تعد الأخلاق الفاضلة من ابرز الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الإنسان لأنها سوف تكون وسيلة فاعلة في تطور ونقدم المجتمعات على اختلاف ثقافاتها ومعتقداتها . حيث يتميز صاحب الأخلاق الفاضلة بمكانة اجتماعية مرموقة وينظر إليه بتقدير واحترام من قبل الآخرين لأنهم يرون فيه نموذجا وقدوة لغيره من الذين يرومون الوصول إلى مكانته الاجتماعية .
ونظرا لهذه المكانة المتميزة والمنزلة السامية لصاحب الأخلاق الفاضلة والنظرة الاجتماعية التي تجعل منه شخصا مميزا وفاعلا في محيطه وبيئة تأثيره , نرى بأن معظم الناس يسعون الى ان يكونوا من أصحاب الأخلاق الفاضلة ويعملون في اغلب الأحيان على تحسين صورتهم أمام الآخرين وبأنهم على حق دائما حتى وان كان هذا الشيء غير صحيحا .
ولكن هناك شيء مهم وأساس وهو إن صاحب الأخلاق الفاضلة ينبغي أن يكون كذلك من وجهة نظر الآخرين وليس من وجهة نظره الشخصية لان الإنسان يكون فاضلا وصالحا عندما يراه الآخرون كذلك ومن خلال أعماله وتصرفاته الحقيقة بدون تصنع ورياء لان هذا الشيء يؤدي إلى هدم البناء الاجتماعي والقيمي في المجتمع فيما لو انتشر وأصبح سمة مرافقة لأخلاق معظم أبناء المجتمع .
وقد أكد الدين الإسلامي الحنيف على الأخلاق الفاضلة ومبادئ الخلق القويم عند الإنسان لأنها سوف تكون بأذن الله هي الطريق والوسيلة التي توصله إلى الجنة ورضاء الله سبحانه وتعالى . فقد خاطب الله رسوله الأكرم صلى الله وعليه وآله وسلم في القرآن الكريم حيث قال ” وأنك لعلى خلق عظيم ” . كما خاطب الرسول الأمين صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين عن نفسه حيث قال ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” . وكذلك خاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين بالقول ” أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا ” , و ” إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ” .
مما تقدم نرى إن الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكل الشرائع السماوية والتشريعات الدنيوية قد أكدت بصورة لا تقبل الشك على أهمية الأخلاق الفاضلة عند الإنسان ولابد من العمل على إيجادها وتنشئتها وديمومتها لديه من اجل المحافظة على النسيج الاجتماعي الصالح والمتماسك والقوي .
وتعني الأخلاق بمفهومها الواسع بأنها عبارة عن القواعد التي تنظم السلوك الإنساني والتي تحددها التشريعات السماوية والدنيوية والتي تهدف إلى تنظيم الحياة الاجتماعية وتحديد علاقة أبناء المجتمع الواحد فيما بينهم وكذلك بينهم وبين أبناء المجتمعات الأخرى وذلك من اجل تحقيق وجودهم الاجتماعي وإبراز قيمتهم الاجتماعية بشكل فاعل وصحيح ضمن التوجهات الفاضلة المتعارف عليها .
وتأتي أهمية الأخلاق من حيث كونها متصلة بكافة مجالات الحياة الاجتماعية فهي تؤثر وتتأثر بها بصورة متبادلة . وهي بذلك تعد من الضمانات الأساسية للمحافظة على مختلف مجالات الحياة الاجتماعية وكذلك المحافظة على الوجود الإنساني برمته إذا أريد للبشرية إن تستمر بتطورها ونهوضها المتسارع مع بقائها محتفظة على مبادئها وقيمها الدينية والاجتماعية الطيبة والخيرة وعدم انجرارها نحو الانحراف عن المسار ألقيمي والإنساني الصحيح .
ونظرا للأهمية الكبيرة للأخلاق الفاضلة أصبح من الضروري قيام المجتمع بالمحافظة عليها ومحاولة السعي إلى تنشئتها وترسيخها عند أبنائه والعمل الجاد والفاعل على تكوينها بصورة ايجابية من اجل المحافظة على بناءه الاجتماعي والعقائدي والفكري والارتقاء نحو الأفضل في جميع مجالات الحياة المتطورة من خلال استخدام مختلف الوسائل والأساليب الممكنة لتحقيق هذا الغرض .
