17 نوفمبر، 2024 1:38 م
Search
Close this search box.

دور الإنتهازيين في السياسة والدين

دور الإنتهازيين في السياسة والدين

كثيرا ما عانت الأحزاب السياسية والدينية في مختلف دول العالم من تغلغل العناصر الطفيلية والإنتهازية، وتبؤها مراكز قيادية حساسة، دون ان تُتخذ الإجراءات اللازمة لمنع نشاطها وردعها، لأسباب مختلفة، مما تسبب باخفاقات وفشل الأحزاب في بلوغ الأهداف، التي وضعها وسعى من أجل تحقيقها المناضلون .

واذا مَثل الإتحاد السوفيتي ثمرة النضال الشاق والطويل، الذي لم تخلو دروبه من تضحيات مناضلي وأنصار الحزب الشيوعي الروسي والسوفيتي، لنقل النظرية الاقتصادية- السياسية الى التطبيق، فإن ما مثلهُ خطر العناصر الإنتهازية على الحزب كان كبيرا منذ انطلاق مسيرة بناء النظام الاشتراكي بعد ثورة اكتوبر1917 وحتى انهياره عام1991، وشكل أحد أسباب الانحراف والخيانة والردة تحت مُسميات ابتدعتها القوى المدعومة من قبل الإمبريالية والرأسمالية واللوبي الصهيوني، الذي خرج عن صمته بعد قرابة عقدين ونصف من انتهاء الحرب العالمية الثانية، لينشط في مرحلة ما زعم بأنها “الاشتراكية المتطورة”، ويبدأ بمطالبتة بحرية هجرة اليهود السوفيت الى فلسطين المحتلة أولا، وشراء المصانع ومناجم الذهب والألماس، وشركات النفط والغاز والكهرباء بأسعار بخسة من قبل أتباعه لاحقا، مستغلين تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية. (إعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، بالدور التخريبي لهذا اللوبي قائلا: لقد عملنا على إسقاط الاتحاد السوفيتي).

لم يُفرّق قائد الثورة البلشفية فلاديمير ايليتش لينين بين الخيانة بسبب الغباء والخيانة عن عمد. وقد حصلت كلا الخيانتين قبيل وأثناء انهيار الاتحاد السوفيتي، رافقتهما خلافات شخصية حادة بين كرباتشوف ويلتسين، وتردد باقي أعضاء القيادة الحزبية في اتخاذ القرارات الحاسمة ضد اولئك، الذين حرضوا على قلب النظام، وتواصلوا مع وسائل الاعلام والمخابرات الأجنبية المعادية، مما أدى الى افلات زمام المبادرة (19 آب 1989) ومسكها من قبل عصابة المرتد بوريس يلتسين، التي أقدمت على اتخاذ اجراءات تعسفية ضد الحزب، كان من بينها حضر نشاطه، واستخدام القوة لضرب البرلمان، واعتقال أعضاء لجنة الطوارئ، الذين لم يفرج عنهم حتى عام 1994 دون إعتراف بالذنب، لإصرارهم على أن ما قاموا به كان محاولة من أجل الحفاظ على الدولة ومنع انهيارها وتفككها.

أثناء لقاء مع نائب سكرتير الحزب الشيوعي الروسي،ايفان ايفانوفيتش ميلنيكوف، وجهتُ سؤالا :
ذكرتم “أن الحزب لم يعد قادرا حاليا على تغيير إتجاه السفينة 180 درجة، ولا حتى 90 درجة”. ألا تعتقدون بأن ربان السفينة (قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي) قد إرتكب خطأ فادحا منذ البداية بسوء إختياره لبحارته، خصوصا وأن بعضهم كانوا قراصنة، تمكنوا من السيطرة على هذه السفينة وتغيير إتجاهها، كما تبين لاحقا ؟.
“أتفق معكم تماما(الكلام لميلنيكوف) وأقولها بصراحة، بأنكم على حق. فقد حدثت أخطاء جسيمة إرتكبتها القيادات الحزبية،لا بل حدثت خيانات، ولولا ذلك، لما آلت الأمور الى ما نحن عليه الآن”.

وإذا وجدنا في هذه الإجابة الصريحة ما يدل على شجاعة الإعتراف بالأخطاء، فإننا لا نجد نظيرا لها في العديد من الأحزاب الشيوعية، التي عُرف عن قياداتها، الطاعة العمياء والتبعية المطلقة للقيادة السوفيتية، حتى ولو شكل ذلك، خطرا على الشيوعيين أنفسهم، ومثل تهديدا للمصالح الوطنية، كما كان الحال مع معظم قيادات الأحزاب الشيوعية العربية، التي كانت تحضى برعاية واهتمام خاص في موسكو.

لم تجر الرياحُ بما تشتهي سَفَنُ السلطة السوفيتية في سنوات حكمها الأخيرة، وتأرجحت سفينتها وسط عُباب بحر الركود الاقتصادي، دون ان تدرك شواطئ حلول الأزمات المعيشية، وانتشار مافيا الإجرام والسوق السوداء والرشاوى، فانحرفت عن المسار، وارتطمت بالصخور الكثار، وبان التصدع والإنكسار، ولاحت علامات الإنهيار، أمام أعين وانظار أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي،الذين سكتوا عن خونة الحزب والشعب، وساروا كالقطيع وراء ماسمي بالـ (بيريسترويكا–إعادة البناء) ثم انقلبوا، واصبحوا رؤساءً للجمهوريات، التي كانوا ينتمون اليها في فترة الحكم السوفيتي.

ما بعد الانهيار :
استوعب القليل من قيادات الاحزاب الشيوعية وقع الصدمة، وصمدت بوجه عواصف الردة والخيانة، بينما كشفت قيادات أخرى عن انحرافها وشذوذ سلوكها، بتبرير الاحتلال الأمريكي وتحالفها مع القوى السياسية والدينية المشبوهة (العراق)، وتواطؤها مع الفصائل الإرهابية (سوريا) بحجة استحالة القضاء على الأنظمة الدكتاتورية.
لعب الفاشلون والإنتهازيون دورا قذرا في الوصول الى ما آلت اليه الأمور، واحترفوا الدجل والنفاق السياسي والديني، ونشروا الفرقة وسموم التفرقة الطائفية والفتاوى، التي يندى لها الجبين .
شعر الملايين بالإحباط، وكادوا يفقدون الأمل في تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي، وكبح جماح وطماح الإمبريالية الأمريكية، لولا ثبات المناضلين ووفائهم لمبادئ الاشتراكية، وتصميمهم على النهوض وتكملة المسيرة من أجل الغد السعيد .

أحدث المقالات