هناك قضايا لا تنام أبداً أو تتوقف، لأنها تكتسب صفات الأزلية، والسرمدية، والأبدية، حيث تبقى نهاياتها محركة للفكر الحر لأجيال عدة، وتتجدد الأسماء في أحداثها، ولكن المحور واحد وخالد، كوثيقة ناطقة بحبر أحمر، يوم ينادي المنادي، فذاكرة الإحتجاج عند العراقيين، تشهد بأن الأنصار القدامى جاهدوا للبقاء رغم الأزماتن فكيف إذا كان زعيمهم قد إستحضر ذوات أجداده العظماء، ليدون عصوراً حمراء لمواجهة أزلام الطاغية يزيد، فولِدت الإنتصارات وتحول الألم الى أمل.
هناك دماء لا تحتاج لكلمات مطولة، لكي تحدث الأثر المرجو والتأثير المطلوب، لأنها إرادة إنسانية إنصهرت في الإرادة الإلهية، فباتت الشهادة مصدر قوة في ميادين الصراع، وهذه الدماء تراق لتعود الحياة بحلة جديدة، ملؤها الحرية والكرامة، وبدمائهم الزكية كسروا حاجز الخوف لدى الأمة، وأمست مؤثرة ليتعلم الأجيال منهم، معنى البطولة والتضحية من أجل المبادى والعقيدة، وكأنهم ألطاف إلهية تستنير بها الحياة، فطوبى لكم يا أبناء العراق العظيم، وبورك قائدكم الحكيم.
هناك شهداء لا يمكن أن يسعهم سَفر وسِفر في الوقت نفسه، لأن عشقهم من نوع فريد يتمثل في ذوبان أجسادهم وأرواحهم، لينشغلوا بما يحبه الباريء عز وجل لهم، فقلوب يعتصرها الألم، ويتقاطرها الدم والدمع، كل ذلك من أجل الشهادة، فشهداء المحراب، وشهداء الحشد، وشهداء المقاومة الإسلامية، يسيرون صوب مملكة الفردوس، بنفس النبض الجهادي، للدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات، لأنهم يدركون حجم الخير المترتب على أمتهم، جراء هذه الدماء لتحدث أثرها الذاتي، وتأثيرها المزلزل لعروش الطغاة.
هناك هوية باتت تميزنا عن الآخرين، إنه الأول من رجب يوم الشهيد العراقي، فالسيد محمد باقر الحكيم (قدس سره الشريف)، ليس شهيداً خاصاً للجنوب الثائر، أو لحركة المقاومة ضد الطاغية، بل هو شهيد محراب لكل العراقيين الأحرار، فدماؤه لا تحتاج لهوية فالعراق هويته، ولطالما تمنى الشهادة لأجله، وأثر شهادته باقٍ نجدد له البيعة، بأول رجب من كل عام، وتأثير هذا اليوم العراقي المقدس، سيبقى شاهداً على الجريمة النكراء، ودليلاً يحكي قصة جسد تشظى فداء للعراق.
هناك تأريخ عظيم يسكن قبوراً شامخة، يخص سيرة حياة شهيد المحراب، منذ ولادته في عام 1939 وحتى 2003، لتروي صفحاته المشرقة العِبرة والعَبرة، في معنى الشهادة من أجل الآخرين، والتي غيرت من معالم الخارطة السياسية للعراق، حيث تعلمنا الصمود والتحدي بوجه الإستبداد والظلم، وأن الكرامة الأبدية، هي الحياة التي لا موت فيها أبداً، لأن مثل هذا التأريخ المشرف، لا يستحق إلا أن يمتزج بهواء عطر، ما بين الغاضرية والغري، فدماء شهيد المحراب لا تحتاج لكلمات.