بعد أن كان العراق دار سلام ووئام يؤمه السواح والزوار من كل فج عميق، بات اليوم من شماله الى جنوبه ساحة حرب متعددة الوجوه والأسباب والنتائج والتداعيات، وليس من مصلحة شعبه أن تُثار مشاكل وقلاقل جديدة لايحتملها الوضع المتأزم، فأمام ما تقوم به قوى الشر الغازية من خارج الحدود بإسالة دماء عراقية بريئة، وابتلاع أراض شاسعة لايوجد عذر لجهة سياسية عراقية بالتنحي جانبا وأخذ موقف الحياد، إذ على السياسيين جميعا اتخاذ الخطوات التي تبعد هذا الشر أولا، ومن ثم العمل في سلم الأولويات فيما يخص جداول أعمالهم. لكن الذي يحدث غير هذا تماما، حيث أن بعض الساسة مشتركون بهدف واحد ونية واحدة، هي القضاء على كل ما من شأنه النهوض بالعملية السياسية، والسير بها باتجاهها الصحيح للالتفات بجد الى البناء والإعمار.
وأول المعرقلات التي يتبعها هؤلاء هي وضع المطبات في طريق تغيير الوزراء، هذا الطريق الذي بدأ رئيس وزرائنا الخوض في لجه، والسير في دهاليزه المظلمة، وماظلمتها إلا بفعل فاعل بل هم فاعلون. ولما كان “كل حزب بما لديهم فرحون”..! فإن الكتل والأحزاب في الساحة السياسية، توقن تماما أن أفراحها التي نالتها منذ تسنمها مراكز التسلط في مؤسسات البلد، ستنقلب أتراحا إن تم التغيير كما مرسوم له. كما أنها -الكتل والأحزاب- ترى بعين المصلحة الفئوية والأنانية فقط، أما عين المسؤولية والمهنية فقد عميت ولم تعد ترى ما يفترض رؤيته من الأسوياء والأصحاء، إذ لاتحلو لهم النتائج المرسومة من التغيير، ولا تناسب طموحاتهم ونياتهم المبيتة منذ حين. وأول خطوة لهم في التأخير لم تكن في العلن وتحت ضوء النهار، بل اختاروا أسلوب التخفي والمخاتلة ودس المخططات والمكائد على أصنافها وأنواعها، ليس أولها التسقيط، كما ليس آخرها الاتهام، والأخير بدوره يأخذ من الوجوه اشكالا متعددة، لاتبدأ هي الأخرى بالسرقات، ولاتنتهي بالتآمر والعداء للمسيرة السياسية. وبين التسقيط والاتهام يرمي رؤساء الكتل والأحزاب وأعضاؤها شباكهم، لعل صيدا يفوزون به، وطبعا مصائب قوم عند قوم فوائد، فما يفوزون به هو خسران للمواطن وأيما خسران. وبصريح العبارة يمكن القول أن الحرب على العراق مقسمة الأدوار، بحسب المكان والزمان والصيغة والأسلوب، فداعش تتولى إسالة الدم بكل وقاحة وصلافة من دون وازع أخلاقي او ديني او إنساني او عرفي، وهذا أمر طبيعي، إذ ماالمرجو من العدو غير هذه التصرفات مجتمعة. أما (حبال المضيف) وهي الأحزاب والكتل السياسية المتصيدة في عكر المياه، فإنها تتولى جملة أمور، أولها إفساد خطط الإصلاح والتغيير المزمع تنفيذها، ثانيها فسح المجال زمنيا أمام القوى المسلحة المتمثلة بداعش، كي ترسخ وجودها في المدن المسلوبة، فتمتد بالتالي أذرع جهات أخرى لها مصالح في ضياع العراق تاريخيا وجغرافيا وحضاريا فتعبث بها، أما ثالثها فهو ضرب عصفورين او ثلاثة بحجر واحد، وهي جملة المكاسب المادية والدنيوية الرخيصة، التي توزع بين أعضائها، بعد صبرهم الذي طال أمده وخرج عن سقف تحملهم الزمني، إذ مازال في الخزينة العراقية نزر مما يحلمون باحتوائه وضمه الى أرصدتهم المتخمة، وقادم الأيام كفيل بتحقيق أملهم او بخيبتهم فيه، وهذا الأمر تقع مهمة البت بنتائجه أولا وأخيرا بيد رئيس الوزراء.
[email protected]