الإرهاب, كممارسة, بحاجة لإدوات كثيرة تمكّنه من العمل, ولكي يحقق أهدافه, فهو بحاجة لعدو ضعيف؛ الحكومة ممثلة للشعب فشلت في المواجهة مراراً, وهذا ما يجعلنا نضع علامات إستفهام كثيرة, علّنا نجد الإجابة أو على الأقل نفتح باب هذا الغور الكئيب الذي تنبعث منه سموم الحقد الخانقة للحياة.
الهوية..وحدة الدولة!
لا ريب في وحدة العراق, وليس هناك ثمة إختلاف على إرتباط الإرهاب بمجموعات أو إنبثاقه من قاعدة تنتمي لمنظومة عقائدية وبيئة إجتماعية؛ إذ إن جل أوامر القتل ومبرراته مأخوذة من خلافات أو إختلافات مذهبية تأريخية…شعارات “الإرهاب لا دين له” قد تسقط أمام تلك الحقيقة المعروفة, نستيطع أخذها في الممارسة, غير إنها لا تصمد أمام قواعد السلوك الإجرامي…فالإجرام –في الحالة العراقية- له دين ومذهب واضح الملامح يتمثل بأعضاء الحركات المسلحة التكفيرية, وهؤلاء مشاربهم متعددة, لكنهم مجمعون على أباحة دم الآخر وفق منظورهم الشرعي المستمد من التراث والفكر المنصهر معه في الوقت الحاضر. قد لا تكون أناشيد ساحات الأعتصام كاشفة لسرٍ جديد؛ لكنها برهان على أرتباط الإرهاب بطبيعة المكونات؛ وقد يكون هذا الإرتباط نابع من شعور بالمظلومية أو من غياب الحماية الكافية من قبل الدولة, لذا صار الإرهاب القوة الفعلية على الأرض, أضافة لكونه لا يعني إرهاباً بنظر فئات واسعة؛ نتيجة تصدي رجال دين لشرعنة نهج القتل, وما يتمتع به رجل الدين من سلطة روحية –في ظل الصحوة المدعاة- يؤهله لإعطاء حكم نهائي.
وبعيداً عن مناقشة أسباب ومبررات تلك التوجهات وذرائعها, نجد من الضروري البحث عن حلول توقف نزيف الدم العراقي..الطريقة الشعاراتية بالتفكير, عقيمة, لا تنتج إلا أغاني وبكاء, من المحتم الخروج من هذه الأوضاع المأساوية التي تشبه الحرب المعلنة من طرف واحد مقتدر بحيلة وغدر؛ وكما يقال فأن نصف العلاج تشخيص المشكلة أو الخلل, فالإجرام واقع معاش يمارس من قبل أشخاص لهم وجود, ولعلهم يعيشيون بصورة طبيعية دون تأنيب ضمير أو خشية من رقيب؛ ففاتحة الموت (وجبة دسمة مع الرسول..!).
هل الإرهاب ممذهب؟
الحديث عن الإهاب يأخذ بعدين؛ الأول: العمل الميداني, والثاني: الفكر والتنظير…وكل عمل –مهما قل شأنه- يحتاج لقوانين تبيحه وتسوغه. ثم تتلقفه فئة تؤمن بتلك القوانين وتلتزم بقواعدها حرفياً أو قد تبتعد. البعد الأول, العمل الميداني, يحتاج لأدوات أهمها الأشخاص (وهؤلاء أحد محاور البحث), والشخصية المتبنية لتلك الأعمال لا يمكن أن تنحصر بطائفة أو عرق أو عشيرة أو منطقة, قد تقل أو تكثر نتيجة ظروف موضوعية, لكنها لا تؤطر بفئة مكوناتية. وغالباً ما يكون الهدف هو المال؛ وهذا يدخل في حسابات الدولة وسياساتها الأقتصادية والأجتماعية التي تكوّن المنظومة الأمنية.
البعد الثاني, الفكري, فقد يرتبط بعقائد الكثير البشر, من حيث الإلغاء والإدعاء بإمتلاك الحقيقة المقدسة, إذا ما نظرنا للإرهاب بكافة مستوياته؛ بيد إننا بصدد الحالة العراقية أو وفق المعضلة العراقية. حيث ترتبط النظرية بشكل وثيق, بمواريث تأريخية عاشتها الأمة الإسلامية في حقب منصرمة, وقد يكون العمق الحقيقي لتلك الرؤية الدينية, سياسي, غير إن المخرج يتمظهر بمظهر ديني بحت. إن تخبط النظرة الإجرامية الرافضة للآخر لا تقوى على الصمود أمام الثوابت الإنسانية والإسلامية والعقلية, وتعيش حالة من “البروباغندا” عادة ما تستفيد منها دول وجماعات لم تجد نفسها في الحياة الطبيعية, لذا لجأت لسلوك منحرف يمكنّها من العيش ضمن بيئته, فصممت على جعله الجزء الأصيل من المباني الإجتماعية والدينية. ومن يستطلع مسيرة الوضع العراقي في الفترة التي تلت سقوط النظام البعثي سيجد الكثير من الأرتباطات المؤكدة بين دعوات الموت وبين ذلك النظام, وبالوقت ذاته يكتشف صرخات التحريض المذهبي على قتل الآخر تنطلق من جهة وأشخاص لا نحتاج لجهد كبير لمعرفتهم وبالإسماء!..