ولكون المؤسسات التربوية والتعليمية احد الوسائل الفاعلة في المجتمع إن لم تكن هي الوسيلة الأبرز لتحقيق ما يريده المجتمع من أبنائه من خلال قيامها بإعداد البرامج التربوية والتعليمية التي تساهم في تحقيق المتطلبات الاجتماعية والثقافية وفي ضوء المتغيرات الحاصلة والتطورات التي تؤثر في مجالات الحياة المختلفة في المجتمع , لذا ينبغي عليها إن تأخذ بنظر الاعتبار مساهمتها في تكوين الأخلاق الفاضلة والحميدة عند الطلبة كونهم يمثلون العناصر الشبابية القادرة على قيادة المجتمع في المستقبل وإحداث التغيير المنشود فيه بما يجعله في مصاف الدول المتقدمة ويكون قادرا على الاستجابة لمتطلبات ومعطيات التطور العلمي في العالم بصورة فاعلة وكفاءة .
إن عملية تكوين الأخلاق الفاضلة وغرسها عند أبناء المجتمع وخاصة الشباب منهم هي عملية تعلم بالدرجة الأساس لان الإنسان في بداية حياته لا يمتلك معرفة كافية ودراية واسعة عن الأخلاق الفاضلة ولا يستطيع تمييزها عن غيرها . إذن لابد من غرسها وتلقينها في نفسه وبصورة مؤثرة ومتماسكة ومتكاملة , لان الأخلاق التي يكتسبها الشاب في مقابل عمره تكون ذات اثر كبير في مختلف مراحل حياته القادمة . وعليه أصبح من الضروري توفير بيئة تربوية مناسبة يمكن من خلالها غرس هذه الأخلاق وتكوينها وبالتأكيد لا توجد مؤسسة أفضل من المؤسسات التعليمية والتربوية لتحقيق هذا الهدف السامي .
ان الجامعة تعد من المؤسسات التعليمية الأساسية والفاعلة في المجتمع وهي تمثل قمة الهرم التعليمي فيه وهي التي تملك الدور القيادي والريادي في التأثير في الحياة الاجتماعية ومحيطها بفاعلية كبيرة وتوجيهه نحو الأهداف المنشودة التي تساهم في تطوير المجتمع من اجل اللحاق بركب الحضارة العالمية ومسايرتها وان يكون له الدور الايجابي الفاعل والمؤثر في المساهمة في حركتها المتسارعة نحو الأفضل مع ضرورة التمسك بالعادات الحميدة والأخلاق الفاضلة التي تميزه عن غيره من الشعوب والثقافات والمعتقدات الأخرى . حيث يقول الشاعر احمد شوقي بهذا الصدد “وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فأن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا “.
ولذلك أصبح من واجب الجامعة العمل الجاد على تكوين الأخلاق الفاضلة والقيم الحميدة عند طلبتها أثناء سنوات دراستهم فيها , لان الجامعة هي المصنع التي يتم فيه أعداد قادة المستقبل وبناة الوطن ولابد أن تستجيب فلسفتها وأهدافها ومناهجها لتحقيق هذا الهدف وان تكون مؤمنة بهذا الدور الكبير والمهم التي تؤديه في الحياة الاجتماعية وان لا تبقى معزولة عن ما يحيط فيها من تغييرات في ميادين الحياة المختلفة .
وبما أن العملية التعليمية في المؤسسة الجامعية تتكون من ثلاثة عناصر أساسية ومتكاملة مع بعضها البعض وهي الطالب والمدرس والمنهج الدراسي . ونظرا لان الطالب هو الفئة المستهدفة في موضوعنا هذا لذا لابد للجامعة أن تعمل على توظيف التدريسيين والمنهج الدراسي فيها من اجل تحقيق هذا الغرض وهو تكوين الأخلاق الفاضلة عند الطلبة من خلال بعض الإجراءات التطبيقية والإجرائية والتي تساعد على ذلك .
