عامان مرا على طرح إسم رئيس المجلس الأعلى عمار الحكيم لرئاسة التحالف الوطني, وقد تبنّى الطرح أول مرة كتلة الصدر وكتلة الحكيم على التوالي, غير أنّ بعض أطراف دولة القانون رفضوا الموضوع, معللين ذلك بثلاثة أسباب:
الأول/ إنهم الكتلة الأكبر داخل التحالف الوطني.
الثاني/ إنّ الحكيم ليس نائباً في البرلمان العراقي.
الثالث/ الإختلاف على آلية الإختيار.
توقّف الحديث عن موضوع رئاسة التحالف, وقد تخلل الفاصلة الزمنية بين الطرح الأول والإختيار المفاجئ جملة من الأحداث والمتغيرات السياسية, الأمر الذي قلب الموازين, حيث تحوّل موقف الصدريين بالأتجاه الذي يقاطع الموقف الجديد لجناح المالكي المؤيد لزعامة الحكيم.
إنّ التحالف الوطني لا يمثّل الكتل البرلمانية المنتمية إليه فحسب؛ إنما يمتد تمثيله للأحزاب والكيانات المشكّلة لتلك الكتل البرلمانية المنضوية تحت خميته, أي إنّه يشكّل الغالبية الشيعية. هذه الحقيقة الميدانية, هي الواقع الذي يفترض الإنطلاق منه بغية حل شامل للأزمة العراقية, ورئاسة هذا الكيان تعكس مسارات قادمة حتمية تضفيها الشخصية على طبيعة الأجواء المراد خلقها.
فالخروج من معركة الموصل دون خطة سياسية قادرة على تحجيم الأزمة, يعد تفريطاً بحجم المنجز الأمني والعسكري الذي تحقق خلال سنوات الحرب. ولكنّ السؤال الكبير الذي رافق إجماع قادة التحالف على إختيار الحكيم: “هل إنتهى التنافس والإختلاف السياسي بين تلك الأطراف؟” وبعبارة أخرى؛ لماذا إختارت قوى التحالف الحكيم لرئاسته؟
وللإجابة على هذا السؤال, علينا معرفة جزء من أسباب تلك الإختلافات والتقاطعات. رغم طبيعة المراس السياسي التي تحتّم وجود حالة الإختلاف حتى ضمن الكيان والحزب الواحد, وهي حالة ترافق العمل السياسي الديمقراطي وتمثّل دلالة على غياب المنهج الإستبدادي والتفرد الحزبي, غير أنّ عمر التجربة والمشاكل المحيطة بها جعلت الإنطباع السائد كسبب لتلك الظاهرة؛ هو الخلافات الحزبية والصراع على السلطة, مع إنها عامل لا ينكر, لكنّ الأمر لا يمكن إخضاعه لمناهج التحليل الآيدلوجي أو القومي, التي تعزو الصراعات إلى عنصر واحد منطلقة من إيمانها بضرورة وجود العدو!.
أختيار رئيس المجلس الأعلى لزعامة الكتلة الشيعية, لم ينه تلك الإختلافات والصراعات أو إنه جاء بعد مغادرة تلك المرحلة؛ إنما الدوافع الواقعية هي التي نضّجت الخيار, مع وجود العامل الإقليمي والدولي الداعم لتسوية سياسية جادة بعد الموصل فرضت وجود منهج تفاوضي قادر على تجاوز الأزمة. محافظة الحكيم على علاقة جيدة مع أغلب القوى الوطنية, جعله الشخص الموثوق من قبل تلك القوى, والرؤية السياسية التي يطرحها والمطمئنة للهواجس المذهبية والقومية, ووسطية الخطاب طيلة سنوات الصراع, الأمر الذي دعا الدول المعنية بالشأن العراقي إلى البحث عن منهجية سياسية مناسبة لظروف التأسيس المعقدة والتي يجب أن تغيب عنها التراشقات الإعلامية وتشجّع على الذهاب إلى الحوار كخيار أوحد. تفاعل تلك المعطيات مع الظروف الداخلية والتشنج الذي يُثار في الشارع مدعوماً من قبل قوى سياسية, ورغبة الدول المعنية أو توافقها النسبي لحل الأزمة السورية أدى إلى تهيئة أجواء حل مشكلة العراق. الإيراني والأمريكي مدركان تماماً إنّ العراق مؤثراً ومتأثراً بالصراع.
تلك المعطيات جعلت التحالف الوطني, يخطو أولى خطوات الحل المسؤول, وسيؤدي تفاعل المكونات مع هذه الخطوة إلى وضع عجلة البلد على طريق المستقبل. فالشيعة, حسموا أمرهم وأختاروا طاولة الحوار والتفاهم الإيجابي لضمان إنجاح التجربة وحسم الخلافات التي تعد أساساً للأزمات بكل أشكالها, من خلال تغليب ذلك النهج كسلوك تفاوضي وطني. تبقى المسؤولية الآن على الأطراف الأخرى, فعندما تتقدم خطوة واحدة, سيكون عام 2017 بداية حقيقية للنهوض والبناء السليم.
ثمة من يقول إنّ إختيار التحالف الوطني للحكيم, هو فخ سياسي؛ فالتحالف بنظر (الجمهور) هو المسؤول عن الفشل والفساد والتخلف الذي يعانيه البلد, وبالتالي فأي رئيس لهذا الكيان سوف يتحمّل وحده تلك المسؤولية وبالمحصلة سيكون ضعيفاً لا يقوى على المنافسة في أي إستحقاق قادم. يبدو هذا الطرح سليماً عندما يُنظر للمسألة العراقية بسسطحية وتجريد من المؤثرات الواقعية. إلّا أنّ العمل السياسي لا يُختزل بالإنتخابات, وجمهور التحالف ما زال مؤمناً به كضرورة.
بقيّ الأهم والذي يستحضر آليات النجاح, وهو قدرة الحكيم على إضفاء لمسته الخاصة وتحقيق المسؤولية التي أًنيطت به, وهذا يحتاج إلى تعاضد حقيقي من قبل أطراف التحالف ودعم كبير. أما أول ما ستعمل عليه رئاسة التحالف الجديدة؛ فهو تأسيس مرحلة حوار وطني شامل, وإلغاء الفيتو تجاه مشاركة الحشد الشعبي في تحرير الموصل. النجاح في هذه المهمة, سيؤول إلى تحجيم نصف الخطر والقضاء على جملة كبيرة من مسببات الأزمة.
التعاطي الإيجابي من قبل المكونات الأخرى مع الحدث, دلالة رغبة على التهدئة والحوار, ويبدو أنّ الجميع متفق على دخول مرحلة جديدة من العمل السياسي الواقعي سقفه وحدة العراق.