18 ديسمبر، 2024 11:42 م

الدنيا، كلمة يعتقد الكثير انهم يعرفون معناها والمراد منها وانها نفس الدنيا التي نزل اليها ابونا ادم وهي نفس الدنيا التي ذكرت في القرآن الكريم واحاديث الرسول (ص) والمعصومين من اله الطاهرين (ع) وهي نفس دنيا هارون وفرعون وهامان وامريكا وبريطانيا والشرق والغرب وهي نفس الدنيا المنبوذة في الكثير من التراث الديني والتي ينهى الكثير من الحكماء عن التعلق بها واتخاذها هدفاً لدينا وهي نفس الدنيا التي يقول امير المؤمنين عليه السلام اعمل لها كأنك تعيش ابداً ولكن هل هي نفسها؟ ولم هذا التناقض في الموروث العالمي والروائي والمفهومي لمن يجذب ومن يطرد ومن يشجع ومن ينهى؟
في الحقيقة هي كلمة واحدة بمعاني كثيرة يفهم كل منا منها ما يصل اليه عقله القاصر وليس المعنى العام وعلى كل حال يمكن تقسيم الدنيا كما يراها الناس وكما تراها السماء الى نوعين رئيسيين تتفرع من كل منهما الالف الانواع تتعلق برؤية كل انسان او امة او شعب الى مفهوم ما يعيشه والهدف منه واليكم التفصيل:
مبدأ كل شيء:
بدأ كل شيء بالنسبة لنا حين خاطب الله تعالى الملائكة قائلاً اني جاعل في الارض (خليفة) وتستمر الحكاية بنزول الخليفة الى مكان استخلافه ليقوم بشيء هو الضد والعكس مما استنكره الملائكة (الفساد وسفك الدماء) اذاً عرفنا الضد من وظيفتنا في الدنيا ولكن ما الهدف الرئيسي؟ الاستخلاف طبعاً ولأن الخليفة يجب ان يعمل بموجب ما يريده الاصل والمستخلف فقد امر ربنا الحكيم ونهى ووضح الطريق الذي يجب ان نسلكه ومنح الانسان النعمة الكبرى والامانة التي عجزت السماوات والارض والجبال عن حملها وهي كما يقول البعض العقل والخلافة وحرية الاختيار وغيرها مما يقترب ويبتعد عن هذه المعاني وكلها تشير الى ان الانسان مأمون مستخلف على امانة عظيمة وهي بناء الارض بموجب ما حددت السماء والعيش في الارض بقوانين ونظم حددتها السماء لنا بشكل مفصل وليس كما يعتقد البعض اننا احرار في ان نعيش كما يحلو لنا وان نبني ما نشاء ونهدم ما نشاء ونركز على ما نريد ونهمل ما نريد فهذا مصداق دنيا الدنيويين البعيدين كل البعد عن نهج السماء واديانها ومن هنا وجب التفريق بين الدنيا التي يتمسك بها ويعيشها ويصورها لنفسه من لسان حاله (ان هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر) وهذه هي الدنيا التي نبذتها الاديان وحذرت منها ومن التمسك بها واعتبارها هدفاً للوجود.
من جانب اخر توجد دنيا غير هذه يؤمن بها اتباع الاديان السماوية الحقة وهي الدنيا التي تقوم على تطبيق احكام السماء في الارض وتحدد علاقة الانسان بالإنسان والطبيعة والسماء ونفسه في هذه الدنيا بموجب قوانين اقرتها الاديان السماوية وخصوصاً خاتم الاديان (الاسلام) وتختلف هذه الدنيا في اولوياتها حيث ترى هذه الدنيا ان العدالة والمساواة والرفاه الاقتصادي للجميع مقدم على بناء البنايات الشاهقة وتراكم الاموال عند البعض وتراكم الفقر والمرض عند الاخرين وتقوم دنيانا التي ننشدها على مقومات اخلاقية وقوانين صارمة تحكم الجميع ولا يستثنى منها احداً ولا يكون هناك طبقية وتمايز وسياسة قذرة لحكم الناس باستغلال ضعفهم وجهلهم وحاجتهم وتسمية ذلك سياسة وحنكة وحكمة! والادهى من ذلك الرضا والقبول بذلك والاقرار بأنه امر واقع لا مناص منه ولا مفر وتقوم على ذلك الحكومات والدول والامبراطوريات في العالم اليوم وهذه هي الدنيا التي يسعى اليها ارباب الاديان واتباعها المخلصين وهي الدنيا التي ينتظر المنتظرون تحققها على يد المخلصين من رجال الدين والسياسة والاقتصاد والاجتماع كمرحلة تمهيدية لسيادة دولة العدل المطلق في الارض والتي هي الهدف الذي خلقنا من اجله والذي يستحق ان نحيا لأجله بل وان نموت لأجله ان تحتم ذلك فهل يبقى لنا بعد ذلك اي شك في ان الدنيا التي يريدونها ليست هي الدنيا التي نريدها ولا يجمع بينهما الا الاسم وان كل منا يسير في طريقه راضياً قانعاً مع فرق وحيد مركزي وهي اننا نسير في طريق ننشد في اخره ان تكون الدنيا مزرعة للأخرة ويسير الاخرون معتبرين ان الدنيا هي الهدف والغاية ولها يعيشون ومن اجلها يتصارعون ويتقاتلون ويأكل القوي فيهم الضعيف ويصعد البعض على اكتاف بعض وعند ربهم يومئذٍ تحتكم الخصوم.