23 ديسمبر، 2024 10:49 م

دورالعبادة في ترسيخ عقيدة التوحيد

دورالعبادة في ترسيخ عقيدة التوحيد

ذكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس) في كتاب نظرة عامة في العبادات ما مضمونه ” أن نظام العبادات يمثل وجه الشريعة الثابت فصيغة العبادة ظلت ثابتة لم تتغير و لم تتأثر بسبب التطور التقني”
و العبادة هي علاج و إشباع لحاجات إنسانية ثابتة لأن العلاج بالثابت يستبطن أن الحاجة ثابتة……
و قد قيد السيد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس) هذه الحاجات بالإنسانية أي أنها من مختصات الإنسان العاقل المختار، فهي حاجات ضرورية لظاهرة الاختيار التي بها صار الإنسان خليفة الله في الأرض…….
و يذكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس) في نفس الكتاب مبيناً أول تلك الحاجات الإنسانية الثابتة وهي حاجة الارتباط بالمطلق : – بمعنى احتياج النسبي المحدود للارتباط بالمطلق اللامتناهي…
وبطبيعة الحال أن المطلق هو الله سبحانه وتعالى ولا يوجد مطلق آخر غيره إطلاقا والإيمان بالله وحده لا شريك له يمثل الارتباط بالمطلق…ولابد أن لا يكون هذا الإيمان عن تقليد لأن التقليد في أصول الدين لا يصح ولا يجوز وإنما لابد من تحصيل القناعة واليقين عن طريق اجتهاد الفرد نفسه…….
وكثيرا ما يخطأ الإنسان في الارتباط بالمطلق ولذلك ذكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس) في نفس الكتاب ما مضمونه (” أن جميع المشاكل الإنسانية على مسرح الحياة بتعددها و تنوعها لو نفذنا إلى جوهرها نجدها عبارة عن مشكلتين لا أكثر و هما :مشكلة اللاانتماء ومشكلة الغلو في الانتماء”)
وتوخياً للفائدة لابد من توضيح كلا المشكلتين:-
فالمشكلة الأولى : – اللاانتماء التي تعبر عنها الشريعة بالإلحاد….. إن الإنسان الملحد لا ينتمي إلى المطلق الحق ولا لأي شيء!!! نجده حراً يفعل ما يشاء يقتل و يجرم…..الخ وقد يؤدي به الأمر إلى الانتحار!!!! فعدم الانتماء يعيق حركة الإنسان التكاملية فيجعله كريشة في مهب الريح…..
المشكلة الثانية : – الغلو في الانتماء و هو تحويل النسبي إلى مطلق مزيف عن طريق المبالغة والغلو في الانتماء لهذا النسبي….. فالمال أو العلم أو القبيلة أو أي شئ آخر نسبي يتطلب انتماء نسبي من قبل الإنسان ولكن الإنسان قد يغلو ويبالغ في هذا الانتماء إلى درجة يتحول هذا النسبي إلى مطلق مزيف (صنم) وهذه المشكلة عبرت عنها الشريعة بالشرك……..
وهاتان المشكلتان هما السبب الرئيسي في نشوء هذا الكم الكبير المتنوع من المشاكل على مسرح الحياة الاجتماعية والفردية و الشخصية…….
إن الدين يرشد الإنسان إلى فطرته التي تدعوه إلى الارتباط بالمطلق الحق سبحانه وتعالى ،وعندما يربط والإنسان مسيرته بالمطلق الحق اللامتناهي فسوف تكون حركة الإنسان نحو المطلق الحق حركة جهادية ضد كل ظلم و كل جهل و كل عجز وكل ضعف لأن المطلق الحق هو الكمال المطلق الذي كله عدل كله علم كله قدرة كله قوة…..
ومن خلال هذه الحركة التكاملية يرتقي الإنسان بدرجات الكمال اللامتناهية…, وكلما طرق الإنسان أو المجتمع درجة من درجات الكمال انفتحت أمامه درجات لا متناهية من الكمال…..
فالعبادة تلعب دورا رئيسياً في ترسيخ الارتباط بالمطلق(الإيمان بالله) لان بالعبادة يرتقي الإنسان والمجتمع تلك الدرجات ” وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين ” و حيث أن درجات اليقين لا متناهية و بالتالي سوف تكون العبادة و الحاجة إليها حاجة ضرورية ومستمرة فالعبادة هي علاقة بين الإنسان وربه و هذه علاقة لا يصـح و لا يصدق عليها مفهوم الغلو بالانتماء لأنها علاقة النسبي بالمطلق و نسبة النسبي المتناهي إلى المطلق ( اللامتناهي ) هي صفر,,…إن مفهوم الغلو في الانتماء يكون بين النسبي المتناهي و النسبي المتناهي الآخر….
إن علاقة الإنسان بربه لها دور تربوي في توجيه علاقة الإنسان بأخيه الإنسان ( النسبي بالنسبي ) و بالتالي سوف تعالج هذه العلاقة ( أي علاقة الإنسان بربه ) التي تمثل الارتباط بالمطلق الحق سبحانه وتعالى تعالج مشكلة الإلحاد ” اللانتماء ” من جهة و مشكلة الشرك ” الغلو بالانتماء ” من جهة أخرى… وسوف يتم علاج كل المشاكل المتفرعة من هاتين المشكلتين (الإلحاد والشرك)
و علاقة الإنسان بالله سبحانه وتعالى تزداد رسوخاً و عمقاً من خلال العبادة التي يشترط أن تكون عن نية مخلصة خالية من العجب والرياء….
و حيث أن درجات الإخلاص واليقين متفاوتة بالشدة والضعف فسوف يختلف العطاء سعةً و ضيقاً كل بحسب إخلاصه وتوحيده…..
أن عقيدة التوحيد في الإسلام هي الارتباط بالمطلق الحق…فالشريعة طرحت شعار ” لا اله إلا الله”….لإرشاد الناس جميعا إلى المطلق الحق سبحانه الذي تنزع إليه فطرة الإنسان (أي إنسان) أما العبادة فدورها يكمن في ترسيخ وتعميق هذا الارتباط ولولا العبادة لزال أو ضعف هذا الارتباط وهذا ما قد حصل بالفعل لملايين الناس من غير المسلمين مع شديد الأسف!!!!
فالعابد الموحد أو الموحد العابد نجده يجسد التوحيد في تصرفاته و مواقفه ….. و حيث أن هناك درجات متفاوتة في اليقين و الإخلاص كذلك هناك درجات أيضا متفاوتة بالشرك فهناك شرك صريح و شرك خفي بل أن هناك درجات من الشرك الخفي لا يصرّح بها العرفاء لأنها:-
أولاً : لا يمكن إدراكها إلا بدرجة عالية من اليقين والعبادة و التوحيد فسوف يرفضها و ينفيها من يكون مستواه أدنى في اليقين والعبادة!!!!
ثانياً :إن إخبار عامة الناس بها يؤدي إلى نتائج سلوكية سلبية منحرفة ضالة وهذا هو الحد الفاصل بين الظاهر و الباطن….
و من هنا يتضح أن الإنسان يختلف في درجات التوحيد و الإخلاص بالرغم من كون صيغة العبادة ثابتة واحـدة!!!!
و نلاحظ أيضا أن الدرجات العليا في التوحيد والإخلاص واليقين تكون من حصة القلائل!!!!!
و أما سائر الناس يكتفون بأقل من ذلك و هذا الفرق هو الذي جعل بعض الأفراد قادة مخلصين والآخرين رعية صالحة.