23 ديسمبر، 2024 11:29 ص

دوامة الفشل العراقي..وبساتين العبوات الناسفة

دوامة الفشل العراقي..وبساتين العبوات الناسفة

اخذت واقعة الدجيل مأخذها في اروقة المحاكم الجنائية الخاصة بمحاكمة الطاغية المقبور صدام وجلاوزته المجرمين,وبقيت صورة تجريف بساتين تلك المنطقة عالقة في الاذهان,فهي الفيء الذي يفيض بخيراته الموسمية على بقية مدن العراق,والامل الباق بعد غياب سواد النخيل عن بلاد الرافدين,

وللقدر والزمن احكام,عاد احفاد البعث البائد ليجعلوا من الاراضي الخصبة المحيطة ببغداد(جرف الصخر-النصر),وبقية المحافظات كديالى والموصل والاقضية التابعة لها مزارع للعبوات الناسفة,بل زحفت اقدامهم القذرة الى كل ارض الوطن,فبغداد تأن من اوساخهم وامراضهم وعقدهم النفسية والشخصية(السيارات المفخخة والعبوات والاحزمة الناسفة),كل هذه المنحدرات الاجتماعية سببها واحد, البيئة والموروث والتقاليد القبلية المتخلفة,والثقافة المشتتة المنعزلة عن المجتمع,التي اوصلتنا الى الواقع المأساوي الذي نعيشه اليوم,تحت حقيقة لانخجل من ذكرها بقصد الاصلاح,

نحن شعب فاشل(نمتلك الحضارة والتاريخ والامكانات من الثروات والموارد البشرية والطبيعية ولكننا في دولة الفوضى من اكثر من ستة او ثمانية عقود),لايستحي الانسان من اعطاء الوصف المناسب لواقعه ,ومجتمعه وتجارب شعبه او نخبه الفاشله المتكررة,بالامس كنا نقول ان صدام والبعثيين تربية شوارع,وقبلهم قلنا عن نوري السعيد وجماعة الملك فيصل (ضباط العهد العثماني) عملاء الاستعمار,واليوم لانعرف مانقول ,فنحن في دولة الحكومات التوافقية الاتحادية العربية الكردية الشيعية السنية الاثنية الطائفية العرقية الفيدرالية…..الخ.

كيف يتم التقييم السياسي من قبل الشارع العراقي للمراحل المتوالية لتجاربهم الحكومية,ففي كل الديمقراطيات هناك مراجعات جماهيرية,يحصل تغير واضح بين حكومة واخرى,اي بين برنامج حكومي لحزب معين ,ووجهة نظر قيادته من جهة, وبين الرأي المعاكس او المنافس لهم للحزب المقابل من جهة ,

مايحصل في العراق تشويش وتلاعب وتزوير للرأي السياسي العام,تتدخل فيه كل القوى السياسية المتنافسة في الانتخابات البرلمانية او المحلية,مع وجود عملية تلاعب كبيرة تقوم بها الارادات الخارجية والداخلية(مراجع الدين والانتماءات القبلية والعشائرية)فيه بقوة,تعمل على تغيير مسار ووجهة المصالح الوطنية العليا,وتمارس تخريبا منظما للبناء السياسي الديمقراطي الجديد,جاعلة من شماعة الانهيار الامني حجة وغطاءا شرعيا لسرقة ثروات البلد ,لتركه للفراغ المفتوح بلا ثوابت دستورية او قانونية,كجبل من الركام نائما فوق بركان الازمات والتوترات والفتن الداخلية,

فبعد كوارث السقوط المتوالي لبعض المحافظات والمدن العراقية,واحتلالها من قبل داعش والمتعاونين معهم الخونة العملاء,واصدار مرجعية النجف الاشرف فتوى الانقاذ الوطني(الجهاد الكفائي),واندفاع اهالي الجنوب العراقي نحو المناطق المحتلة,حيث سجلوا اروع الملاحم البطولية في معركة تحرير جرف الصخر-النصر,وتقدمهم المتواصل نحو محافظة الانبار وتكريت,

