23 نوفمبر، 2024 2:08 ص
Search
Close this search box.

دواعش البرلمان

كواحد من التعريفات المتداولة للديمقراطية إنها حكم الشعب لنفسه أي إن الشعب هو من يختار قياداته التي تمثله في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وطبعا من بين أبنائه ومن المؤكد إن هذا الاختيار يكون وفق ضوابط وأسس لأداء واجبات يحددها الدستور ويضع لها شروطها التي يأتي من بين أهمها أن يتمتع القائد بالولاء المطلق للوطن ويعمل بكل جد وإخلاص على تلبية مصالح مواطنيه الذين دفعوا به إلى موقعه القيادي عن طريق ممارسة هي الأخرى جزء من الديمقراطية ليكون قائد فيهم وعليهم ومن نقاط سوء الفهم التي تصيب القيادات أنهم لا يعتبرون مناصبهم القيادية تكليف بل يعتقد البعض انه تشريف فيصيبه الغرور والتعالي على أبناء جلدته ويعمل جاهدا على اغتنام فرصة وجوده في موقع القيادة فيسئ إلى نفسه قبل أن تطال إساءته أبناء شعبه وهو ما يبر لنا استقتال البعض على التنافس للفوز في الانتخابات .
وإذا كان الدستور يحدد طريقة التعاطي بين السلطات القيادية الثلاث لتكمل بعضها البعض أي إن بنود الدستور تمنع حدوث أي تقاطع بين أطراف الأجهزة الثلاث ولكي يتم هذا التكامل ولتكون إدارة البلاد جماعية وتمنع إمكانيات التفرد في السلطة منح الدستور الحق للسلطة التشريعية التي تمثل عامة الشعب استدعاء أجهزة السلطة التنفيذية والتداول معها في سياستها ولهذا السبب تم استدعاء السيدين وزيري الدفاع والمالية إلى البرلمان بعد تشخيص بعض السلبيات في أدائهما ولسوء الفهم الحاصل في أداء الأدوار والواجبات فقد حصلت كارثة أدت إلى شرخ كبير بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ولم تبتعد سلطة القضاء عن محور هذا الشرخ وشرره .
أن استدعاء أي وزير أو أي مسئول إلى البرلمان هو ظاهرة حضارية تمارسها كل البرلمانات في الدول الديمقراطية المتقدمة الغرض منها تقويم عمل المسئول وتأشير مواطن الخلل في أدائه لتجاوزها وتحسين طريقة عمله للوصول إلى الأداء الأمثل وليس لمحاكمته وإذا كان ثمة من خيانة للواجب في وزارة ما (وهي تبدأ بالاختلاسات المالية أو سوء استخدام السلطة التنفيذية ولا تنتهي بالمساس بسيادة الدولة وأمنها ) فمن الواجب على الجميع إحالة المعني بالتقصير إلى السلطة القضائية بدون تردد ولا تأخير لينال جزاءه العادل فتحافظ كل واحدة من تلك السلطات القيادية في البلد على تماسكها وتنجز ما أسست من اجله دون تداخل ودون تقاطع كإسهام حقيقي في البناء الصحيح للدولة أما نحن فقد عشنا حالة بركانية من التقاطعات والتجاذبات وتبادل الاتهامات عندما استدعى مجلس نوابنا وزير دفاعنا وسمعنا وشاهدنا ما لم نكن نتوقعه فعلى الرغم من إن بلدنا يمر بمرحلة صعبة وحاسمة من تاريخنا المعاصر إذ نواجه أقذر عدوان وأبشع معتدين يدخل الوزير المعني الأول بالتصدي لهذا العدوان وأجهزته البطلة بكل صنوفها تحت طائلة المسائلة والاتهام دون مراعاة لتضحياتهم ولظروف المعركة وبمنتهى القسوة يضعهم البرلمان تحت طائلة الاتهام لا بالفعل القتالي وإنما يتم التشكيك بنزاهتهم وبذمتهم المالية ويتهمون بالفساد فما كان منه كمقاتل عسكري إلا أن يرد الاتهام بأقسى منه ويضرب كمحارب في عمق البرلمان وأصبحنا أمام جبهة داخلية عنيفة كنا ابعد ما نكون بحاجة لها هزت بعنف تماسكنا الداخلي وزادت من هشاشته وأصبحت سلطاتنا تهاجم بعضها البعض ليستفاد منها في أفضل نتائجها خصوم شعبنا وليس غيرنا خاسر وبنفس الطريقة تم التعامل مع السيد وزير المالية مع اختلاف بسيط في سيناريو المسائلة لخصوصية انتماء الوزير القومي ولاعتبارات أخرى تخص تماسك كتلته في البرلمان .