ويعد الأستاذ الجامعي العنصر الأول الذي تقع عليه مسؤولية إعداد الطلبة الإعداد الصالح وغرس القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة لديهم إضافة إلى دوره الأكاديمي الأساس في نقل العلوم والمعارف إليهم والعمل على ترسيخها في أذهانهم . وفي ضوء ذلك ينبغي عليه أولا أن يتصف هو بالأخلاق الفاضلة وان تكون قناعته راسخة وحقيقية بدوره الفاعل في غرس هذه الأخلاق عند طلبته وبالتالي أن يعمل على ابتكار مختلف الأساليب والوسائل الفعالة من اجل تكوين الأخلاق الفاضلة عند طلبته وتعزيزها . وعليه أن يكون قدوة ومثالا يحتذي به الطلبة في تصرفاتهم وسلوكهم وان يعلم انه يقوم بدور كبير وخطير اختاره الله سبحانه وتعالى له ليحمله هذه المسؤولية وانه بلا شك محاسب أمام الله عند الإخلال في تحمل هذه المسؤولية وعدم نقل الأمانة المكلف بها إلى الطلبة بصورة صحيحة وكذلك عندما لا يقوم بعمل الإجراءات المطلوبة لغرس الأخلاق الفاضلة عند الطلبة .
ولابد أن يعمل الأستاذ الجامعي على تربية الطالب التربية الفاضلة الصالحة وتعديل سلوكه في جميع جوانب حياته من اجل ان تساعده في بناء شخصيته الإنسانية المتكاملة . وعليه قبل ان يفكر بكيفية تزويد الطالب بالمعلومات والمعارف أن يفكر بكيفية تكوين الأخلاق الفاضلة ومبادئ الخير وان يسعى إلى هدايته إلى العمل الصالح وفعل الخير والذي من خلاله يمكن أن ينال رضا الله سبحانه وتعالى وان يحاول أن يجعل الطالب على قناعة كاملة بان الإنسان الصالح ذو الأخلاق الفاضلة سوف ينال السعادة والاستقرار والطمأنينة في الحياة الدنيا ويفوز برضا الله سبحانه وتعالى ومغفرته وجنان الخلد والنعيم في الحياة الآخرة ويكون عنصرا فاعلا في محيطه الاجتماعي يساهم في بناء بلده والارتقاء به إلى مصاف الدول المتقدمة . وأن يكون عارفا ومقتنعا بأن ليس كل ما توصلت إليه الحضارة الغربية صحيح ويتلاءم مع ثقافة مجتمعنا ومعتقداته وحضارته وتقاليده ومبادئ ديننا الإسلامي الحنيف وان لا ينبهر بالحضارة الغربية ووسائل دعايتها وإغراءاتها وأساليبها الملتوية في محاولة تهديم البناء الأخلاقي والقيمي والعقائدي لمجتمعنا , بل على الأستاذ الجامعي أن يجعل الطالب ينتقي النافع من هذه الحضارة ويعمل على ترسيخه في شخصيته وان يبتعد عن الضار منها ويعمل على تحصين نفسه ومحيطه العائلي والاجتماعي منه .
والعنصر الأساس الآخر من عناصر العملية التعليمية في المؤسسة الجامعية الذي نحن بصدد التطرق إليه هنا هو المنهج الدراسي بمفهومه الواسع والذي يتكون من أربعة عناصر فرعية منه وهي الأهداف والمحتوى الدراسي وطرائق التدريس والتقويم . وهذا يقودنا إلى التفكير بضرورة الاستفادة من هذه العناصر ومحاولة توظيفها من قبل الجامعة في تكوين الأخلاق الفاضلة عند الطلبة .
ينبغي أن تتضمن الفلسفة العامة للجامعة والأهداف التربوية التي تضعها مضامين تشير إلى الاهتمام بالأخلاق الفاضلة والقيم الحميدة ومحاولة تنمية الجانب الوجداني والنفسي عند الطلبة على جوانب الخير والفضيلة والصلاح من خلال وضع أهداف سلوكية محددة ودقيقة وواضحة وقابلة التحقيق من اجل غرس وتكوين الأخلاق الفاضلة عند الطلبة والاستعانة بالأكاديميين وأصحاب الاختصاص ورجال الدين والذين يحاولون أن يضعوا أهدافا تربوية في هذا الاتجاه تتلاءم مع مبادئ وقيم الخير السماوية والدنيوية .