تخرج علينا بعض الاصوات النشاز مدعية ان الحشد الجهادي مليشيات(مدعين ان البعض منهم يقوم بعمليات ابتزاز وسرقات)تمارس الابتزاز,وهذا تشويه واضح للحقائق الموجودة على ارض المعركة,نعم قد تظهر بعض العصابات تمارس هذه الافعال الاجرامية ,لكنها بالطبع ليست مجاميع جهادية انما عصابات الجريمة المنظمة,ومع ذلك بدأت الكتل السياسية الحاكمة تتضايق من انجازات تلك القوات البطلة,والتردد في استيعابها في الاجهزة الامنية والعسكرية(نقل لي شخص يقول دخلت مشفى احدى المحافظات الجنوبية فوجدت اعداد كبيرة من قوات الحشد الشعبي مبتورة الاطراف,فضلا عن شوارعها المملوءة بفواتح الشهداء),ولعل الكل سمع بقصة ابناء اخ وزير النقل السيد باقر صولاغ,وكيف تبرأ الرجل منهم مطالبا القضاء بانزال اقصى العقوبات بحقهم(علما انه هو كما يبدوا قد دمجهم في سلك الداخلية),وقد تبرأ قبله السيد عادل عبد المهدي(الذي شطح شطحة نفطية لاسابق لها, في اعلان الاتفاق مع الجانب الكردي,فتبين ان الاتفاق احادي الجانب,بعد ان سلم الزيباري اموال الشعب العراقي الى حكومة اخواله البرزانيين) من حمايته في حادثة سرقة بنك الزوية(ولااعلم كيف التصق هذا الحظ العاثر بسمعة المجلس الاعلى..لعل الله سبحانه يريد للسيد عمار الحكيم ان يترك السياسة, كما فعل قبله السيد مقتدى ويتجه للدراسة الحوزوية الدينية),

بينما نجد في الجانب الاخر فضائح مخجلة ومخزية حول الاسماء الوظيفية الوهمية,فقد صرح السيد العبادي من تحت قبة البرلمان بأن اكثر من خمسين الف رجل امن فضائي, كانوا يستلمون الرواتب في عهد رئيس الوزراء السابق (المالكي),والانكى من ذلك ان بعض ممثلي الشعب كانوا ايضا يستغلون رواتب حماياتهم, فيسرقون قسما منها تحت حجة المصاريف,مع تسجيل رقم قياسي بعدد الشركات المملوكة للسياسيين, من وزراء وسفراء ومحافظين واعضاء مجالس المحافظات والبرلمان ,والموظفين من الاطباء والمهندسين الخ.),لدولة تحولت من النظام الشبه الاحتكاري الحكومي (القطاع العام-الاشتراكي)الى السوق الحرة(القطاع الخاص الحكومي) بعد عام 2003,هذه العثرات المتكررة للشعب وكتله الممثلة في البرلمان ,تعكس كما قلنا صورة الفشل العراقي العام,تتحمل تبعاءته كل شرائح المجتمع المثقفة,التي عجزت عن انقاذ ابناء بلدهم من الفشل,

واذكر انني رميت ذات مرة منزعجا برواية غائب طعمة فرمان على الطاولة ,في رحل بحث طويلة عن الثقافة العراقية الحرة, المتناغمة مع الاحداث اليومية (عدت الى البيت ..ففتحت الثلاجة.. واذا ببيرة مثلجة..في الستينيات او السبعينيات القرن الماضي),انه يكتب للشيوعيين وليس للعراقيين او المجتمع,