لا يعيبنا أن نقتدي بتجارب الشعوب التي لها باع طويل في الديمقراطية لنغني تجربتنا الفتية فبعد أكثر من ثلاثة عشر عام على احتلال العراق أدانت بريطانيا العظمى رئيس وزرائها الأسبق تون بلير الذي دفع بلده للمشاركة في الاحتلال واتهمته لجنة تشكلت للتحقيق بهذا الموضوع بتضليل حكومته بمعلومات غير صحيحة كانت نتيجتها تكليف دولتهم التضحية بشبابهم وبأموال دولتهم وبما إن الجريمة مهما كانت بسيطة وآثارها لا تسقط بتقادم الزمن فقد كنا نستطيع انتظار إتمام انتصاراتنا على أعداءنا وتحرير كامل أرضنا وأهلنا من دنس إرهاب داعش القذر وحينها يكون الظرف مناسبا للبحث في ملفات فساد وزارة الدفاع أو المالية أو أية وزارة أخرى وإحالة المفسد إلى القضاء وكان على البرلمان أن يكتفي الآن بتوجيه الوزارة ومن خلال وزيرها إلى قادتها بتجاوز سلبياتهم والابتعاد عن كل ما يعرقل واجبهم القتالي لغرض الإصلاح والابتعاد عن شكوك التسقيط السياسي .
إن الواجب الرقابي للبرلمان كأعلى مؤسسة تشريعية يتطلب منها التحلي بالحكمة والتعقل والصبر والتأني كثيرا في اتخاذ القرارات وبما إن نواب البرلمان هم ممثلي الشعب فينبغي عليهم الانشغال بمصلحته الأولى وابتكار طرق مثلى لصد العدوان وتحرير الأرض المدنسة إلى جانب تشريع القوانين المعطلة التي تمس حياة الشعب والعمل على تجاوز الأزمة المالية الخانقة خصوصا وإننا على أعتاب إعداد موازنة العام المقبل وتوفير الخدمات والمساهمة الفعالة في حملة الإصلاح التي يدعو إليها السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي وتهدئة بل وإخماد الفتن التي تشتعل بين الحين والآخر وكان الأجدر بالنواب أن يطهروا أنفسهم أولا من بعض المفسدين المتنفذين بينهم فما قدمه السيد وزير الدفاع وما لوح به السيد وزير المالية لم يكن جديدا على مسامع المواطن العراقي وقد نشرت كثير من وسائل الإعلام والفضائيات وما أكثرها اليوم مثل ذلك الكثير كالاتهامات التي وجهها الدكتور صالح المطلك إلى عائلة الكربولي وغيرهم في غسيل الأموال وتهريبها على سبيل المثال لا الحصر ولكن السلطة القضائية أهملت الموضوع ولم يكن لها موقف واضح كما يحصل اليوم ونحن كشعب نجهل الأسباب .
يبقى أن نشير إلى إننا في العراق بحاجة إلى رص صفوفنا مع بعضنا لمواجهة أعدائنا في الخارج والداخل والذين يعلنون عن أنفسهم بلا خجل ممن يتسترون بيننا ويحاولون إفشال التجربة العراقية الفتية بكل الوسائل فمن يضعف جبهتنا الداخلية هو عدونا ومن يساهم في هدر دماء أبنائنا هو عدونا ومن يبعثر ويسرق ثرواتنا هو عدونا ومن يثير الأزمات بيننا هو عدونا مهما كان موقعه في الدولة ومهما كانت قرابته منا ولا تنطبق عليهم إلا صفة دواعش البرلمان وقد وصلوا بنا إلى قناعة واحدة لا بديل عنها لا يستوعبون انجازها لأسباب معروفة هي حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة تغسل عار الوجوه الكالحة التي غرست أنيابها في عمق العملية السياسية الفتية .

أحدث المقالات

أحدث المقالات