ولأجل تحقيق هذه الأهداف التي تم الإشارة إليها فلابد أن يتضمن المحتوى الدراسي الذي يتم تدريسه للطلبة على مفردات ومواضيع تساعد على تكوين الأخلاق الفاضلة عند الطلبة وتعزيز البناء القيمي الصالح وان يكون لهذه المفردات التي تتناول هذا المجال حيزا لا بأس به من الأهمية بالنسبة لباقي المعلومات والمعارف الأخرى . كما ينبغي أن يتم تناوله من قبل الأستاذ الجامعي أثناء عملية التدريس وكذلك خارج أوقات المحاضرات الاعتيادية من خلال جلسات الإرشاد والتوجيه التربوي مع الطلبة وفي أي فرصة أخرى يرى الأستاذ الجامعي أنها مناسبة لغرض توجيه الطلبة نحو الأخلاق الفاضلة ومحاولة تكوينها وغرسها في نفوسهم والتأكيد على جعلها جزءا أساسيا وسمة مميزة لشخصيتهم الإنسانية المتكاملة .
إذن لابد أن تتضمن طرائق وأساليب التدريس التي يستخدمها الأستاذ الجامعي داخل المحاضرات الاعتيادية حيزا لا بأس به لأجل تحقيق هذا الهدف وهو غرس وتكوين الأخلاق الفاضلة عند الطلبة . وبما إن عملية التدريس كما يقال عنها إنها فن ينبغي على الأستاذ الجامعي التفنن فيه وتغييره بصورة تتناسب مع الموقف التعليمي لغرض إيصال المادة العلمية والمعارف والأفكار التي يحاول إيصالها إلى الطلبة بأفضل صورة لغرض استيعابها والاستفادة منها في حياتهم العملية والاجتماعية في جوانبها المختلفة . حيث يفضل أن يتطرق الأستاذ الجامعي إلى موضوع الأخلاق الفاضلة وتعزيز الشعور الوطني والاعتزاز بالمبادئ الوطنية والدينية والحضارية للمجتمع وضرورة العمل على المحافظة عليها وإبعادها عن التشويه والزيف التي قد يلحق بها نتيجة تأثرها بالحضارة الغربية وثقافات الشعوب الأخرى .
ولابد أن تعزز عملية التقييم الأخلاق الفاضلة عند الطلبة من حيث كونها تتميز بالموضوعية والجدية وتبتعد عن المزاجية والأهواء الشخصية للأستاذ الجامعي أثناء عملية التصحيح . وكذلك على الأستاذ الجامعي أن يبعد الطالب عن الغش أو محاولته أثناء إجراء الاختبارات بمختلف أنواعها وان يرسخ في ذهنه عدم مشروعية الغش وكونه عملية منبوذة في الأعراف والمبادئ السماوية والدنيوية . وان يبين له أن الابتعاد عن الغش يعزز الأخلاق لديه ويجعله أنسانا صالحا يتصف بالخير والفضيلة ويكون من خلال ذلك قدوة للآخرين من زملائه والذين يتعايشون معه في محيطه الدراسي والاجتماعي .
وينبغي للجامعة أن توجه نشاطاتها اللاصفية مثل النشاطات الثقافية والإعلامية والفنية والرياضية والترفيهية وغيرها باتجاه تعزيز قيم الخير والصلاح وتعمل على توجيه الطلبة وهدايتهم من خلال هذه النشاطات إلى الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة التي يسعى المجتمع إلى تحقيقها . وان تكون برامجها ونشاطاتها الأخرى موجهه باتجاه هذا الهدف والذي من حلاله تستطيع أن تساهم في التنشئة الأخلاقية الصحيحة والفاضلة للطلبة وبالتالي أبناء المجتمع بصورة عامة .
هيئة التعليم التقني – المعهد التقني في الناصرية
[email protected]