كما للماء دورته في الطبيعة التي نعرفها فكذلك للفساد دورته في العراق وان كنت أتعبت نفسي في البحث عن نقطة البداية والمنشأ للفساد العراقي المحسن لكن لم يحالفني الحظ الى التوصل اليها لأنها دائرة مستديرة مغلقة تماما لا بداية لها و لا نهاية ولكن يبقى هنالك تفاوت في مستوى الفساد فلا يمكن ان نساوي بين فساد موظف صغير وفساد مسؤول كبير او فساد مسؤول كبير جدا . فعلى قدر اهل الفساد تأتي العزائم والولائم و الصفقات و الكومنشات. ولكن يبقى جميع المفسدين صغيرهم وكبيرهم ضعيفهم وسمينهم طويلهم و قصيرهم يشتركون بالفساد والسرقة وأكل الحرام فلا يغرنكم تلك الشتائم وتداول الفضائح ولعن الفساد والمفسدين على السنة البعض فكل هذا ينبع من منطلق … حسد عيشة … فلو استبدلت الادوار لأجاد الناقدين للمفسدين أدوار أفضل و لكانت سرقاتهم أكبر لانهم سيبدئون بناء أمبراطورياتهم من الصفر و لهذا كان اغلب الناس لا يرغبون بجلب سراق جدد فلعل القديم يصل حد التخمة و الشبع و ( ينكسر خاطره ) على الفقراء فيلتفت اليهم أما اذا جائنا ( الجوعان ) فسيحتاج الى سرقات كبيرة ليلتحق بركب أخوته الذين سبقوه بالفساد .. الغريب و العجيب في الامر أني وجدت في التراث العراقي أنهم أي العراقيين يحترمون و يقدرون ( الحرامي ) و يعتبرونه شخصية شجاعة و أنه شاطر و ذكي فتراهم يتداولون قصص ابرز اللصوص و كيفية سرقتهم للبيوت دون أن يعرف صاحب البيت أنه سُرق الا في الصباح أو عن نخوة ذلك الحرامي الذي دخل البيت ليسرق و لكنه تذوق الملح بالخطأ فرفض أن يسرق من أهله لأن ( صار بينهم زاد و ملح ) فلا يوجد (عيب) عند الحرامي في العقل اللاواعي الجمعي العراقي بل هو أمتياز يقدر به فكيف اذا كان هذا اللص مسؤول بيده سلطة ما أو موظفاً بيده تسيير المعاملات طبعاً يكون مادة دسمة للتملق و المدح الفارغ و سيتسابق البعض من فصيلة الوصوليين لينبطح تحته و يمدحه في العلن و ان كان يسبه و يقدحه في السر ,
فعلينا أولاً و مسبقاً أن نعترف بمساوئنا التي أنتجت هذا المنتج الفاسد في كل مفاصل البلد و أن نغير بعض مبادئنا التي أستورثناها من الاجيال السابقة فبدل أن نلعن المفسدين فلنسأل أنفسنا لو كنا مكانهم هل سنحافظ على الامانة و نثبت أمام المغريات الدنيوية و نعتبر ما نأخذه بغير حق ( حرام ) و لا يجوز و هو خطأ و باطل و سيعود اثره علينا في الدنيا (سواءاً من أكل الحرام و اثاره السلبية على الفرد و عائلته أو في المنظومة الاجتماعية التي سيعود اي خلل فيها على كل المجتمع و هو مفردة من هذا المجتمع ) و كذلك العقاب في الاخرة الذي ننساه أو نتناساه و نبرر لسرقاتنا و الاعذار متوفرة فالنفس الامارة بالسوء لن تجد صعوبة في التبرير فهذه مهمتها و لكن مهمتنا تصحيح الاخطاء و علاج الامراض و أول خطوة بأتجاه العلاج و التصحيح هو الاعتراف بأننا مرضى ، حتى يمكن أن نتقبل العلاج فيما بعد ، و دمتم سالمين .