ترى بعض الدوائر المسؤولة عن صنع القرار في العراق، ان قضية الامن هي المسألة الاولى الجديرة بالاهتمام، خصوصاً في ظل تصاعد عمليات التوتر الاقتصادي وبروز الجذب الاجتماعي وظهور التناقضات العامة داخل كيان الوطن بسبب المتغيرات والمسارات المختلفة التي يمر بها محيطنا العربي والاسلامي.
وتعتبر حكومتنا القائمة مفهوم الامن، قضية اساسية قبل الاصلاح الاقتصادي والترشيد السياسي وتطوير التجربة الاجتماعية.
وهذا الطرح يترتب عليه سيادة هيمنة الاجهزة المعنية باقرار الامن وضبط النظام، وبسبب هذا الاتجاه تبرز وزارة الداخلية كقوة رئيسية تقود خطى المجتمع وتحدد مساراته واتجاهاته.
وترى دوائر ثقافية ومسيسة داخل العراق، ان الاعتماد على هذا الاسلوب خطر لانه يلغي الادارة السياسية ويركز ادارة الواقع اليومي في يد الاجهزة الامنية. بينما المفروض ان تتحول تلك الاجهزة الى اداة في يد الاختيارات السياسية لتنفيذ مخططاتها واساليبها.
وترك الواقع السياسي لفهم الدوائر الامنية يترتب عليه استعمال العنف ونهج ادوات القهر والحوار مع الجماعات المعارضة بالقوة والحزم القضائي والمهني ، بينما ترى القطاعات المسيسة، ان قضايا المجتمع يحلها الاسلوب السياسي الذي هدفه اولاً معرفة المشكلات وعلاجها باسلوب يتعرض لجذورها ويحاول الحوار معها.
ويرى هذا الاتجاه، ان التوسع في الحوار الديمقراطي هو الحل لكثير من المشاكل الامنية ففتح باب الحوار والجدل، يجهض دوائر التطرف والمعارضة ، ويسحب البساط من تحت اقدامها.
ويمكن تصور ان التعامل مع التكوينات المناهضة ولاسيما الدينية المتطرفة يكون ليس عن طريق الاعتقالات والمنع ومصادرة الحريات وانما اعطاء دفعة قوية لتيارات التنوير والمناهج العقلية لتتمكن من محاصرة خطر التطرف وجره الى الاطار العقلاني واجهاض مخططاته عن طريق نشر المناهج التنويرية والتركيز على التراث العقلي والتأكيد على قيم الحوار والجدل والنقاش.
هذه الاساليب وحدها كفيلة بنقل التطرف بكل اشكاله الى دائرة الاعتدال، اما الضرب والمطاردة والقمع، فهي عوامل تقوي خلايا هذا التطرف وتمنحها تعاطف الناس.
ولا يمكن الحوار والجدل قبل حل المشكلة الاقتصادية وضبط قنوات المجتمع وترشيد المسار الاقتصادي، كما انه لا يمكن تحقيق هذه الامنيات الحوارية قبل اقرار نهج التعددية كأسلوب وحيد قادر على استيعاب قوى المجتمع بكل افكارها وتناقضاتها وطموحاتها.
ان قضية الامن مسألة اجتماعية واقتصادية يغلفها اطار سياسي عام. وحل المشكلة الامنية يأتي ضمن تصور عام ونهج ديمقراطي صريح ولا يترك الامور الامنية لقوة القمع الارادي ولا لقوانين المطاردة والملاحقة المستمرة.
[email protected]