عندما وقعت مجزرة الغوطة شرق دمشق في 21 آب/أغسطس2013، وراح ضحيتها المئات من المدنيين لإستنشاقهم لغازات سامة ناتجة عن هجوم بغاز الاعصاب و التي حدثت بعد ثلاثة أيام من وصول بعثة المفتشين الدوليين الى سوريا، کانت أصابع الاتهام تتجه کلها لدمشق، رغم إن الاخيرة سعت لإلقاء التهمة على عاتق المعارضة السورية، لکن الامر اللافت للنظر هو إنه وبعد هذه المجزرة بفترة قصيرة نسبيا برز نجم تنظيم داعش الارهابي بحيث طغى على کل أطراف المعارضة الاخرى، ومع هذا البروز کثر الحديث و تنوع عن إمکانية إستخدام المعارضة السورية للأسلحة المحرمة دوليا، خصوصا وإن داعش لاتلتزم بأي قانون أو مقررات دولية.
مجزرة الغوطة التي کانت جريمة ضد الانسانية بحق و حقيقة و التي دلت الشواهد کلها على تورط نظام الاسد فيها، تمت لفلتها و وضعها على درج خصوصا وإن موقف إدارة أوباما وقتها لم يتسم بتلك الجدية و الحدية اللازمة بعد دخول روسيا على الخط، والحقيقة المهمة التي يجب أن نذکرها هنا، إن أکثر طرف تخوف و إرتعب من حدوث مجزرة الغوطة و إحتمال إتهام نظام الاسد بها، کانت الجمهورية الاسلامية الايرانية التي صدرت في وقتها تصريحات ومواقف رسمية من أعلى المستويات عنها تٶکد بأن سقوط نظام الاسد مسألة داخلية و ليس لطهران من أية علاقة بها، وحينها کان الحديث يدور بقوة بأنه وفي حالة إدانة الاسد فإن نظامه سينهار و ذلك ماسيتسبب بأن يأتي الدور على إيران.
مجزرة خان شيخون بريف أدلب غربي سوريا، والتي حدثت على أثر غارة جوية إستهدفت المنطقة بغاز السارين السام في 4 نيسان/أبريل2017، والتي لم يعد بوسع النظام السوري التنصل منها، ولکن يبدو إن هناك ثمة مسعى روسي ـ إيراني مشترك يستهدف إنقاذ النظام مرة أخرى من الورطة التي وقع فيها، حيث يسعى الروس و الايرانيون مجددا لإيجاد ثمة علاقة بين المعارضة و بين هذا الهجوم، وهو أمر يدعو للريبة کثيرا خصوصا وإن هناك توثيق للجريمة بحيث لايمکن التنصل عنها لکن روسيا و إيران و لأسباب و إعتبارات کثيرة تبذل مابوسعها من أجل إبعاد التهمة عن دمشق.
اليوم وبعد أن بات حظ دمشق يقل أکثر من أية فترة مضت للتهرب من تبعية هذه الجريمة، خصوصا وإن هناك إجماعا دوليا على ضرورة محاسبة الاسد بعد مجزرة أدلب، فإن الاوضاع في سوريا من الممکن أن تتخذ إتجاها يمکن أن يختلف عن ذلك الاتجاه الذي رسمه الروس و الايرانيون له، وهو سيکون صعبا و معقدا و سيکثر فيه ليس الحديث وانما الرهان أيضا على رأس الاسد، وهکذا تغيير في الاوضاع في سوريا سوف يکون له بالضرورة إنعکاس و تأثير على الاوضاع في إيران والتي هي الاخرى في أضعف حالاتها داخليا و إقليميا و دوليا، وإن الايام القادمة ستحمل في طياتها الکثير من المفاجئات.