للرقابة الشعبية هو العمل على تحسين جودة وفاعلية الأداء البرلماني والحكومي.

شكل رقم (1):

صياغة أنموذج رقابي لأداء عمل الحكومة والبرلمان

 
الرقابة الشعبية

الرقابة الإعلامية

الرقابة الاجتماعية

الرقابة السياسية

رقابة السلطة التنفيذية

رقابة السلطة التشريعية

أنموذج لتحسين فاعلية جودة الرقابة على الأداء البرلماني والحكومي

ثانياً: اثر الرقابة الشعبية على الأداء الحكومي:

أ- الأهداف الرئيسة للرقابة الشعبية:

تعد الرقابة الشعبية العين الساهرة على عمل ونشاط الحكومة لما فيه خدمة المصلحة العامة، وان من أهم الأهداف الرئيسة للرقابة الشعبية هي: العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع وهذا يساعد على تقليص الفجوة الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع والنضال من اجل ربط الأجر بطبيعة العمل وهذا يشكل قمة العدالة الاجتماعية، وينبغي العمل على إلغاء استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وهذا يساعد على محاربة الفساد السياسي والمالي والإداري ومن الضروري إن يتم التطبيق الصارم للقوانين واحترامها وعدم الالتفاف عليها ومحاسبة المخالفين والمفسدين والطفيليين وفق القانون وبغض النظر عن الانتماء والموقع السياسي والبرلماني والحكومي.

إما العوامل التي تساعد على نجاح الأداء الحكومي فهي تكمن في: ينبغي التخلي قولاً وفعلاً عن منهج المحاصصة السياسية والطائفي والمذهبي لان هذا النهج مخالف للدستور وهو بمثابة أفيون للشعب، ومن الضروري إن يتم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب واعتماد المعايير العلمية والموضوعية وفي مقدمة ذلك: التخصص والكفاءة والنزاهة والمبدئية والتضحية وهذا سوف يساعد على محاربة الفساد وبكل إشكاله ومصادره ويضعف البيروقراطية الإدارية فالفساد والبيروقراطية هما وجهان لعملة واحدة، ويجب الالتزام المبدئي بالقوانين المشرعة واحترامها وتطبيقها من قبل الجهات ذات العلاقة والعمل بمبدأ فصل السلطات واحترام استقلاليتها وكما ينبغي إقامة علاقات سياسية واقتصادية مع الدول الإقليمية والدولية على أساس مبدأ الاحترام والتكافؤ والنفع المشترك في العلاقات الاقتصادية الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية فالشعوب هي التي تعزز مصيرها بإرادتها وبنفسها وهي صاحبة القرار الشرعي في ذلك. ان هذه العوامل وغيرها تساعد على نجاح الأداء الحكومي.

الخلاصة:

إن للرقابة الشعبية أثرا كبيراً على عمل الحكومة وفي كافة الميادين بهدف تحسين جودة الأداء الحكومي وان تحقيق ذلك يتطلب التعاون والتنسيق بين عمل البرلمان والحكومة ولا يمكن فصل دور البرلمان عن دور الحكومة لأنهما واحداً مكملاً للأخر فنجاح عمل الحكومة يعتمد على التعاون والتنسيق مع البرلمان من اجل تحقيق هدفها المشترك إلا وهو خدمة المجتمع.

في المجال التشريعي: يتطلب إجراء تعديلات جادة وضرورية على الدستور وفق الإلية الدستورية والديمقراطية بهدف التخلص من الكثير من البنود المتناقضة والتي تعتبر(كالقنابل) المؤقتة، ومن الضروري أيضا إعادة النظر بقانون الانتخابات البرلمانية واعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة وهذا يضمن حقوق الأحزاب الكبيرة والصغيرة ويحقق العدالة السياسية والاجتماعية، وكما ينبغي تشريع قانون خاص بالأحزاب السياسية يضمن شرعيتها وحقها في العمل وان يمنع القانون قيام الأحزاب على أساس ديني أو طائفي أو عنصري، وان لا تملك ميليشيات مسلحة، وان توضح مصادر تمويلها وان لا ترتبط بالخارج ولا بقوى “اقتصاد الظل” إن تقر بمبدأ التداول السلمي للسلطة وان تعلن نظامها وبرنامجها السياسي والاقتصادي- الاجتماعي للشعب، وكما يتطلب تشريع قانون خاص بالرقابة الشعبية يضمن دور وفاعلية النقابات والجمعيات والروابط المهنية، ومن الضروري تشريع قانون خاص بالأرامل والمطلقات والأيتام بهدف ضمان حقوقهم المشروعة.

في المجال الاقتصادي- الاجتماعي:

من الضروري إن يتم الإقرار بتعدد الأنماط الاقتصادية وان يلعب قطاع الدولة الدور الرئيس، وهذا يتطلب تعزيز دور ومكانة الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وكما ينبغي عدم الأخذ بوصفة صندوق النقد والبنك الدوليين و “نصائح” منظمة التجارة العالمية، لان هذه الوصفة الكارثية وصفة منحازة ومؤد لجة مائة بالمائة وجلبت كل الكوارث والماسي والعذابات للشعوب الفقيرة، وان ما حدث ويحدث في غالبية البلدان العربية اليوم إلا دليل قاطع على فشل سياسة هذه المؤسسات وفشل وصفتها فهي أنتجت للشعوب البطالة والفقر والمجاعة وتدني المستوى ألمعاشي وغياب العدالة وظهور الحيتان والديناصورات المالية المرعبة والغير شرعية.

