الدم والمداد, يتنافسان على ساحة بناء الأوطان, فالأول يقوض حصون الطغاة من أساسها, ويكتسح سجونها, ويبدد أزلامها, ويطهر دروبها لتكون سالكة للسائرين نحو المستقبل, والمداد يهاجم ظلام الجهل ويشتته بنور كلمات الحق, فيمحي كل فكر شمولي متطرف, ويرسخ مفاهيم العدالة والتسامح, ويمهد لبناء جيل واعي مثقف, يستطيع تحمل هموم الوطن وتجاوز محنه, فتتفتح الآفاق وتتداخل الافكار الراقية لبناء وطنٌ يحتضن الجميع, لا يوجد فرق في القومية والفكر والمعتقد, وطنٌ للجميع.
المداد, جاء فيه مدح كثير, فقد جاء الحديث المرُوِيَ عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنَّهُ قَالَ: “إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَ وُضِعَتِ الْمَوَازِينُ، فَتُوزَنُ دِمَاءُ الشُّهَدَاءِ مَعَ مِدَادِ الْعُلَمَاءِ فَيَرْجَحُ مِدَادُ الْعُلَمَاءِ عَلَى دِمَاءِ الشُّهَدَاءِ”, ولنلاحظ أن الحديث يحصر الأمر بمداد العلماء, فكم من مداد سطر كلمات اودت بحياة إنسان بريء , وكم من مداد كتبت به قصيدة تمجد طاغية متجبر.
الدم أيضا كان له مدح كثير , فقد جاءت في القران الكريم آيات شريفة تمدح وتمجد الشهيد المسفوك دمه في سبيل الله, قال تعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) وفي الحديث الشريف : “فوق كلّ ذي برٍّ برٌّ حتى يقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ”, فالدم الذي هو من النجاسات يتحول إلى أطيب من المسك في الرائحة إذا سفك من جسد الشهيد.
الدم والمداد, لو إجتمعا في رجل واحد, عالم وشهيد, فأين سيصل بهما العلو والشموخ, وكيف إن كان ذلك الرجل عالم عامل مجاهد شهيد, عالم مجاهد قضى عمره مقارعا طاغوت عصره, وسطر بمداد يراعه قواعدا لبناء الجماعة الصالحة, وعالم شهيد, إغتالته أياد أثيمة تتحرك بعقول طائفية بائسة, إستشهد والعراق باحوج ما يكون لرجال مثله, رجال كان همهم أن يكون العراق واحد موحد, يحيطه الأمن والأمان, يعيش أهله بسعادة حيث لا فقر ولا شقاء.
عالم مجاهد وشهيد, غاب عنا طويلا, وإنتظرناه بشوق وشغف, حتى إن عاد محملا بأحلام وآمال, لكن المنون لم تمهله, فمضى باقر الحكيم شهيدا سعيدا, وبقينا أيتاما ننتظر من يجمعنا بجماعة صالحة طاهرة مطهرة.