من روائع الشعر العربي:
يا عين صار الدمع عندك سجية … تبكين من فرح ومن أحزان
غالبا ما يندفع المرء في بعض المواقف الحساسة الى البكاء وهذا البكاء يمثل ذروة العاطفة بين العقل والقلب، فينصهرا في دموعا غالبا ما تكون ساخنة، وهذه الحرارة تعبر عن انفعال من الصعب حلٌ لغزه. لا يوجد إنسان لا يبكي، لأن عدم البكاء يعني أما وجود عاهة او عدم وجود مشاعر وعاطفة عند الإنسان، والبكاء يختلف بإختلاف المواقف الإنسانية، فعندما تبكي فقدان أحد أفراد العائلة ستكون حرقة الدموع أشد مثلا عما لو بكيت على صديق أو جار مع اختلاف طبيعة العلاقة بين الطرفين، لكن احرٌ الدموع بلا أدنى شك هي البكاء على الوطن.
لو سئلت الشعوب المنكوبة كالعراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين ستصح الرؤية من كل الوجوه، فهذه الشعوبالمضطهدة شهدت احتضار اوطانها مع الأسف، ولا توجد بارقة أمل خلال العقود القادمة لإستعادة عافيتها، فالمؤشرات تنبأ عن عكس ذلك تماما. أما الدموع الكاذبة فهي مكشوفة لأنها تكون بارده لذلك شُبهت بدموع التماسيح، التي تفتقر الى الغدد الدمعية. بكان العين لا قيمة له ان لم تحصل العين على رسالة حزينة من القلب تدفعها للبكاء بغية التخفيف عن الضغوط النفسية التي تختلج النفس البشرية.
عندما تبكي النساء يكون الأمر طبيعيا بسبب التركيبة الفيسيولوجية والكيمياوية للمرأة، فهي بوتقة من المشاعر والأحاسيس الدافئة الجياشة، بل احيانا تعتبر دموع المرأة من أفتك أسلحتها ضد الرجل. لكن بكاء الرجل يكون كالزلزال، فدموعه غالية ولا يذرفها إلا في أشد الظروف قساوة والأحوال القاهرة.
في آخر لقاء تلفازي لرئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري انهملت دموعه وهو يرى ان بلاده سائرة بعزم وإرادة حزب الله الى الجحيم الذي نوه عنه الرئيس اللبناني ميشيل عون، وارجع الأسباب الى النفوذ الايراني وسيطرة حزب الله على مقدرات لبنان والفوضى السياسية والإقتصادية، لقد ودع الحريري تأريخه السياسي بدموع ثقيلة كثقل لبنان قبل ولادة ابنها المسخ المشوه حسن نصر الله، ذُرفت دموع الحريري على بلدهالمحتضر لبنان وشعبه المظلوم، وقبله في عام 2006 بعد الحرب اللبنانية الإسرائيلية بكى الرئيس السابق فؤاد السنيورة لبنان وشعبه على التدمير الذي حلٌ بالبلاد والضحايا من الشعب اللبناني بعد مغامرة حزب الله.
قيل بيان سعد الحريري يأربعة أيام بكى ايضا (محمد رعد) رئيس كتلة حزب الله في البرلمان اللبناني، لكن ليس على وطنه المدمر وشعبه الفقير بل بكى على خسارة الحوثيين في المعارك الأخيرة، حيث تتلاحق إنتصارات الشرعية اليمنية على ميليشيا الحوثي. ولا ننسى ايضا دموع القزم الإيراني حسن نصر الله، وكيف سخت عيناه الوقحتان بدموع على مقتل المقبور الجنرال سليماني، وحَبست عيناه دموعها عن شهداء مرفأ بيروت وضحايا الإغتيالات وحالات الفقر والفساد الحكومي واليأس الذي شمل العب اللبناني ما عدا الطبقة السياسية الحاكمة. الأغرب منه ان حسن نصر الله وجد خيارا آخرا لقبض روح سليماني، وهو ان يكون هو بديله، والأمر سيان، كلاهما أشر من الآخر، لكن الأول كان رأس الأفعى وحسن كان ذيلها.
اقول ان دموع السنيورة والحريري هي دموع حقيقية، لأنها دموع وطنية ذرفت على وطن وشعب، اما دموع حسن نصر الله ومحمد رعد فهي دموع تماسيح، ودموع التماسيح هي دموع العملاء وبائعي الصمائر.
عجبي لمن يبكي على غيره ولا يبكي على أهله. ان دموع الحريري غسلت كل سيئاته واخطائه، ودموع حسن نصر الله غسلت جميع محاسنة وقيمه. لقد اختصرت دموع الحريري تأريخه الشخصي وتأريخ لبنان الحديث.