 

إن من الضروري إعطاء الأولوية للقطاعات الإنتاجية وخاصة القطاع الزراعي والصناعي وكذلك قطاع السكن لان هذه القطاعات الوحيدة والرئيسة التي تساعد على معالجة البطالة وتحقيق الاستقرار، وكما يجب إعطاء الأهمية لقطاع الخدمات وخاصة مشكلة الكهرباء والماء الصالح للشرب، والعمل على تحسين مستوى التعليم والرعاية الصحية، لان هذين القطاعين الهامين يسيران نحو الانحدار المأساوي ومن الضروري العمل على تحديد دور القطاع الخاص أو إلغاء دوره لان هدفه الربح وتعظيم الربح بالدرجة الأولى، لان هذه القطاعات لا تخضع للتجربة والتجريب.

إن التقييم الموضوعي لأداء الحكومة منذ عام 2004 ولغاية اليوم، يمكن القول عنه انه عمل غير ناجح وغير مرض للغالبية العظمى من المواطنين ويعود ذلك لأسباب موضوعية وذاتية وفي مقدمة ذلك: إن المسالة العراقية أصبحت مدولة، أي لعب ويلعب العامل الخارجي اليوم دوراً مؤثراً على الأوضاع في العراق، استمرار وتفاقم حدة الصراع السياسي/ الطائفي وتكريس نهج المحاصصات السياسية والطائفية، والمستوى المتدني للملاكات المتنفذة في الحكومة، وتفشي البيروقراطية والفساد المالي والإداري، إن كل ذلك وغيره ساعد على إضعاف دور ومكانة الحكومة في تحقيق الأداء الناجح.

إن الجماهير الشعبية هي خير رقيب لتنظيم عمل ونشاط الحكومة وان مظاهرات “جمعة الغضب” و “جمعة الحق” و “جمعة الندم” وغيرها من الجمع في المستقبل هي خير دليل على إعطاء التقييم الموضوعي لأداء الحكومة وكانت مطالب الجماهير تحمل طابعاً خدمياً بالدرجة الأولى.

إن من الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها الحكومة ضد المتظاهرين السلميين هي استخدامها إجراءات غير ديمقراطية وغير قانونية فقمع المتظاهرين بالرصاص والماء الحار والضرب بالهراوات والاعتقال وممارسة التعذيب الوحشي وتصوير المتظاهرين وخاصة النشطاء منهم، وقطع الطرق وإعلان حالة منع التجوال وغير ذلك، أنها إجراءات تتعارض وتتقاطع مع جوهر الديمقراطية والدستور ونأمل من إن بعض المتنفذين في قمة الحكومة إن يسهموا في وضع ركائز أساسية للعمل الديمقراطي في العراق لتعزيز مقتربات النهج الديمقراطي في عراق المستقبل.

إن تحديد (مائة يوم) من اجل تفعيل الأداء الحكومي لا يكفي حسب وجهة نضرنا لانجاز برنامج العمل الحكومي المقترح اصلاً، وان أي حكومة لا تستطيع معالجة جميع الجبال المتراكمة من المشكلات إلا بخطط خمسيه أو أكثر من خلال وضع خطة إستراتيجية ذات إبعاد زمنية مختلفة قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل مع تحديد الأولويات الضرورية للشعب وحسب الأهمية ومنها معالجة جذرية لمشكلة الأجور والمرتبات للموظفين والعمال ومشكلة مرتبات المتقاعدين والبطاقة التموينية، ونظافة المدن (طرق، مجاري، حدائق…)، ورفع الحواجز، وحل مشكلة الاختناقات المرورية، ومحاسبة المفسدين واللصوص وبشكل علني وإنزال أقصى العقوبات، وإبعاد الفاشلين ومحاسبة المقصرين في جهاز الدولة الإداري، والتخلي عن النهج الطائفي ووضع خطة جذرية لمعالجة الكهرباء لأنها تعد المفتاح الرئيس لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ويمكن القول إن تحقيق سلطة الشعب الحقيقية مضافاً أليها الكهرباء نحصل على مجتمع العدالة الاجتماعية الراقي والمزدهر والمستقر.

إن عدم إعطاء الأهمية لهذه المشكلات وغيرها وعدم معالجتها سوف يخلق خيبة أمل كبيرة لدى الغالبية العظمى من الجماهير وكما لا يستبعد من تفعيل دور العامل السياسي مما يؤدي ذلك إلى دخول الحكومة في مأزق سياسي خطير وان ترفع الجماهير بدلاً من شعارها الحالي “الشعب يريد أصلاح النظام” إلى إشعار أخر وهو “الشعب يريد إسقاط النظام”.

إن تفعيل وتحقيق المهام التي تم ذكرها لا يمكن إن تتم وتعالج إلا من خلال تعزيز دور الرقابة الشعبية والالتزام بالديمقراطية ومن خلال تفعيل عناصرها الرئيسة والمتمثلة بالرقابة السياسية والرقابة الاجتماعية والرقابة الإعلامية، إضافة إلى ذلك ينبغي تعزيز دور ومكانة الدولة في الميدان الاقتصادي والاجتماعي، إن كل ذلك يصب بهدف تحسين عمل الحكومة في كافة الميادين، وبدون ديمقراطية شعبية لا يمكن تحقيق الرقابة الشعبية، وبدون رقابة شعبية لا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين منظومة الأداء الحكومي المتميز.