نظريا؛ ووفقا لما ذكرته مراجع الإعلام المتعدةة حول نظريات الاتصال، فإن للإعلام المرئي صفة تميزه عن باقي وسائل الإعلام المتعارف عليها كالمسموعة والمقروءة، ويعني الإعلام المرئي هو تلك الشاشة المتواجدة في كافة الأماكن العامة والخاصة على مستوى العالم، وتعد وسائل الإعلام المرئية أهم محفز ودافع لتوجيه الأفراد لتكوين رأي ما وفقا لما يسمى في نظريات الاتصال بـ ” التأثير” أو “الإقناع”، وهو بالتالي ما يؤثر في وجدان المشاهد راشدا كان أم مراهقا ليحدث لديه الاقتناع التام بما يعرض أمامه، وعند ازدياد الآراء المؤيدة أو المعارضة لموضوع ما، هنا يتشكل ما يسمى بـ “الرأي العام”، الذي يسود مجموعة متباينة من فئات الأفراد الاجتماعية والعمرية والاقتصادية والفكرية داخل حدود الدولة، ولإيجاد رأي عام، لابد من توفر مجموعة من العوامل؛ منها القدرة على الإجابة عن أكثر التساؤلات إثارة للجدل بما تقتضيه الحياة اليومية من أحداث وتفاعلات.
أما بالنسبة لما يسجله واقع الحياة، نجد أن للتليفزيون دور هام وفعال جدا لدى معظم إن لم يكن كل أفراد الشعب داخل الدولة الواحدة، وهذا يعود لعدة أسباب أهمها أن التليفزيون يخاطب فئات فكرية وعمرية كثيرة، المفكر والمتعلم والأمي، الأطفال والمراهقون والشباب وحتى كبار السن، ويتُوجّه مضمونه إلى كافة الفئات الاجتماعية، وأن التليفزيون أصبح من السهل اقتناءه في أي مكان إلى جانب سرعة وتيسر وصول إشارات إرساله حتى إلى المناطق النائية، ويعتمد التليفزيون بشكل كبير على حاسة البصر وهو ما يخوله على إبهار المشاهد بما يقدمه بشكل شيق وجذاب لكافة الحواس الأخرى أيا كان ما يعرضه من مواضيع سياسية واقتصادية واجتماعية وحتى الأعمال الترفيهية، أما أخطر الطرق وأكثرها فعالية وتأثيرا، أن التليفزيون بالرغم من مميزاته المتعددة في عرض للمعلومات وسرعة توصيلها بشكل جاذب للأنظارومفهوم، إلا أنه وسيلة إعلام سلبية لا تشغل المشاهد بالتفكير فيما يقال وإنما تكتفي بعرض المعلومات، وهو ما ينطبع في منطقة اللاوعي بأنه حقيقة واقعة، بمساعدة المؤثرات السمعية والبصرية وطريقة عرض المضمون الجذابة، بل وتجعله يتبنى وجهة النظر المعروضة أمامه، وهذه النقطة تحديدا هي التي تهتم باللعب عليها معظم الجهات السيادية والحكومية، وذات النفوذ أو حتى مالكي القنوات الفضائية، ومقدمي البرامج بهدف إثارة إنتباه المشاهد، فأصبح بالإمكان لأي فرد يرغب في توجيه مضمون ما بشكل يؤيد اتجاهاته وما يخدم مصالحه الشخصية، أن يبث قناته الخاصة ويعرض عليها ما يتوافق مع اهتماماته، ولكلٍ طريقته الخاصة في إقناع المشاهد بما يعرضه منها، ولعل أشهرها مانراه بشكل يومي من ساحات الجدل الواسعة التي انتشرت مؤخرا وأصبحت تبث على الهواء بين الضيوف، والتي قد تتطاول أحيانا إلى المشادات الكلامية وتبادل الاتهامات والقذائع بين الرأي والرأي والرأي الآخر، وهو ما يجذب انتباه المشاهد ليعتريه الفضول حول ما يثير هذا الكم من الجدل، ويقتنع بأهمية هذه القضية لتشغل أقصى اهتماماته، برغم أنها واقعيا لا تثير أي أي نوع من الاهتمام، وحقا مثل هذه القضايا يكون معظمها مجردة من أي معنى ومنطق، فقط اكتسبت أهميتها مما تتسبب به من نشوب المشادات التي قد تتطاول أحيانا للسب وتبادل الاتهامات بشكل درامي. وللحكومات دور هام في تشكيل الرأي العام للبلاد أيضا، خاصة بعض الدول العربية، تلك التي يتمتع فيها الحكام بحصانة رئاسية وملكية تخول للفرد فيهم بأن يسيطر على الإعلام الحكومي ككل، وليس التليفزيون فقط عن طريق بث مضامين وأخبار تؤازر حكوماتهم وتطلعاتهم بما يسمي إعلاميا بـ “قنوات ذهب الرئيس عاد الرئيس”، أي التي تقتصر فقط على الأخبار الحكومية وما يشابهها من أخبار تدعم النظام الحاكم، متجاهلة الأحداث الواقعية اليومية التي تشهدها الساحات والميادين، وهو بالتالي ما جعل الشعوب مخدرة لفترة من الزمان اثر تعرضهم لجرعات مركزة من الأحداث التي تبقي الناس في حالة انشغال بمجريات الحياة اليومية ومشاكلها، لتكون رأي عام حول بعض العناوين الفرعية لتبقى العناوين الرئيسية بعيدا عن شاشات التليفزيون . إن العلاقة بين الإعلام المرئي المتمثل في التليفزيون وبين كيفية تكوين وتشكيل الرأي العام وطيدة ومتعمقة في جذور البيوت التي يتجمع حولها أفراد الأسرة وسيلة التثقيف والترفيه المتاحة لديهم، والتي لها مطلق حرية الدخول في وجدانهم قبل أبوابهم، وتؤثر في مستقبل البلاد وسيادتها، وهو – بالمناسبة – السلاح الأخطر على الإطلاق الذي تستخدمه بعض الدول العربية والغربية لاقتحام العقول والتأثير فيها.