على العشب الأخضر يستلقي الأسد مطمئنا هادئا بعد أن شبع من الفريسة ولم يبق منها سوى القليل، كان المساء قد حل للتو، وكانت اللبوة المفعمة بالحيوية والرغبة بمليكها الأسد تمسح بشفتيها على جلده الأملس، وقد أخذت حصتها بالكامل فهي زوجة الملك يعني هي الملكة المتوجة التي لاقرار يعلو على قرارها سوى قرار الأسد القوي المسيطر.
كانت الفريسة ثورا بريا سمينا إحتوشته الأسود وإنهكته بعد أن جرى طويلا ثم إنفصل عن القطيع وصار وحيدا يعدو بلاأمل فقوته تخور ولم يعد ممكنا النجاة وليس له من امل في البقاء شوى ان يقاوم حتى النهاية ثم يستسلم لقانون الطبيعة القاس المتجبر الذي يجعل منه على الدوام فريسة معدة للإلتهام من قبل الوحوش في البرية، كانت الضباع وبنات آوى تتقاسم مابقي من الثور البري، وكانت الطيور الجارحة تحلق في السماء صبيحة اليوم التالي لتحاول النزول عندما تحين الفرصة لتنال حصتها، وكانت الديدان في الأرض تنتشر وكأنها تعلم بالحدث الكبير في الجوار، وصارت تجتمع من جهات عدة وتتقدم جهة العظام وبقايا الجلد ومايمكن أن تزهد فيه تلك المسميات لتعتاش عليها وتحصل على طعامها المقسوم.
تبدو البلاد العربية مثل ذلك الثور الذي نهشته الأسود والضباع والطيور الجوارح والديدان ومايمكن أن يكون قد إستغل الفرصة السانحة، بينما الدول الكبرى العظيمة هي تلك الوحوش الضواري التي إصطادت ذلك الوطن ونهشته وجعلت منه طعما وطعاما يستساغ. فالوحوش والدول الكبرى قد أخذت ماتريد من جسد ذلك الوطن وتوزع لحمه بينها واللحم هو تلك الخيرات من نفوط وزروع ومياه ومعادن وسياسات ومستقبل، بينما يجئ الناهشون الذين يشبهون حال الديدان والطيور والضباع الذين يتمثلون بدول الجوار والدول الإقليمية التي تطمع بخيرات تلك الأوطان المقهورة، ولايكون من وصف للصوص المحليين والساسة إلا ان يتصفوا بصفات الدود حيث يتناولون مابقي من طعام لاقيمة له سوى إنه يسد ثغرة الجوع، بعد أن راقبوا من بعيد كيف تنهش أوطانهم ولتكون نفوسهم الدنيئة حاظا لهم على الإسراع الى الجثة ونهشها دون النظر في حال البقية من الديدان أو المواطنين.
هذا ماجرى بالضبط للعراق الذي إحتلته أمريكا، ونهبته الدول الكبرى والصغرى، بينما قام الفاسدون فيه بدور الدودة الشريطية التي تلتهم داخل الأمعاء.