إعلان رئيس الحكومة العراقية عن قرار يقضي بدمج الحشد الشعبي تحت قيادة القوات المسلحة ليس إلا مأزقًا جديدًا يدخله العراق وقواته العسكرية. وهذا القرار يراه البعض محاولة للحفاظ على الحشد من احتمالية تعرضه لهجوم أمريكي خاصة بعد أيام من اتهام الولايات المتحدة ميليشيات عراقية باستهداف المنشآت النفطية بالسعودية.
الخلاف الأمريكي الإيراني ألقى بظلاله على العراق فصار الأخير يسعى لإرضاء الطرفين ونتيجة هذا السعي ظهر القرار الحكومي بدمج الحشد الشعبي مع الجهاز العسكري.
مآزق جديدة سيعيشها العراق بسبب الدمج منها أن هذه القوة تشكلت بفتوى دينية ويُمكن أن تُحل بفتوى أخرى والحشد هو عبارة عن عدة فصائل مسلحة منطلقاتها دينية مذهبية والكثير منها يُعلن ولاءه لرجال دين من خارج حدود وطنه بل ويتوعدون باستهداف المصالح الأمريكية في حال تعرضت إيران لهجوم أمريكي كونها الأب الروحي والراعي لهم وبالتالي سيكون انعدام ولاء داخل المؤسسة العسكرية.
قوات الحشد لم تتعلم وتتدرج عسكريًا أي أن جنودها وقادتها لم يدخلوا الكليات العسكرية وحين خاضوا المعارك ضد تنظيم الدولة تم الأمر بإشراف وتوجيه مستشارين عسكريين إيرانيين ولم يكونوا إلا جنودًا يحركهم أولئك المستشارون، فكيف سيندمجون مع القوات النظامية، إذن هم إكمال لظاهرة الدمج التي شرعتها الحكومة قبل بضع سنوات حين أدخلت أعضاء الأحزاب الإسلامية الحاكمة في الجيش ووزعت عليهم الرتب العسكرية بصورة عشوائية والفارق هنا هو الهدف من الدمج فسابقًا كان القصد هو تثبيت الأحزاب وتغلغلها داخل المؤسسة العسكرية لفرض سيطرتها بالكامل وضمان ولائها لهم، أما الهدف من قرار الدمج الجديد سنفصله لاحقًا.
فصائل الحشد تفوق المؤسسة العسكرية النظامية قوة وتمتلك رصيدًا جماهيريًا كبيرًا تحيطه هالة مقدسة (بعد أن أضفت الفتوى الدينية لها الشرعية) فهي كانت سبب الخلاص من تنظيم الدولة الإسلامية المُسيطر على عدد من المحافظات بعد فشل القوات النظامية وانهزامها أمامه لذلك يراه الناس أهم وأعتد من الجهات الحكومية، وهذا الأمر سيجعل فارقًا كبيرًا بين قوات الحشد والقوات الحكومية داخل المؤسسة العسكرية وجاء هذا الأمر كثيرًا على لسان قادة الحشد أنهم أعلى جاهزية وأكثر قوة من الجيش ولولاهم لما استمر الاخير، وفي آخر تصريح قال أحد قادتهم إن وجود الحشد ضروري بسبب ضعف الأجهزة الأمنية.
كيف ستتصرف الحكومة في حال هاجمت فصائل الحشد المصالح الأمريكية إن تم الهجوم على إيران خصوصًا وأنها أصبحت قوات نظامية تتحمل الحكومة مسؤوليتها بالكامل فهي من أخرجتها من السياق الديني إلى الوطني الحكومي.
وما هو السبيل للتعامل معها بثقة وهي تعتبر جزءًا من منظومة إيرانية متغلغلة داخل الأجهزة الأمنية وكثير منهم صرح بتجاوزه للأوامر الحكومية في حال تقاطعت مع توجهاتهم المذهبية عابرة الحدود، إذن ستكون تلك القوات أداة ضغط تحركها أيادٍ خارجية لتسيير الأمور كيفما تشاء،خصوصًا أن الكثير من فصائل الحشد ستتمرد على الدولة في حال عدم اتخاذها موقفًا فعليًا مساندًا لإيران.
القرار الحكومي بشأن الحشد هو قرار رسمي للأخذ بيد المؤسسة العسكرية إلى الهاوية، ومن المستحيل أن يأخذ القرار مجراه إلا بموافقة إيران ووكلائها وسترضخ الحكومة صاغرة لشروطهم، ولن يتمكن رئيس الحكومة من إدارة تلك القوة الدينية أبدًا حتى لو تطبق القرار لأنها لا تخضع له بجميع المقاييس والاعتبارات، فهو لم يفلح إلا بوضع نفسه ومن يأتي بعده والبلد في ورطة مهولة.
هل جاءت هذه الخطوة للحفاظ على قوات مُدافعة عن إيران من حيث وضع مقدرات العراق العسكرية في متناول يدها مع إضفاء صفة رسمية تتيح لها الاحتماء بها؟ أم هي خطوة لإرضاء الجانب الأمريكي والظهور أمامه بهيأة الماسك لزمام الأمور والمُسيطر على الحشد وتحركاته؟
كلا الحالتين مأساوية كونها تمثل محاولة إرضاء بائسة لطرفين يقتل فيها حكام العراق وجوديته واستقلالية قراراته والسبب كوضوح الشمس وهو انعدام الولاء الوطني لقادة البلد وخضوعهم للولاء المذهبي فقد أثبت هذا القرار وقبله التصويت البرلماني على هيئة الحشد الشعبي بعد (شهرين) من تشكيلها وتسليحها ان الفتوى الدينية فوق النظام وهي مُلزمة للدولة ومؤسساتها، ولا قيمة لأي تشريع قانوني فبإمكان الفتوى تشريع ودحض وتثبيت ما تشاء من قوانين.
الهدف من هذا القرار وآلية استرضاء الطرفين المستفيد الأكبر منها هو الجانب الإيراني، لأن تلك القوات ستحتفظ بولائها له وستظل رهن إشارته ومُنفذة لأجنداته في العراق والمنطقة، واندماجها سيزيدها رصانة وسيثبتها أكثر ويجعلها تتحكم بالمؤسسة المُندمجة فيها بصورة أكبر من السابق، فكيف لا يُسرع العراق نحو الانحدار إذا كانت الأمور تسير بهذه الطريقة العرجاء.