أن التحليل العلمي لاي حادثة أو ظاهرة سياسية أو أجتماعية لابد أن يأخذ جميع الحوادث وأن يتم التعامل مع جميع المعلومات أو الاشارات المتوفرة التي تحدث في الزمان والمكان المعينين بالعودة الى مجريات التاريخ القريب والبعيد . ولان الاوضاع في العراق تسير بالاتجاه المعاكس لما يطمح اليه الشعب العراقي من أمن وأستقرار وخدمات نتيجة الصراعات السياسية واحداث العنف المستمرة بسبب الصراع الاقليمي والدولي وتقاطع المصالح الفئوية الضيقة .
أن من أبرز اللاعبين في أحداث العنف التي تعصف في الشارع العراقي والذي يبرز كقوة فاعلة بين أطراف الصراع ، هو تنظيم القاعده أو مايسمى ( دولة العراق الاسلامية ) . الذي يقدم خطابا يتبنى فيه أقامة دولة أسلامية ومدافعا عن أهل السنه في العراق ، لكن مجريات الاحداث وشواهد التاريخ والنتائج المترتبه على مانفذه التنظيم في حركة الصراع الدائر تعطي صورة أخرى لما ينادي به هذا التنظيم .
تنظيم القاعدة وإيران :
1. ترجع الاشارات الاولى الموثقة لدى الاجهزة الامنية العراقية أبان الحكم الوطني ، الى علاقة تنظيم القاعدة بأيران الى عقد التسعينات من القرن الماضي ، حيث قامت المخابرات الايرانية ( أطلاعات ) من تجنيد عدد من عناصر التنظيم من العراقيين الهاربين الى شمال العراق ، ومنهم على سبيل المثال محمود المشهداني الرئيس الاسبق لما يسمى البرلمان العراقي .
2. دخول وخروج الزرقاوي من والى العراق عبر أيران لمرتين في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي .
3. ومثلما هو معروف أن العديد من قيادات الصف الثاني والثالث في تنظيم القاعده والكثير من عوائل عناصر التنظيم بما فيها عائلة أسامة بن لادن ، قد لجأت الى أيران قبل الغزو الامريكي على أفغانستان 2001 . وقد أستغلتهم أيران في تنفيذ أجنداتها عندما تم دفع المئات منهم الى شمال العراق بالتنسيق مع جلال الطالباني . (هذا الموضوع سنأتي عليه بمقال آخر ) .
4. عندما القى جهاز المخابرات بداية 2002 القبض على العشرات من هؤلاء المشار اليهم أعلاه في بغداد وعدد من محافظات العراق الاخرى ، أشاروا الى ان قدومهم للعراق كان بدفع من ايران وذلك لمقاتلة الامريكان ( وكانت أمريكا تقرع طبول في حينها ) وتم الحكم عليهم بالسجن لدخولهم العراق بطريقة غير قانونية ، وعند صدور العفو العام في تشرين ثاني 2002 طلب هؤلاء مغادرة العراق الى إيران .
القاعدة ما بعد الغزو الامريكي للعراق :
وبعد الغزو الامريكي للعراق عام 2003 برزت مؤشرات أخرى مباشرة و غير مباشرة تشير الى تنفيذ تنظيم القاعدة الذي تنامى دوره وهيمنته في مناطق العراق الغربية للاجندات والمخططات الايرانية :
• الخدمة الكبيرة التي قدمها تنظيم القاعدة لايران عندما بدأ بعمليات القتل والتهجير الطائفي . وكذلك الفتوى التي اعلنها الزرقاوي بجواز قتل الشيعه ووصفه لهم بالكافرين . وكانت أيران تعمل بأزدواجية مع الجانب الاخر عبر أعداد وتدريب وتسليح الميليشيات الطائفية لتأجيج الاحتراب الطائفي . مما ولد شرخا في النسيج الاجتماعي العراقي أستغلته أيران لمصالحها في التغلغل أكثر داخل المجتمع العراقي .
