22 نوفمبر، 2024 5:44 م
Search
Close this search box.

دماؤنا مشبوهة …. ومفخخاتهم بريئة

دماؤنا مشبوهة …. ومفخخاتهم بريئة

يوم ما وُلدنا.. ربما كان خطأً، أو كان الأمر كما يحصل لغيرنا، وجدنا أنفسنا ضمن وطن.. وحولنا بيئة لم نخترها.. كما أن لنا أبوين وأهل وعشائر.. تربينا بتربية بيئتنا، وأحبنا أهلنا وأحببناهم، جرى في عروقنا دم، لا أدري ربما لوّثته الأفكار والعقائد المنحلة.. حاول كثير منا البحث والتفتيش عن عقائد أخرى مختلفة، وإيمان آخر.. ربما أفلح بعضهم، فنقت دماؤهم.. ولكن الأكيد أن بعضاً آخر، لم يستطع استبدال نفسه وثقافته.. فكانت دماؤه .. دماؤه أي دماؤنا تحمل فيروساً خطيراً يدمر حامله ولا يقتله إلا بعد لأي.. لم يخبرنا أحد أنه معدٍ .. لكن الآخرين عندهم القابلية العضوية والفكرية لاجتذابه وحضانته في عقولهم وقلوبهم.
       كانت دماؤنا مشبوهة إلى أقصى قطرة.. بالحب، وخلايانا منهكة إلى أبعد حدّ.. بالعشق. وكل واحد منا يشكّل كومة مريعة.. من السلام. كانت بلداتنا المغبرّة حطاماً، وكذا كانت جيوبنا، ولكن.. ليس أرواحنا وقلوبنا… متهمون بالبراءة، ومشبوهون بالولاء… ولهذا تجدنا نزرع، ثم نحصد حين نحصد.. حصرماً. نهب الدواء مجاناً ونحن مرضى، ونبني لغيرنا بلا أجر وبيوتنا بلا سقوف، ونزهق أرواحنا على أعتاب الأخوة والجيرة والصداقة.. ونحرق أجسادنا بخوراً، ليزدهر الأريج، هكذا خطّ لنا الحسين درباً لن يخلو أبداً من سالكين. كنا نستعد للفقر جلباباً.. ونتقبل وجودنا ابتلاءً .. راضين قانعين وإن كان الموت ينتظرنا عند كل رصيف… سعداء فرحين وإن كانت أشلاؤنا غالبا ما تختلط بسقط الطريق… فالمفخخات بريئة جداً، بريئة لحد السذاجة والجهل، ولا أشك أنها لا تقصد بدليل إنها عمياء ولا تميّز.
       فكل ما سال من دماء العراقيين، لم يكن مقصوداً أبداً.. لأن الدماء المشبوهة للعراقيين تنجذب بشكل عفوي ولاشعوري للاصطدام بالمفخخات البريئة.. المفخخات التي تبحث عن المحتلين وذيولهم، تبحث عنهم في المدارس والمستشفيات، وفي أرصفة العمال والأسواق الشعبية، وتفتش عنهم بين طوابير الباحثين عن وظائف، ومراجعي الدوائر الحكومية… مفخخات لا تقصد إيذاء المستضعفين من الولدان والنساء والشيوخ أبداً.. فهي أزكى من أن تقطع أوصال طفل، وأنزه من أن تؤيّم امرأة، وأسمى من أن تترك عائلة بلا معيل. هي أقدار العراقيين، وربما استحقاقاتهم في الحياة. وإلاّ من قال لرب العائلة أن يستيقظ صباحاً ويحمل دمه المشبوه، ليخرج لمخبز الصمون أو لـ ( مصطر العمال )، ومن قال للتلميذ يخرج من البيت حاملاً حقيبته المدرسية، وفي قلبه دماء مجرثمة بالولاء.. ومن قال للأم تترك حرمها الفسيح جدا، لتراجع دائرة التقاعد…
المفخخات عمياء.. والعراقيون مفعمون مفعمون بالولاء.
[email protected]

أحدث المقالات