ولكن اتذكر جيدا اني استمتعت بالعديد من الروايات العالمية,واعجبت كثيرا بالروايات العفوية,حكايات طبيعية كأنها كتاب روائي او اشبه برواية سردية تتحدث عن بيوت الملوك والفقراء ,قرأت ذات مرة مذكرات لكنها رواية بتحرير الكاتب فائق الشيخ علي “مذكرات وريثة العرش..مذكرات السيدة بديعة شقيقة الوصي عبد الاله”,فهي تنقل لك ادق التفاصيل الواقعية لحياة العائلة المالكة والمجتمع العراقي, بعيدا عن التصنع او التكلف,عرفت حينها ان الرواية الحقيقية هي تلك الموجودة في احاديث السطوح المكشوفة والابواب والنوافذ المفتوحة,احاديث الجد والجدة(حكايات المدن والحارات-وبيوت الجيران),هذه الحالة او هذان المثالان يعطيان صورة تقريبية للفشل الثقافي العراقي,بين مثقف لايرى شيئا في بلده غير قناعاته الشخصية او الفكرية الاحادية,وبين اخرين يرون كل شيء امامهم بعين واحدة,لكنهم منسيين ,الذي انتج لنا نخب اجتماعية وسياسية فاشلة بامتياز,فالهرم او الجدران السوداء العازلة بين النخب الثقافية وبين المجتمع,تسببت باتساع الهوة بينهما,وانهيار هذا المجتمع بالكامل,

قالوا ان فشل المواطنين في اختيار ممثليهم في المجالس المحلية والمركزية يحتاج الى وقت ,وان تواضع الخبرات للسياسي العراقي ستتطور بمرور الزمن,وسيأتي جيلا اخرينهض بمهمة احياء واعادة بناء هذا البلد,

لكن مانراه لايعطي اي اشارة او املا بالمستقبل القريب,الاكراد يعملون في العلن نحو مرحلة كونفدرلة العراق,وصولا الى يوم الانفصال العرقي(تحت شعار حق تقرير مصير الاكراد),

والسنة العرب بعد ان تورطوا في دعم المجاميع الارهابية(مايسمى بثوار العشائر الطائفية),وانكوى ابنائهم بنار داعش واحكامه البربرية,ولخوفهم من زنى نكاح الدواعش,انتفض قسم منهم لمقاتلتهم ,ولكن لايمكن ضمان بقاءهم الى جانب الصف الوطني بشكل دائم,

اما الشيعة (العراقيين تحديدا)فهذه طائفة لاتعرف ماتريد,فاغلب ممثليهم في البرلمان ومجالس المحافظات من الاحزاب الاسلامية(حزب الدعوة-المجلس الاعلى-التيار الصدري-جماعة بدر-جماعة الاشيقر الجعفري-الفضيلة,الخ.),والغريب ان نسبة الفساد المالي والاداري والوظيفي تحت سلطتهم كبير جدا ,اسوة ببقية الطوائف والكتل البرلمانية

المؤتلفة معهم,دخلت عليهم بعض الفرق المتطرفة المحوسبة على التشيع(اصحاب بدعة التطبير وضرب السلاسل,والتطيين,ولطم الوجوه والصدور بشكل جنوني,والسير على الشوك ,وتمثيلية الاسد,المشاية اي قطع مئات الكيلومترات الى كربلاء,الخ.),فغيرت من عقائدهم وطباعهم وعقولهم,حتى صارت حياتهم العملية عاشوراء,الذي تتوقف فيه بشكل شبه تام دوائر الدولة ومؤسساتها عن العمل,وكأننا في مدينة فاضلة لافساد اخلاقي او مالي او اداري او عشائري فيها…..الخ.

دوامة الفشل مستمرة بشكل مدمر, لان من يعتزم النزول الى الشارع(من مفكرين ومثقفين واكاديميين وكفاءات متعددة) للبدء في مرحلة الاصلاح الجذري للواقع العراقي,يصطدم بسواتر وحواجز سياسية واجتماعية وبيئية صلبة لايمكن تحريكها بسهولة,لايوجد احد في الدولة او خارج اسوارها من يمتلك قوة التحرك اولديه ارادة وادوات التغيير,بل بات المواطن العراقي يكره سماع اراء ومقترحات وطموحات هذه النخب الوطنية المخلصة ولايتمنى حتى رؤيتها,اذن اين ومتى ومن اي مكان سنبدأ بالتغيير,

بالموروث القبلي,بالاحزاب والحركات والتيارات السياسية,بالمدرسة والبيت,برجال الدين ,بالمعتقدات والخرافات والطقوس,بالتربية وبيئات العنف الاجتماعي,اعتقد نحن بحاجة الى ثورة عارمة تقتلع تلك الثوابت المزعجة من الجذور,لرفع تلك الاحجار الثقيلة القابعة فوق صدورنا منذ عقود…..