• المعلومات التي أشار اليها ياسر الحبيب وهو من رجال الدين الشيعه المتشددين بأن أحد القاده الصدريين أخبره في لندن بأن هنالك أوامر من أيران بتزويد تنظيم القاعده بالسلاح .
• قيام عناصر تنظيم القاعده بمقاتلة عدد من فصائل المقاومة العراقية التي كانت تواجه الامريكان وكذلك قتل الشخصيات الوطنية وضباط الجيش والبعثيين في المناطق الغربية الرافضين للنفوذ الايراني .
• المعلومات التي أشارت الى لقاءات الملا ناظم الجبوري وهو من كبار قادة التنظيم في الضلوعية بأحد الدبلوماسيين الايرانيين في أحدى الدول المجاورة وأستلامه مبالغ مالية منه .
• السلاح الايراني الذي كانت تستخدمه مايسمى دولة العراق الاسلامية خاصة الألغام والعبوات الناسفة .
• أطلاق سراح عناصر التنظيم الذين كان يتم القبض عليهم من قبل وزارة الداخلية بعد يوم أو يومين من اعتقالهم خاصة أثناء تولي صولاغ وزارة للداخلية .
• أطلاق سراح الشخص الثاني في السفارة الايرانية في بغداد الذي تم الامساك به من قبل عناصر التنظيم على طريق بغداد كربلاء والذي كان يسمى طريق الموت عام 2006 و2007 بينما تم قتل السفير المصري في بغداد ودبلوماسيين مغربيين .
• الوثيقة التي نشرت في عدد من المواقع الالكترونية وجاءت على شكل صورة لبرقية صادرة بتاريخ 19/6/2013 من وزارة الداخلية ( وكالة الوزارة لشؤون الشرطة ) مفادها أدخال كميات من العبوات اللاصقة من أيران عبر منفذ زرباطية الحدودي في محافظة واسط الى العراق ، روسية الصنع ، على شكل علبة السكائر ، وتم أستلامها من قبل مجموعة التجهيز في تنظيم القاعدة . حسب ماجاء في الوثيقة .
تهريب سجناء ابو غريب :
أن حادثة تهريب السجناء من سجن ابو غريب من العمليات الكبيرة والخطيرة لحجم أعداد الهاربين الكبيرة وكون الهاربين عناصر في تنظيم القاعده منهم قياديين كبار والتخطيط الدقيق والاستعداد العالي والدعم اللوجستي والتداعيات الخطيرة التي ستترتب على الوضع السياسي والامني في العراق ، ولتحديد الجهة المستفيده من تهريب السجناء لابد من تسليط الضوء على مجريات العملية كما أعلنت في وسائل الاعلام وعلى لسان المسؤولين في الحكومة والبرلمان وكما يأتي :
• عدم التعامل بجدية مع معلومات أستخبارية توفرت لدى أجهزة الامن العراقية عن وجود عملية لتهريب السجناء .
• نقل 200 سجين من سجن الناصرية الى سجن بغداد المركزي ( أبو غريب ) من عناصر تنظيم القاعده المحكومين بالاعدام .
• أجراء تغييرات كبيرة شملت الضباط والمسؤولين على حماية وأدارة السجن أيام معدوده من الهجوم على السجن .
• أقامة مأدبة أفطار لجميع نزلاء سجن أبو غريب في ليلة تهريب السجناء .
• أشار وزير العدل حسن الشمري الى عدم وجود عناصر السرية المكلفة بحماية البوابة التي هرب منها السجناء .
• عدم وصول قوات الاسناد والدعم الى السجن الا بعد مرور ثلاث ساعات تقريبا .
• تأمين نقل الهاربين من السجن الى مناطق بعيدة ، بالرغم من انتشار قوات الجيش والشرطة والسيطرات على الطرقات .
المالكي يتهم الميليشيات :
لاول مرة منذ توليه منصب رئيس الحكومة بل وحتى قبل ذلك عندما كان عضو في البرلمان ورئيسا للجنة الامن والدفاع ، المالكي يوجه الاتهام الى الميليشيات دون البعثيين والقاعده الذي كان دائما مايدعي بأنهم وراء كل الخروقات الامنية ، وكان أتهامه موجها الى ميليشيا جيش المهدي يالتحديد الذي يتزعمه مقتدى الصدر ، وربما يتصور البعض ان اتهام المالكي للصدريين جاء بسبب صراع النفوذ وموقف الصدريين المناوىء للمالكي ومجموعته الحاكمه ، لكن المؤكد أن أتهام المالكي هذا لم يأتي من فراغ بل أدرك أن أيران ماضية بالتخلي عنه وأراد أن يكشف دورها في تهريب السجناء بصورة غير مباشرة لكن أشارته الى الميليشيات هو من باب خلط الاوراق . كذلك درايته بأن أيران أخذت بتهيأة التيار الصدري الذي يمتلك تجربة في الحرب الطائفية التي تلت تفجير قبة العسكريين عام 2006 لتولي رئاسة الحكومة لغايات تخدم أجنداتها في الهيمنه على العراق وأتخاذه نقطة أنطلاق الى الدول العربية ولان المالكي لم يعد مقبولا داخليا وخارجيا بسبب صراعاته السياسية الداخلية وفساد حزبه وفشل حكومته في تقديم الخدمات للعراقيين ولتعاظم الحراك الشعبي وأستمرار التظاهرات في المناطق الغربية وأمتدادها الى محافظات الجنوب ولو أختلفت المطالب بين متظاهري الطرفين ، ولضمان سيطرة أيران على العراق لابد من تغيير الوجوه سيما و ان مرجعية التيار الصدري المتمثلة برجل الدين ( كاظم الحائري ) المقيم في مدينة قم الايرانية وهو من العاملين على نهج ولاية الفقيه وضمن خط المرشد الاعلى للثورة الاسلامية ولكون التيار يمتلك القاعده الشعبية الواسعه في محافظات الجنوب و لايأخذ عليه مثل مايؤخذ على الاحزاب الدينية الشيعية الاخرى المعروفه بالتبعية لايران وموالاتها المكشوفه لها . لذلك فأن أفضل من يكون مناسبا للمرحلة القادمة ويخدم مخططات أيران هم الصدريين .
وبعد أن تم بيان العلاقة بين تنظيم القاعدة ( دولة العراق الاسلامية ) والدور الخطير الذي تقوم به لصالح المخططات الايرانية ، وعملية تهريب سجناء القاعده من سجن ابو غريب الذي تم على يد عناصر حكومية مرتبطة بالاجنده الايرانية ، وما تشهده المنطقة من صراعات وما يجري في بغداد والمحافظات والمدن العراقية من أحداث عنف يومية بطريقة الفعل ورد الفعل بين الميليشيات والقاعدة ، وما حصل ويحصل من عمليات قتل وتهجير طائفي في قضاء المقدادية في محافظة ديالى والاقضية والنواحي المحيطة ببغداد خاصة الطارمية والمشاهدة فأن المخطط الايراني القادم هو أذكاء العنف الطائفي وتأجيج الصراعات المذهبية لأحكام السيطرة والهيمنه الايرانية على العراق وبسط النفوذ على مناطق شرق ديالى لفتح الطريق الى بغداد من جهة شمالها الشرقي وصولا الى سامراء التي يراد تحويلها الى محافظة الامامين ، كما أن أيران لم تخفي نواياها تجاه العراق فقد أعلن على لسان مسؤوليها ألاستعداد لملء الفراغ الامني وكذلك أستعدادها لارسال قوات الحرس الثوري الايراني لبسط الامن في العراق ، لذلك فأن الايام القادمة ستشهد مزيدا من أحداث العنف والذي حذرت منه هيئة الامم المتحدة والادارة الامريكية لما تمتلك المزيد من مؤشرات وأدلة على ذلك .